د. حسناء القنيعير لم يبق أمام الطلاب المسافرين للدراسة في الخارج سوى أن تُزين لهم فكرة الزواج بنية الطلاق، وهو أن يتزوج الرجل المرأة ولا يُعلمها أنه سوف يطلقها بعد مدة من الزمن قد تطول أو تقصر ويتم هذا غالبا عندما تنتهي مصلحته في البلد الذي تزوج فيه، وقد اختلف فيه العلماء بين مبيح له وحجته في ذلك اكتمال الشروط والأركان، ومانع لما فيه من الغش والتدليس ... ومن المانعين للزواج بنية الطلاق المجمع الفقهي الإسلامي، حيث جاء قولهم (الزواج بنية الطلاق هو: زواج توافرت فيه أركان النكاح وشروطه وأضمر الزوج في نفسه طلاق المرأة بعد مدة معلومة كعشرة أيام، أو مجهولة كتعليق الزواج على إتمام دراسته أو تحقيق الغرض الذي قدم من أجله. وهذا النوع من النكاح على الرغم من أن جماعة من العلماء أجازوه، إلا أن المجمع يرى منعه ؛ لاشتماله على الغش والتدليس، إذ لو علمت المرأة أو وليها بذلك لم يقبلا هذا العقد، ولأنه يؤدي إلى مفاسد عظيمة وأضرار جسيمة تسيء إلى سمعة المسلمين) وبسبب قيامه على الغش والتدليس، وما يؤدي إليه من مفاسد يأتي على رأسها الإساءة إلى المسلمين منعه المجمع الفقهي. راجت مفاهيم الزواج بنية الطلاق أو زواج المسفار والمسيار والمصياف وغيرها من عقود الزواج التي ما أنزل الله بها من سلطان سوى أن فئة من المسلمين أصبحت تملك حقوق ملكيتها كاختراع خاص وغريب، حتى صارت تلك المصطلحات هاجسا لدى من يظن الشاب السعودي ليس إلا غريزة تمشي على الأرض، وعليه العمل فقط من أجل إشباعها تلك التي حتما لن تُشبع متى أضحى إشباعها غاية لديه كما صوروا له، وقد خطب أحد أئمة المساجد قائلا “وهو يظن أنه يحسن صنعا” كيف ترسلون فتية صغارا لتلك الأصقاع ليرى أصنافا من النساء لم يعتد عليها وتمنعونه من الزواج بنية الطلاق! ثم يسترسل “لا فضّ فوه” قائلا هل يستطيع أن يقاوم أكل الحلوى من وضعت أمامه أطباق من حلوى لم يذقها في حياته؟ وحسنا فعل عندما لم يشبههن باللحم المكشوف الذي تتكالب عليه الضواري كما فعل مفتي أستراليا! فأيُّ منطق هذا الذي يقوله ذلك الإمام؟ وأيُّ تلاعب في مؤسسة الزواج ومفاهيمها التي لا يأتي إشباع الغريزة في سلم أولوياتها !!!! ثم هبوا أنه تزوج مسيارا أو زواجا بنية الطلاق هل تأمنون أنه لن يحلو له الأمر فيتزوج ويطلق بل ويعدد ما شاء بين مسيار ومسفار، فيصبح هاجسه الأول فقط الزواج لا غير، بل إنهم بهذا يزينون للشاب قليل التجربة أمورا لا يعرف نتائجها مما سيوقعه في إشكالات لأن القوانين الغربية تمنع التعدد كما تمنع الطلاق دون موافقة الزوجة، وهي إن وافقت فالقانون يجبره على أن يقاسمها ثروته، ومعظم الطلاب الذين يذهبون على نفقة الدولة لا مورد لهم سوى ما يحصلون عليه منها فماذا ستكون النتيجة؟ حتما سيقعون ضحية للابتزاز أو سيودعون السجن أو سوى ذلك من الأمور التي قد تترتب على إخلالهم بما تعارفت عليه تلك الدول وبما استقرّ في قوانينها، ووقتذاك سيضج المتحمسون قائلين إن شبابنا مستهدف في الغرب، في حين أن القانون لا يحمي المغفلين . فهل وضّح ذلك من أجازوا تلك الزيجات وأعلموا الشباب بالعواقب؟ أم اكتفوا بإعطائهم الضوء الأخضر ليطلقوا العنان لغرائزهم وما عدا ذلك فليست مهمتهم توعية الشباب به . لقد تناسى من أجازوا ذلك السلبيات التي تترتب على هذه الزيجات كعدم تناغمها مع مبدأ الزواج القائم على السكينة والمودة والرحمة، علاوة على الصدق والوضوح وتبادل المنافع بين الزوجين، ليعلّموا الشباب من صغار السن أول مفردة من مفردات الغش والكذب والتحايل على أنظمة الآخرين وقوانينهم والعبث بمشاعر نسائهم حيث لم يستنكفوا عن غرس فكرة في أذهان الشباب مؤداها أن المرأة ليست سوى سلعة يشتريها الرجل بماله عندما يحتاجها، علاوة على أن زيجات كهذه لا تنسجم مع منطق العصر وتطور المرأة وعدم قبول من تعتز بذاتها بأن تكون رقما من الأرقام التي يراكمها بعض الرجال ويفاخرون بها، بل يجعلونها مجالا للتنافس والتسابق على الإكثار منها، كما لا تقبل أن تكون سلعة يشتريها أحدهم اليوم وعندما يملها يأتي بغيرها تماما كما يبدل سيارته وغيرها من ممتلكاته القابلة للتغيير! لقد تناسوا أن ذلك الشاب ذاهب لهدف واحد لا غير، وأن عليه أن يعمل لتحقيقه ما وسعه ذلك، وأن يكون سفيرا لبلاده بتصرفات لائقة دينيا وحضاريا وإنسانيا لا تشوبها شائبة من كذب وغش وخداع وتحايل على أنظمة تلك الديار وقوانينها !! هؤلاء حتما لا يرضون بمثل هذه الزيجات لبناتهم ولا لأخواتهم ، كما لا يريدونه لأبنائهم إن كانوا يدرسون في الغرب حماية لهم وخوفا عليهم، وهم في هذا مثلهم مثل فقهاء الإرهاب الذين يغرون الشباب بتفجير أنفسهم للفوز بالحور العين، فلم نسمع يوما أن أحد أبنائهم فجر نفسه حيث يتفرغ ذلك النسل المبارك للدراسة والعمل والزواج والإنجاب، أما الفقراء والبسطاء وقليلو الحيلة فهم وحدهم من يقع في فخاخ فقهاء الإرهابيين . كلنا يعلم أن الشاب السعودي مستهدف من سماسرة الإرهاب، فهل حُذر الشباب من هؤلاء الذين يترصدونهم مستغلين صغر سنهم وضعف تجربتهم الحياتية ليزينوا لهم أمورا كثيرة ربما لم يكن في حسبانهم ممارستها؟ ولابد أنه في دول الغرب من العرب والمسلمين من تلقف تلك الأفكار الخاصة بالزواج ولن يتورع عن توريط أبنائنا في زيجات وإشكالات تصرفهم عن الغاية التي ذهبوا من أجلها، ليقعوا فريسة للابتزاز من أولئك الذين يتقربون من أي سعودي يفد بغرض الدراسة أو السياحة لأنهم يعرفون نقاط ضعف بعضهم خصوصا تجاه المرأة . إن الأسئلة التي تتقافز إلى الذهن إزاء هذه الزيجات هي: لماذا لا يحسن هؤلاء إلا مخاطبة الغرائز التي تحتل بؤر شعورهم؟ ولماذا يقدمونها على غيرها من الأمور التي حتما ستعود على الطالب المغترب بالفائدة وتقيه من الأخطار التي قد يتعرض لها؟ ولماذا يصرون على نقل ما في نفوسهم إلى أولئك الشباب؟ ثم لماذا لم يكن موضوع الزواج واردا لدى الأجيال التي سبق أن ذهبت إلى الغرب للدراسة على هذا النحو من الإلحاح، فلم يفتِ لهم أحد حينذاك بزواج شبيه بهذه الزيجات؟ إذن لماذا نغضب عندما يقبض على بعض أبنائنا بسبب ارتكابهم مخالفات قانونية، ونحن الذين أرسلناهم مدججين بمفاهيم تخالف قوانين تلك البلدان وأعرافهم الاجتماعية؟ ألم يفكر هؤلاء بحجم الإحراج الذي يوقعون فيه الوطن عندما يتزوج أولئك الشباب المغترب ثم يطلقون من تزوجوا بهن ويتركوهن مع أولادهن إن كان ثمة أولاد عائدين إلى الوطن، كما فعل ويفعل بعض الرجال السعوديين في أقطار عربية وغير عربية، وقد عانت بعض سفاراتنا من سفه أولئك العابثين الذين تركوا زوجات وأطفالا يعانون الفقر والحاجة في تلك البلدان! ثم ما هو دور وزارة التعليم العالي إزاء الأفكار المتعلقة بتلك الزيجات؟ وهل قامت بتوعية الشباب وتحذيرهم من الفخاخ التي قد يقعون فيها لو مارسوها هنالك؟ ولماذا يُترك الحبل على الغارب لأولئك النفر فيصولون ويجولون في تلك العوالم، عوالم النصائح التي تُلقى على عواهنها دون الاعتبار بالعواقب؟ لماذا لا تستعين وزارة التعليم العالي بعلماء نفس واجتماع لإصلاح ما أفسدته تلك الآراء بدلا من اقتصارهم على فئة واحدة ؟ ما زالت بلادنا تحاول إصلاح ما أفسدته أحداث الحادي عشر من بتمبر، وتحسين صورة المواطن السعودي مما علق بها من تشويه بإرسال الوفود وعقد اللقاءات وإقامة الأسابيع الثقافية، فيأتي من يضيف إلى ذلك التشويه تشويها آخر يقوم على العبث والتلاعب بالقوانين والاستهانة بمشاعر النساء الغربيات . لا يختلف اثنان في أن الخطاب الخاص بالمرأة خطاب مأزوم، تكمن أزمته في وقوفه عند الغريزة لإشباعها بمثل تلك الزيجات التي يستغلها ضعاف النفوس من الرجال، مستهينا بمشاعر المرأة وكرامتها وإنسانيتها واعتبارها مجرد وعاء لا غير، خطاب مأزوم ضيق على المرأة وحاصرها بمنعها من أمور لم يحرمّها الدين، فتعرضت بسبب هذا الخطاب للظلم والقهر من أقرب الناس إليها زوجا وأبا وأشقاء، وحيل بينها وممارسة دورها كذات لها استقلالها وإرادتها، حتى رضيت بعض النساء المؤهلات بالزواج من حارس مدرسة أو سائق أو عامل أجنبي!!! فما الذي يدفع امرأة للاقتران برجل كهذا إن لم يكن يقدم لها خيارا أفضل تهرب به من وضع أسوأ من الزواج بمن هو أقل منها تأهيلا؟ بل ما الذي يجعل أربع معلمات يتزوجن سائق الباص الذي يوصلهن إلى المدرسة التي يعملن فيها في إحدى القرى البعيدة فتقبل الواحدة منهن ربع رجل أو ربع سائق باص! وربما أعطته هي المهر وأنفقت عليه بدلا من أن ينفق هو عليها؟ ألا يُفسر هذا بأنه فرار من الأسوأ؟ أزمة خطاب المرأة تكمن في افتقادنا إلى مؤسسات قادرة على مساعدتها واجتراح حلول لمشكلاتها الخاصة والأسرية والمجتمعية التي لم تعد خافية على أحد . لدينا أزمة في موضوع المرأة تتمثل في دوران المجتمع كله في حلقة مفرغة، فكل مقاربة لموضوعها تنتهي إلى لا شيء لأنها تواجه بردات فعل لا بدراسات منهجية تغوص في جذور المشكلة، ولهذا تغرق المرأة في بحر متلاطم من الإشكالات التي لا تنتهي لأنه لم توضع لها الحلول التي تخرجها من إطار الشعارات والعبارات .[c1]نقلا عن صحيفة “الرياض” السعودية [/c]
المسيار والمصياف والمسفار بين تسليع المرأة وأزمة الخطاب
أخبار متعلقة