يجيزه الشرع وترفضه عادات المجتمع وأعرافه:
القاهرة /14أكتوبر / وكالة الصحافة العربية : تتحرك المرأة المصرية في الآونة الأخيرة نحو تحقيق أمل المساواة مع الرجال، وذلك عن طريق دخول كل المجالات، التي يحتكرها الرجال معتمدة في ذلك علي ما لديها من عزيمة لا تلين ودعم مجتمعي يتجسد في المجلس القومي للمرأة وغير ذلك من الجمعيات الأهلية، التي تتبنى الدفاع عن حقوق المرأة، ومن ثم كان وصولها إلى سلك القضاء فتحا كبيرا للتطلعات نحو تولي مزيدا من الوظائف.وقد عاد الجدل مؤخرا بين علماء الدين حول مشروعية شغل امرأة لوظيفة “مأذون شرعي”، ومن ثم القيام بإبرام إجراءات عقد الزواج، وذلك بعد أن تقدمت امرأة بطلب رسمي لشغل هذه الوظيفة، وإن كان الأمر لم يقتصر فقط عند حد الدين بل تمادي إلى جدل عام حول مدي تقبل المجتمع لها في هذه الوظيفة، فقضية تولي المرأة وظيفة مأذون شرعي قد طرحت منذ سنوات على دار الإفتاء من قبل لجنة المأذونين بوزارة العدل، وحسم د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية الحكم الشرعي فيها بالإباحة والجواز، وأغلق الملف من وقتها.لكن أعاد فتح الملف من جديد، تقدم إحدى السيدات بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية للترشيح لوظيفة المأذونين خلفا لعم زوجها الذي توفي، وهي حاصلة علي درجة الماجستير في القانون، لكن المحكمة المختصة رفضت قبول أوراقها لعدم معرفتها بنصوص قانون المأذونين في قبول المرأة لتلك الوظيفة، ومع إصرار هذه المرشحة تم قبول أوراقها بناء على حكم قضائي.[c1]مجالات جديدة[/c]ومنذ أيام، تقدمت السيدة آمال عبد الغني ـ 32 عامًا ـ بطلب رسمي هو الأول من نوعه لشغل وظيفة مأذون شرعي بمدينة أوسيم بمحافظة الجيزة، والحاصلة علي ليسانس الحقوق وتعمل بالمحاماة، حيث تقول: المأذونية كوظيفة تجري في دمي منذ وقت بعيد، ولكني تشجعت هذه الأيام بعد أن استطاعت المرأة اقتحام مجالات مثل “عمدة القرية”، و”رئاسة النيابة الإدارية”، وأن أجدادها توارثوا المأذونية على مدى مائتي عام. وأضافت: أنتظر رد القضاء والإفتاء ليقولوا رأيهم في طلبي، وأنا على ثقة بأنه سوف ينصفني، لأنه ليس هناك مشكلة في ذلك، ولا يوجد ما يمنع حضوري مجلس رجالي لعقد رجالي، وبالتالي ليس هناك ما يمنع، فالعادات والتقاليد اختلفت والمرأة موجودة في كل التجمعات الرجالية مثل مجلس الشعب، ووزيرة تجتمع مع رجال، فالمرأة تجلس أمام مائة رجل طالما أنها واثقة من نفسها وليست خجولة.وخلصت إلى أنها حصلت علي ترشيحات 12 من رجال القري بأوسيم على طلبي للمأذونية، ولو طلبت أكثر من ذلك لحصلت عليه، مؤكدة أن شروط المأذونية بالنسبة للرجال تغيرت فلم يَعُدْ المأذون هو نفسه أبو جبة وقفطان، وحتي الجوهر اختلف، فالمأذون ينظر إلي المهنة من الناحية المادية في حين أن جَدِّي الشيخ عبد الغني كان ينظر لها من الناحية المعنوية، وكان يخطب وُدَّ الناس، وكان يَعْمَل على ألا يخرب بيت.[c1]المرأة الرشيدة[/c]د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية، أصدر مؤخرا فتوى رسمية، أباح فيها عمل المرأة في وظيفة “مأذون” ، لعدم تعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية، مؤكدا أنه للمرأة الرشيدة أن تزوج نفسها وغيرها، وأن توكل في النكاح، طالما توافر فيها شرطا العدالة والمعرفة.وقال د. جمعة: استندت في هذه الفتوى إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، الذي يبيح للمرأة تزويج نفسها وغيرها، فإنه لما كان أصل الاعتماد في دار الإفتاء المصرية لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبنياًعلى الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، ولما كان من المقرر في ذلك الفقه أن المرأة الرشيدة لها أن تزوج نفسها، وأن تزوج غيرها، وأن توكل في النكاح لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة.وأضاف: لقد أضاف المولي عز وجل النكاح والفعل إلى المرأة، ذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالي: “فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف” (سورة البقرة)، وقوله تعالي أيضاً: “فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن” (سورة البقرة)، وقوله عز وجل: “حتى تنكح زوجا غيره” ، وقول النبي صلي الله عليه وسلم “الأيم أحق بنفسها”.وشدد مفتي مصر على أن مباشرة المرأة عقد النكاح ثابتة شرعاً فيما روي من أن امرأة زوجت بنتها برضاها فجاء الأولياء فخاصموها إلى على بن أبي طالب رضي الله عنه، فأجاز النكاح، وأنه روي أيضا أن السيدة عائشة - رضي الله عنها - زوجت بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير، كما أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها، وهي كارهة، فرد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك، موضحا أن الفقهاء قد أجمعوا على أن الحاكم له أن يزوج بدلاً من الولي عند فقده أو غيابه، حتى قالوا “الحاكم ولي من لا ولاية له”.ومن جهته، أباح الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر، عمل المرأة بالمأذونية، لكنه اشترط عدم توليها ولاية الزواج، وطالما كان عملا مناسبا وتقدر عليه المرأة، مشيرا إلى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عين في خلافته الشفاء بنت عبدالله العدوية محتسبة على السوق، وأن القرآن الكريم تضمن صورا كثيرة من ذلك مثل ملكة سبأ وكانت امرأة.شدد الأطرش في فتواه على أنه لابد من توافر الشروط المؤهلة لتولية المرأة عمل المأذونية، التي وضعتها الدولة من الحصول على مؤهل عال، وأن تكون أزهرية أو دراسات عليا في الحقوق والقانون، وتكون ملمة بعلوم الفقه الإسلامي، إضافة إلي الشروط الأخري التي تفرضها الدولة.وخلص إلى رئيس لجنة الفتوي بالأزهر إلى أنه هناك شروطا شرعية يجب أن تتوفر في خروج المرأة للعمل أهمها أن تكون محتاجة للعمل أو احتياج العمل إليها مع عدم التقصير في الواجب الأساسي، وهو المنزل الذي يوفر السكن والمودة والرحمة ويربي النشء وكذلك لابد من إذن الزوج لها بالإضافة إلي المحافظة على الآداب الخاصة.[c1]مثل أي وظيفة![/c]الشيخ محمود عاشور عضو مجمع البحوث الإسلامية، يؤكد أن عمل المرأة كمأذون شرعي جائز شرعا، وليس هناك ما يمنع من أن تباشر المرأة عقد الزواج للمتزوجين، بشرط أن تكون على دراية تامة بما يتطلبه العقد من صيغة شرعية. ويشير الشيخ عاشور إلى أن عمل المرأة مأذونا شرعيا وظيفة مثل أي وظيفة أخرى تتساوى فيها النساء مع الرجال وليس من الولايات العامة لأن كل ما يقوم به المأذون هو كتابة العقد وتوثيقه، لافتا إلى إن العادة جرت على أن الذي يقوم بعمل المأذون هو الرجل، لكن لا يمنع من وجود نساء في هذه الوظيفة.ويري د. عمر مختار القاضي، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن وظيفة المأذون هي عبارة عن موثق وكاتب للعقد وملقن لصيغة العقد للقائمين على العقد أو للوكلاء عن الزوجين، وبالتالي لا توجد محاذير شرعية لعمل المرأة كمأذون شرعي، وكل ما يتطلبه القيام بعمل المأذون هو الأمانة ومعرفة الصيغة الشرعية لعقد الزواج. ويشدد د. القاضي على أن المسالة غير متصلة بالحرمة والإباحة بقدر ما تتصل بالظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد التي تسود في المجتمع، مشيرا إلى أنه من المتفق عليه بين الفقهاء أن الجنابة والحيض والنفاس تمنع قراءة القرآن ومس المصحف، كما أنه يحدث عند عقد القران قراءة بعض الآيات القرآنية، وبالتالي إذا كانت المرأة التي تعمل مأذونا شرعيا لديها عذر شرعي فإنه يمكن لغيرها ممن يحضرون عقد الزواج أن يردد بدلا منها الآيات القرآنية وهي تقوم بكتابة العقد، وتلقين الصيغة الشرعية للعاقدين أو وكلائهما.