أحداث 13 يناير 1986م الدروس – العِبَر – في سياق دفن ملفات الماضي
[c1]* أحداث يناير هي نتاج ثقافة قمعية تصفوية إقصائية شمولية معادية للتنوع والتعددية* نقف أمام الحدث باعتباره محطة تاريخية بهدف المراجعة والتقييم والقراءة الموضوعية[/c]رصد ومتابعة / محبوب عبد العزيز / تصوير / علي الدربنظمت رئاسة جامعة عدن صباح أمس السبت حلقة نقاش في سياق دفن ملفات الماضي تحت عنوان "13 يناير – الدرس والعبرة".وقد استمرت الفعالية لمدة ساعتين وحضرها عددٌ من أساتذة الجامعة والإعلام والثقافة والفكر والسلطة المحلية والمجتمع المدني والمهتمين بالشأن السياسي ولأهمية ما جاء في الحلقة تنشر صحيفة 14 أكتوبر مداخلات المشاركين التي نالت استحسان وتفاعل الحاضرين معها.في مستهل حلقة النقاش تحدث الأستاذ الدكتور / عبد الوهاب راوح – رئيس جامعة عدن بكلمةٍ قال فيها : -أرحب بكم وأشكر حضوركم للمشاركة في هذا الملتقى وأشكر كذلك الإخوة من حملة الفكر والثقافة والإعلام الذين شرفونا من خارج الجامعة وقلوبهم معها ويجمعنا اليوم الحوار حول حدث ليس بقصد الوقوف عند الحدث، وإنّما بقصد المراجعة والخروج بالعبرة من خلال القراءة الموضوعية المسؤولة ويأتي تناول هذا الحدث المعروف بـ (13 يناير) بهدف المراجعة والتقييم لمعرفة ما إذا أصبح لدينا اليوم من العمل المؤسسي المحصن بالشرعية الدستورية ما يحول دون تكرار مثل هذا الحدث ولا أقول بهذا إني أضع الإطار لمحاور هذه الحلقة، وإنّما أود أن أشير إلى أنّ بلادنا اليوم بنهجها الديمقراطي وتجاوزها كثيراً من المراحل لدينا اليوم من العمل المؤسسي والمشاركة والحوار ما يجعل ليس هناك أي رسم لإعادة تخلق مثل تلك الأحداث .. وأضاف قائلاً :إنّ هذا الحدث يُعد واحداً من الأحداث التي تمثل محطة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، ولا يمكن تجاوزها؛ وإنّما نريد بذلك أن نشير إلى أنّ هذا جزء من واقع التاريخ وقراءته اليوم ليس لنبش الماضي، أو إثارة ما كمن من حزازاته وحرقاته؛ وإنّما نرجو أن يكون الهدف أسمى من ذلك؛ ألا وهو استخلاص العبرة والعمل لنشر ثقافة الديمقراطية وتحصين العمل السياسي بالعمل الدستوري والمؤسسي ما يحول دون اللجوء إلى استخدام السلاح في حل المشاكل، وبما يحول أيضاً دون استنبات بؤر الصراع التي تؤدي إلى الانفجار وإراقة الدماء وهذا هو الغرض العام الذي تستهدفه الجامعة من خلال قراءة الحدث، وتمّ الحرص على دعوة المهتمين بالشأن العام ومن تتوافر لديهم القدرة على قراءة الحديث والخروج بالتوصيات التي من شأنها أن تعمل على عدم العودة إلى لجوء المجتمع بمؤسساته المختصة والمعنية إلى حمل السلاح مرةً أخرى.[c1]لحظة من عدم الحكمة[/c]كما ألقى الأخ / عبد الكريم صالح شائف – نائب محافظ عدن الأمين العام للمجلس المحلي في المحافظة كلمةً في افتتاح حلقة النقاش وقال :في البدء أشكر إدارة جامعة عدن ومركز الدراسات والبحوث في الجامعة لإقامة هذه الندوة بمرور عشرين عاماً على مذبحة 13 يناير المشئومة.وبمرور هذه الذكرى نترحم على أرواح الشهداء الذين قُتلوا في هذه الأحداث التي نستطيع وصفها بالكارثة.هي بالفعل مناسبة للاستفادة منها كدروسٍ وعبر سواء للسياسيين بمختلف توجيهاتهم أو الشباب وأجيال الحاضر والمستقبل حيث ينبغي لشبابنا وأولادنا أن يعرفوا خلفيات هذه الكارثة التي حلّت بالبلد في لحظة من عدم الحكمة وبسبب غياب الديمقراطية داخل الحزب الاشتراكي حينها، وبسبب التكتلات المناطقية والقبلية واللجوء للسلاح كوسيلةٍ لحسم الخلافات، ولو تم اللجوء إلى الديمقراطية وتحكيم العقل لما حصلت هذه الكارثة.إنّ المرء عندما يتذكر ما حصل صبيحة الثالث عشر من يناير عام 1986م ويتذكر زملاء الدراسة والعمل والمثقفين والشعراء منهم والمحامين، الذين لقوا حتفهم، والعدد الكبير، الذين تم تصفيتهم ووصل الأمر إلى حد التصفية بالبطاقة الشخصية في تلك الفاجعة التي ألقت بعواقبها وآلامها على البلاد والحياة واليوم يطرح السؤال نفسه لماذا حدث هذا القتل وبتلك الطريقة البشعة لأجنحة الصراع على السلطة؟.إنّ الإجابة عن هذا السؤال تطرح نفسها أمام الحاضرين اليوم، للبحث والدراسة والتقييم كوننا نقف أمام حدثٍ ينبغي لنا التوقف أمامه، ونحن ما نقصده ليس التشفي أو التذكير بالمآسي أو نبش الماضي؛ وإنّما لكي لا تتكرر مثل هذه المأساة، حيث كان الحدث نقطة سوداء في تاريخ العمل السياسي وتاريخ اليمن الحديث والمعاصر؛ لأنّ عدم وضع قيمة للإنسان وقتل الناس في الغرف والحاويات هو سلوك مشين ولا يمت بصلة إلى تقاليد وأخلاقيات الإنسان اليمني.وأيضاً عندما تبحثون ستجدون أنّه قُتل بعض الناس الذين لم يكونوا طرفاً في الصراع ولا علاقة لهم في السياسة.. قُتل كثير من الأبرياء بسبب أنّهم كانوا منتمين لهذه المحافظة أو تلك المنطقة التابعة للمسؤول الفلاني.هناك أدباء وكُتّاب وإعلاميين سقطوا ضحايا، وكم نتمنى أن يكونوا اليوم بيننا، منهم زكي بركات، د . أحمد سالم علي، عبدالرحمن بلجون، جمال الخطيب، أحمد عبدالرحمن بشر، فاروق علي أحمد، محمد ناجي سعيد وعبدالله السيد وغيرهم ليروا ما تحقق اليوم في عهد الحكمة والاستقرار والوحدة وواصل شائف كلمته ليقول :توجد دروس وحكمة للقيادة السياسية قدمت نموذج وسلوك غير مسبوق في حياتنا، وهي العفو العام، العفو عن الخصوم، العفو عن المحكومين قضائياً، إتباع أسلوب الحوار، الحفاظ على القوى السياسية الأخرى واحترام الاختلاف معها، وهي دروس ينبغي لنا أيضاً الاستفادة منها وترسيخها، حيث كان فخامة الرئيس علي عبدالله صالح من الزعامات والرؤساء القلائل في العالم الذين أقدموا وبكل شجاعة على خطوات جريئة على هذا الصعيد، وهو ما يسجل بصورة ناصعة في تاريخ اليمن الحديث.كما أنّ الديمقراطية هي السبيل الوحيد لنتجنب الوقوع في مثل تلك الكارثة وأنّ أسلوب الدجل والقتل وقوة السلاح أو القبيلة أو الطائفية لا يأتيان بالخير وإنّما بالأخطاء والمآسي والظلم.والحمد لله أنّ شعبنا من أقصاه إلى أقصاه ضد التمييز والجهد والتسلق للسلطة بصورة غير مشروعة.وأحب أن أؤكد مرة أخرى إننا لسنا مع طرف أو نؤيد طرفاً أنّه كان على صح والآخر على خطأ، أو نتهم أحداً بالتسبب فيها ولكننا حقيقة ضد هذه الكارثة والمجزرة، التي تعتبر اليوم ذات فائدة للأجيال والسياسيين الجدد للاستفادة منها بما فيها من الدروس والعبر المفيدة ونحن جميعاً نتعلّم من مدرسة الحياة.