بينما، يقول د. عبد الفتاح إدريس، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: إن عمل المرأة كمأذون شرعي غير جائز شرعا، ولا يجوز تَوَلِي المرأة وظيفة المأذون، نظرا لتعارض ذلك مع قواعد الشرع في حدوث الاختلاط والخلوة ومزاحمة مجتمع الرجال، والفصل بين المختلفين من أهل العروسين أثناء كتابة العقد، والعمل على تقريب وجهات النظر، أو في حالات الطلاق كذلك، أو في غيرها من الأمور التي يأباها الشرع، ويُنَزِّه المرأة المسلمة عن التعرض لمثل هذه الممارسات، مما يجعل قيامها بهذه الوظيفة محظورا من الناحية الشرعية.ويضيف د. إدريس: لابد أن يكون في عمل المأذون من اختلاط وحضور مجالس الرجال، وهذا أمر لا يجوز شرعا في حق المرأة، لأنه قد يفضي الى ما حرم الله تعالي، فضلا عن أن الإسلام عندما يضع المرأة في هذا الوضع الشريف، فإنه يكرمها ويرفع من شأنها ويجعلها مصونة بعيدة عن أية شبهة.ويخلص إلى أنه إذا أفضي الفعل إلي محرم كان محرما، ومن ثم فإن عمل المرأة مأذونا شرعيا يفضي الي محرم، وأنه بالتالي يكون محرما ومحظورا شرعا فضلا عن أن الناس قد اعتادوا إبرام عقود الزواج بالمساجد اقتداء بسنة الرسول صلي الله عليه وسلم، ولن يقبل المجتمع الإسلامي بكل ما لديه من أعراف وتقاليد راسخة أن توجَد امرأة تقوم بإبرام عقود الزواج أو الطلاق، مما يجعل الأمر أيضا شبه مستحيل من الناحية الواقعية.[c1]المجتمع يرفض[/c]د. سامية الساعاتي، استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، ترى أنه بعد تولي المراة القضاء، وهو منصب كان قاصرا على الرجال اصبح من السهل عليها تولي المهن الاخرى والمطالبة بذلك، ومنها مهنة المأذون القاصرة على الرجال، مشيرة إلى أن أي وضع جديد يكون غريب، ولكن مع مرور الوقت يتأقلم الناس معه، وبالتالي يقبلوه وهو نفسه ما حدث عندما تولت المراة منصب القضاء، فكان الوضع غريب على الناس في البداية، وتنباينت ردود الفعل تجاهه، ولكن مع الوقت قبلوا الوضع واصبح امرا طبيعيا وكانه معمول به منذ الازل .وتوضح د. الساعاتي أن المرأة هي نصف المجتمع، ويتخذ البعض هذه المقولة علي انها جملة عابرة غير ذات معني، لأنهم يضعون في أذهانهم بعض الأقوال الخاطئة، التي تحد من عزيمة المرأة وقدرتها علي الخوض في جميع المجالات، ولكن تطلعات المراة تثبت العكس وبالتالي فلابد من افساح المجال إليها في كافة مناحي الحياة.أما د. زينب النجار، استاذة علم الاجتماع بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، فتؤكد انه لا يجوز للمرأة تولي هذا المنصب، حيث لم يسبق لها مثيل في الفقه الإسلامي يمكن القياس عليه أو محاكاته، فضلاً عن أن تقاليد المجتمع وأعرافه لا تقبل أن تكون المرأة مأذونة بسبب ما يواكب العقد من مراسم وطقوس بداية من دخول المسجد أو الكتابة فيه، ثم مَسْك المأذون بيد العريس وولي العروس، وما يليه من إلقاء خطبة حول آداب الزفاف والتخفيف في المهور وقواعد اختيار الزوج لزوجته والعكس من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وكل هذه الأمور ليس متاحًا للمرأة أن تؤديها.وتتساءل د. النجار: أليس خروج المرأة للعمل يلزمه ضرورة شرعية ومجتمعية؟ وبالتالي ما الداعي لتوليها منصب مأذونة في الوقت الذي لا توجد ضرورة مُلِحَّة أو غير ملحة لاقتحام المرأة مثل هذه المهنة؟