والحمد لله أنّ حقبة الوحدة فيها كثير من الأشياء المفيدة، ابتداءً من الديمقراطية والتعددية وحرية الصحافة واحترام الآخر.وكل هذه أمور جميلة ينبغي للجميع أن يعمل على ترسيخها حتى لا تعود بنا الأيام إلى محطة جديدة من الآلام والمآسي ونتصرف بصورةٍ مشينة كما تصرف الآخرون في تلك الحقبة ونكرر أنّ لقاءنا هذا ليس بهدف التجريح أو الإساءة إلى أحد، ولكن ينبغي للحقائق أن تظل ملكاً للتاريخ، وأن نستفيد منها لما فيه خيرنا ونحن في عهد الوحدة، جيل الثاني والعشرين من مايو، جيل التسامح والوئام والبناء.[c1]ثقافة إقصاء الآخر[/c]بعد ذلك فتح باب المداخلات وكان أول المتحدثين الأستاذ / أحمد محمد الحبيشي – رئيس مجلس إدارة مؤسسة 14 أكتوبر رئيس تحرير الصحيفة حيث قال في مداخلته:عندما دُعيت للمشاركة في هذه الندوة تناقشت مع الإخوة المنظمين والمشاركين في هذه الحلقة على أنّ الهدف م إثارة موضوع بحجم ومعنى أحداث 13 يناير 1986م، هو تبيان الحقيقة وأخذ العبرة ونحن بالطبع لا نستطيع أن نقوم بدفن ملفات؛ لأنّ هناك ضحايا لهذه الملفات، وهناك وسائل قانونية يمكن إتباعها لإغلاق هذه الملفات ولكننا بحاجةٍ إلى التعامل مع هذه الملفات في إطارها الموضوعي.إنّ ما حدث في يوم الاثنين الدامي 13 يناير 1986م، من مجازر وأحداث هي نتاج ثقافة قمعية تصفوية إقصائية شمولية معادية للتعددية والتنوُّع وهذه الثقافة ليست نتاج صُنّاع الحدث الذي وقع في يوم الاثنين، ولكنها ثقافة موجودة في تاريخنا السياسي، وقد كانت وراء الحرب الأهلية التي حدثت عشية الاستقلال بين الجبهة القومية وجبهة التحرير وإقصاء أحد أطراف العملية الوطنية في تلك الفترة، وكانت وراء أحداث أغسطس 1968م في صنعاء والتي تم فيها القتل ليس بالهوية ولكن باللهجة، وتم فيها تنفيذ مجازر جماعية راح ضحيتها أشرف قادة الثورة اليمنية والمدافعون عن الجمهورية.. هذه الأحداث هي نتاج ثقافة ينبغي لنا أن نعلم الأجيال الآن ضرورة نقدها بعقل واعٍ وبشكل موضوعي مع ضرورة التسلُّح بالقيم الإنسانية التي يجب أن نتعلمها من نتائج هذه الثقافة لنعرف كيف نعيش بتسامح وحرية؟ وكيف نعترف بالآخر ونضع إطاراً للتعدية والتنوُّع والاختلاف وإذا أردنا أن نتحدث عن واقعة 13 يناير لا يجب أن نتحدث بخطب سياسية لا بنزعات ثأرية ولا بتصفيات حسابات سياسية؛ لأنّ كل الذين شاركوا في أحداث 13 يناير ليسوا أبرياء، القتلة منهم والضحايا، لكن جميعنا ضحايا لثقافة قمعية شمولية إقصائية، والتي في اعتقادي أننا بدأنا ندفنها يوم الثاني والعشرين من مايو 1990م، عندما ارتبطت الوحدة بالديمقراطية والتعددية وعلينا أن نحمي هذا الإنجاز وأن نبني ثقافة سياسية جديدة لا تعيدنا إلى أجواء القمع والإقصاء وتصفية الحسابات ولكن تخلق في حديقة حياتنا مُناخاً جديداً يتربى في ظله أبناؤنا وأحفادنا بأمن وسلامٍ دائمين.[c1]ثقافة ومفهوم العنف[/c]من جانبه قال الأخ / أيمن محمد ناصر – رئيس تحرير صحيفة الطريق في مداخلته :إنّ أي محاولة لمقاربة فهم ما جرى في 13 يناير 1986م، لن يُكتب لها النجاح، ما لم تقرأ البدايات الأولى للعنف والتصفية التي تكرّست كثقافة وكمفهوم منذ الحرب الأهلية عشية الاستقلال ومن ثم 22 يونيو 1969، وما 13 يناير 1986م؛ إلا تراكم لكل تلك النزاعات، كان منها تصفية فيصل عبداللطيف في زنزانته وتفجير طائرة الدبلوماسيين وأحداث سالمين 1978م، وما تلاها.وفي اعتقادي أنّه لا ينبغي لنا أن نتوقف كثيراً في أحداث يناير باعتبارها محطة رئيسة دون أن ننظر إلى آلاف الضحايا الذين أزهقت أرواحهم من قبل؛ لأنّ أي نزاع عسكري تصادمي يسبب مثل هذه المأساة وعلينا أيضاً أن نتطرق إلى الضحايا الذين سقطوا في مراحل السلم من دون أية تهم أو ذنب بحيث لا يكون الهدف من ذلك تصفية حسابات أو نبش الماضي وإثارة أية نزاعات مستقبلية – لا سمح الله – ولكني أرى في تصوّري أنّ المُناخَ العالمي وفي كل بقاع العالم يتحدث الناس عن انتهاكات لحقوق الإنسان وتتكلم بشفافية عما جرى في كل مكان ولا حرج أن نتحدث نحن أيضاً عن الأحداث التي شهدتها بلادنا، ولكن بقصد سليم ونيّة طيبة.. وهناك حاجات ملحة للالتفات إلى الماضي بين الحين والآخر، فالإنسان لا يستطيع أن يقود سيارته دون الالتفات إلى المرآة؛ لأنّ ذلك سيؤدي به إلى الوقوع في الحوادث وكثير من المآسي، لذلك أرى أنّ الدعوة إلى عدم الحديث عن الماضي ودفنه كمن يطلب منك أن تنزع المرآة عن سيارتك ونتمنى اليوم أن نخرج بتوصيات موضوعية وعقلانية منها أن تكون ثقافة التسامح سائدة، ولكن بشروطها وأولها الكشف عن الحقائق وأنّ من كان في موقع المسؤولية واتخذ قرارات بهذا المستوى أو ذاك فعليه أن يرتاح.. ويترك الفرصة لغيره.وقدّم الدكتور / علوي عمر مبلغ – من جامعة عدن مداخلة قال فيها :أود هنا أن أطرح بعض الملاحظات التي أرى في تقديري أنّها ذات عَلاقة بالموضع الذي يجري النقاش حوله في ملتقانا هذا، ابتداءً من موضوع الحلقة والسؤال المشروع المطروح هو كيف يبدو للمتتبع أن يتحدث حول الدروس والعِبَر دون الخوض في غمار الأسباب التي أدت إلى هذه النتائج ويشعر المرء إزاء ذلك بأنّه لابد من التوفيق بين معرفة هذه الأسباب دون المساس بالجوانب التي تتعلق بنبش الماضي وجراحه الأمر الذي يجعل من المسألة أكثر صعوبة ووعورة في الحديث عنها، وأنّ كل الأحاديث التي كانت تتناول هذه الأحداث في السابق تميّزت بطابع سجالي سياسي تحريضي دعائي بعيداً عن الطابع الأكاديمي الأمر الذي يجعل من الجامعة نقطة الانطلاق والجهة المعنية بالحديث عن هذا الموضوع؛ لأنّه يبدو أنّ هناك سؤالاً مشروعاً حول ما إذا كانت توجد مؤشرات لانبعاث 13 يناير جديدة وبالتالي ستكون الإجابات مختلفة في هذه الحالة وهناك تساؤل ثالث وهو ماذا سيحدثنا مفكرو التاريخ اليمني حينما يعكفون على توثيق التاريخ اليمني المعاصر والكتابة في هذا الحدث.[c1]تدبير مسبق للأحداث[/c]وتحدث أيضاً الدكتور/ صالح الميسري حيث قال :أتفق مع الأطروحات التي سبقت حول الصراعات ونشأتها منذ ما قبل الاستقلال وما نتج عنها من صدامات دموية وتصفيات جسدية طالت شخصيات وطنية مرموقة، ونؤكد أنّ كل ما حدث من صراعٍ كان للوصول إلى السلطة وحولها وحُشرت الجماهير في هذه الصراعات؛ لأنّ تركيبة النظام بذاته لم تكن سليمة، إذ اعتمدت على المنطق القبلي والعشائري وعَلاقات القربى، وبهذا لم تأتِ أحداث يناير مصادفة، وإنّما بتدبير مرتب وبنوايا سابقة، والتوزيعات العسكرية للمسلحين بين الأطراف المتناحرة التي سبقت الأحداث كانت مؤشراً على ذلك، ولكن ما أنتجته الأحداث لم نعتبر بها ونأخذ منها الدروس، ولو أننا استفدنا من درس 13 يناير لما حدثت في العهد الوحدوي فتنة 1994م، التي كان الغرض منها الإنفراد بالسلطة والاستئثار دون الطرف الآخر، وإذا أردنا ألا تتكرر مثل هذه المآسي فأرى أنّ هناك ضوابط يجب الالتزام بها ومن أبرزها الولاء لله أولاً ثم للوطن وليس للأشخاص وعدم اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة والأمن لحل المشكلات الداخلية والتمسك بالشرعية الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة.وتبعه الأخ/ عبد الله ناجي بمداخلته التي قال فيها :اعتقد أننا ما زلنا في ديمقراطية ناشئة وصحيح أنّ كثيراً من القضايا تحل عن طريق الحوار، - وهذا اللقاء أكبر مثال على ذلك – لأنّه يناقش قضية كبيرة وحسّاسة أو كما وصفها بعض بالكارثية، ولكن عدم تكرار مثل هذه الأحداث والوصول إلى السلطة بطرق دموية، في تقديري أنّها نسبة ضمانتها حتى الآن ضعيفة، وإلا لما تكررت بعدها أحداث مشابهة كحرب 1994م، وفتنة الحوثي في صعدة، وعلينا أيضاً أن نفرق بين وجهة نظر السياسيين ووجهة نظر الحقوقيين عند الحديث في مثل هذه الموضوعات؛ لأنّ الذي يتسبب في هذه الأزمات هم السياسيون ثم بعد ذلك يلتقون مجدداً ويقولون عفا الله عما سلف!!بينما لغة العصر اليوم هي لغة حقوق الإنسان وهي الحل الجذري لمثل هذه القضايا وإنصاف الضحايا الذين سقطوا فيها، وذهب فيها الطابور الأول والثاني من الكوادر الوطنية، وفي ما اعتقد أنّه لولا الظروف الاقتصادية التي يعيشها أبنا الجنوب لخرج الشعب مطالباً بإبراز هذا الملف إلى السطح، وأرى أنّه لابد من أن تتحرك السلطة بالتعاون مع منظمات دولية لوضع خطة إعادة اعتبار وتعويض أسر الضحايا وأن تكون هناك نوايا صادقة لحل هذه المشكلات التي عانى منها الشمال والجنوب معاً، وإغلاق ملفات الماضي. وأن تكون هناك محاسبة سياسية وتاريخية للأشخاص الذين هم وراء هذه الأحداث حتى لا تتكرر ونعود لقاعدة عفا الله عما سلف.[c1]إناء لتلقي الصراعات[/c]أما الدكتور / هشام السقاف فقد قال في مداخلته :سأبدأ من الجذور التاريخية للصراع السياسي في اليمن والذي أسهم فيه العامل الخارجي بصورة فاعلة والمسألة مرتبطة بخطنا نحن في اليمن منذ العصر الإسلامي، حيث خرج اليمانيون طواعية للفتوحات، وأصبحت اليمن عبارة عن إناء يتلقى كل الصراعات القادمة من العواصم المؤثرة (المدينة، الكوفة، دمشق وبغداد) والسلطة التي تسلّمت السلطة في عام 1967م، لم تخرج عن هذا الإطار حيث كانت عبارة عن قوى يلعب فيها العامل الخارجي أكثر من تأثيرات العامل الداخلي عليها، والكل يعرف أنّ حركة القوميين العرب، عندما انشقت كان النموذج الأبرز لها في عدن، وبالتالي سياسة الإقصاء التي تحدث عنها الزميل / أحمد الحبيشي هي التي كانت سائدة، ولكن ليس بضاعة يمانية، فالصراع السياسي كان موجوداً في العراق وتمّ تصفية الأسرة الحاكمة عام 1958م، عن بكرة أبيها بمن فيهم الأطفال، ونحن لم نخرج عن هذا الإطار وحدث ما حدث في 13 يناير 1986م، التي كان فيها العامل الخارجي حاضراً وكان ما يحدث في الكرملين بالاتحاد السوفياتي سابقاً ينعكس على عدن ومثله يقع على الأشخاص، وهكذا وجدت المعادلة السياسية في جنوب الوطن، ولن نستطيع الاستقلال بذاتنا إلا ببنية اقتصادية قوية وديمقراطية مؤصلة.وأؤكد أنّه لو كانت الديمقراطية موجودة من عام 1967م لما أقصي الناس من وظائفهم ولما هاجرت الكوادر والخبرات اليمنية إلى الخليج ونحن لدينا اليوم المداخل الأساسية للديمقراطية لذا علينا أن نتمسك ونعض عليها بالتواجذ حتى لا تتكرر 13 يناير مرةًً أخرى.من جانبهما تحدثت الأختان / فاطمة سعيد وأسماء الحمزة بقولهما :نحن نوجه نداءنا اليوم إلى فخامة الرئيس / علي عبد الله صالح – رئيس الجمهورية ليقوم بفتح ملفات 13 يناير ومحاكمة كل من تلوثت يده بدماء الأبرياء وقتلهم دون أن يرتكبوا ذنباً ليلقوا هذا الجزاء، وأن يقف كل المجرمين في المحكمة أمام القضاء العادل لينالوا العقوبة اللازمة وتشفى صدور أسر الضحايا الأبرياء.ونطالب فخامته بألا يسمح لأي مجرم ثبت تورطه في جرائم 13 يناير يتبوأ أية مناصب في السلطة؛ لأنّه غير مؤتمن على العباد وعلينا الابتعاد عن المسميات الضيقة عند التعامل مع أبناء الشهداء؛ لأنّ الطرفين اللذين تقاتلا كانا في صفوف المناضلين ضد الاستعمار البريطاني.. ولكنهما اختلفا فيما بعد، وحصل بينهما هذا النزاع، فما ذنب أبنائهم ليتم التفريق والتمييز بينهم بهذا الشكل غير الإنساني؟ وننتهز الفرصة هنا لنعبر عن شكرنا للأخ رئيس الجمهورية الذي استطاع بقيادته الحكيمة أن يوقف دوران نزيف الدماء، وبذلك يكون قد قيّد الوحوش وحفظ الأرواح.[c1]الوقوف أمام المحاذير [/c]وتقدم الأستاذ / نجيب يابلي بمداخلته وتحدث فيها بقوله :لا أريد هنا أن أكرر وأُعيد ما طرحه الزملاء المشاركون وأخص بالذكر الأخ والصديق / أحمد الحبيشي، ولهذا أقول إنّ ظاهرة المؤامرة والتصفية هي ظاهرة عربية أزلية والتاريخ العربي، حافل ومترع بأحداث مماثلة منذ العصر الراشدي وحتى يومنا هذا، فالضحايا والشهداء في اليمن كثيرون ولا حصر لهم في منعطفات عدة ولابد أن نتحدث عن شهداء الاقتتال الأهلي في عدن الأول في أغسطس والثاني في نوفمبر وعن شهداء حصار السبعين وغيرهم وإننا لو أردنا الحديث عن المنعطفات الدموية ومنها أحداث 13 يناير، فهناك محظورات وينبغي لنا أن لا نوظف حسابات سياسية للتشهير أو النيل من أحد، فأنا رجل محايد وغير منتمٍ ولا أعمل لمصلحة أحد، ولكن للأمانة لا ينبغي لنا أن نحجم النظام السياسي الحاكم الذي كان قائماً في الجنوب، أو نصفه بأنّه من قطاع الطرق؛ لأنّه كانت هناك جهود يمنية عبر لجان وحدوية مشتركة مارست مهامها من عام 1972 – 1990م وكان آخر تلك الجهود اتفاق نوفمبر 1989م، ولو قلنا إنّ هؤلاء قتلة، فهذا يعني إننا سوف نشكك في الوحدة التي كانوا هم أحد أطرافها وهذا هو المحذور الذي يجب أن نحاسب عليه حتى لا يُقال إنّ قتله من هنا وآخرون من هناك هم من اتفق على تحقيق الوحدة والتوقيع على اتفاقيتها؛ لأنّ هذا يعني إننا شوّهنا أنفسنا والتجرِبة بحد ذاتها والأمر الآخر أنّه قد قيل وكُتب عن أحداث يناير الشيء الكثير في عدة صحف ومجلات عربية وعالمية بارزة فنرجو أن نقف أمام كل ما كُتب عن الأحداث ونحلله بطريقة موضوعية.من جانبه تحدث الأخ الدكتور / أحمد غالب المغلس قائلاً :أود أن أوضح إنني لست ممن شاهد تلك المرحلة، بل من الجيل الذي جاء إلى الحياة ليجد أنّ هذه اللوحة قد ارتسمت بلون دموي أحمر مرعب وبدورنا يجب أن نبلور هذه الأحداث ونحولها إلى عبر تربوية نعلمها الأجيال على أن يعودوا ويفكروا في لحظة ما بمثل ذلك التفكير الصدامي الذي لا يبقي أثراً لأحد وعلينا إعادة صياغة المفاهيم الثقافية حول أحداث 13 يناير على اعتبار أن نحللها ونعيد ترتيبها من جديد حتى تصاغ بصياغة تتناسب والمرحلة الجديدة ونستطيع بالتالي أن نتعامل مع ملامح اليمن الجديد الذي يستدعي أن نغلق الملفات لا أن نفتحها، وأنّ نعالج القضايا بعيداً عن الحسابات والمحاكم والمشانق حتى لا نعيد الكرة مرة أخرى، ونبدأ في ملفات شائكة ربما تنتهي بكارثة أخرى.ورغم الأحداث الأليمة التي مرّ بها الوطن سواءً في الشمال أو في الجنوب؛ إلا أنّها لم تخرج عن إطار وهاجس مشترك وهو الوحدة اليمنية التي ننعم بها اليوم وهو ما كانت تؤمن به كل الأطراف السياسية كخيار وطني ثابت وليس كهروب من الواقع.[c1]إسهام قوى خارجية[/c]كما تحدث الأخ/ عبدالله باكدادة – مدير عام مكتب الثقافة في عدن قائلاً :أرى أنّ ما جرى من أحداثٍ داخلية واقتتال أهلي، لم يكن بمنأى عن العامل الخارجي وهناك أرقام كثيرة لتواريخ الأحداث، إذا ما قرأت بصورةٍ أكثر عقلانية وبشكل تحليلي سنجد باعتبارنا مجتمع عربي، إننا نتلقى الأحداث ولا نصنعها ويبدو أنّ مرحلة الثورة الوطنية قد مرّت بمثل هذه الإخفاقات والتغييرات الدموية المتسارعة؛ لأنّ ما يأتي من الخارج كان أكثر ما يعتمل في الداخل، ونحن نعرف أنّ هناك قوىً عالمية كبرى، ولم تستطيع المجتمعات الناشئة قراءة مجريات ما يدور حولها في العالم وبالتالي سقطت ووقعت في المحذور والأخطاء كثيراً، وأرى أنّه لابد أن يكون هناك شيئاً من التوافق بين ما يجري في الداخل ما يدور في الخارج؛ لأنّ الكون عبارة عن إطار سلطوي متجانس.. والكل يعلم أنّ السلطة في اليمن على مرّ التاريخ مثل أية دولة عربية أخرى أساسها مكوّن من القبيلة ونحن يجب أن لا نلغي دور القبيلة التي للأسف تم استخدامها بصورةٍ سيئة ولهذا علينا أن ندرك كيفية التعامل مع هذه القبائل وإدارتها في إطار البحث عن المستقبل القادم المحصن بالعمل المؤسسي المبني على الشرعية الدستورية، ولا أستطيع القول بأن نتجاوز الماضي؛ لأنّ مئات الأسر لا زالت تعاني من آثاره وليس من السهل أن نطلب من هؤلاء أن يغلقوا الملفات وربما كانت الناس صامتة، ولكنها ليست مقتنعة بالحال، وأرى أنّ تأسيس السلطة المحلية وتداولها بالطرق السلمية هو الضمان الأساسي لتجاوز مثل هذه النكبات.وباختصار تطرق الأخ / أحمد جبران في مداخلته إلى النفس البشرية ومدى استطاعة الإنسان أن يثمن نعمة النسيان، وأن يكون لديه الاستعداد المسبق للتعامل مع هذه النعمة.وقال إن علينا بدلاً من نبش الجراح واستحضار الماضي أن نلتفت إلى المهمة الحالية وهي بناء جيل جديد متسلح بالتسامح والعلم ومبادئ التعايش بسلامٍ وإخاء، جيل لا يعرف لغة الدم والبارود لتغيير الأوضاع وعلينا أن نسعى قدر المستطاع لعمل مصالحة شاملة مع أنفسنا لنحفظها من الانزلاق في المهالك.أما الأخ/ سعيد أغبري فقد أكد في مداخلته أنّه لا يوجد أي وجه للتشابه أو التقارب بين أحداث 13 يناير في عدن عام 1986م وأحداث عام 1994م، وكذا الفتنة التي شهدتها البلاد والحرب التي شهدتها منطقة جبال مِران في محافظة صعدة بسبب الحوثي، وقد كانت أحداث يناير امتداداً لثقافة التشريد والتنكيل بالناس لمجرد الاختلاف في الرؤى وتباين وجهات النظر، وأنّ التاريخ يجب أن يحاسب من تسبب في إراقة تلك الدماء الزكية وإزهاق الأرواح جماعات وأفرادا.[c1]تمزيق السلم الأهلي[/c]وكان الأستاذ / هشام باشراحيل رئيس تحرير صحيفة الأيام آخر من تقدم بالمداخلات حيث قال :إنّ الحديث زاخر بالمحطات السوداء بدءاً بأحداث 13 يناير إحدى هذه المحطات ولو أخذنا التاريخ من بداية دخول هذه الأحداث إليه وعملنا دراسات لكل هذه المحطات ستكون لدينا دراسة أكاديمية علمية بحثية وقد عرضنا الأمر على رئيس جامعة عدن الدكتور / عبد الوهاب راوح لإقامة ندوة دولية يحضرها متخصصون في علوم النفس والاجتماع والمنظمات الدولية لكي نخرج بفوائد عن هذه المحطات السوداء التي لم تستخدم في بعضها لغة الرصاص والقتل مع ذلك كانت النتائج واحدة، وهي إقصاء الآخر، وقد خلفت هذه المحطات آثاراً نفسية، ومزّقت أواصر العَلاقات الاجتماعية وخربت السلام الأهلي بين الناس ومن يقول غير ذلك فهو كمثل النعامة التي تريد إخفاء ودفن رأسها في التراب.وترتب على هذه الأحداث آثار وأضرار سلبية كثيرة على أرزاق الناس ومصالحهم ولا يزال البعض يعانون منها حتى اليوم.[c1]مسك الختام[/c]في نهاية حلقة النقاش عبّر الدكتور/ عبدالوهاب راوح رئيس جامعة عدن عن بالغ شكره وتقديره لمشاركة الحاضرين وإثراء حلقة النقاش بالمداخلات البناءة رغم الحيز الزمني الضيق الذي كان متاحاً أمامهم؛ إلا أنّهم استطاعوا توصيل أفكارهم بعبارات مسؤولة وموضوعية حول تقييم الحدث وأسبابه، وفي الوقت نفسه مخرجاته وما يمكن عمله لتجنب تكرار هذه المآسي وقد جاءت المداخلات في مستوى المسؤولية ونأمل أن تتمكن الجامعة من خلال القراءات الهادفة لتجارِبنا السياسية وأن تعمل على مراجعتها وتجاوزها، ولا بأس كما تقدم في إحدى المداخلات من العودة إلى الوراء قليلاً ليس بقصد السير إلى الخلف، وإنّما بقصد الانطلاق إلى الأمام ونحن اليوم تناولنا الحدث بآليات معرفية؛ لأنّه يتعلق بالشأن العام ومن هنا كان اختيار المشاركين على مستوى عالٍ من الثقافة والعلم والتقييم والمنهجية والهدف هو طرق الموضوع في إ طار الإدارة الرشيدة القائمة على الاعتراف بالآخر وما تمثله من بيئة وأرضية خصبة لا يمكن لها أن تبث أي محطة سوداء بعد ذلك.