الوحدة اليمنية حققت للوطن مكاسب عظيمة ، وجاءت ثمرة تضحيات جسيمة ، ونهاية آمال وطموحات وطنية وشعبية ودينية لأجيال سابقة مترامية في قلب وأطراف الوطن الغالي ! ولا نستطيع أن ننكر أن وحدتنا خير من الفرقة والتمزق والشتات ، كما لا نستطيع أن ننكر فضائل الثورة اليمنية المجيدة في الشمال والجنوب ، وبمجرد المقارنة بين ما قبل الثورة وبعدها يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود ! هذه ميادين الصحة والتعليم والثقافة والفكر والإعلام والسياسة والعمران والخدمات ، وهذه ميادين الطفولة والشباب والمرأة والمعاق والعامل ، فهي برغم القصور والتعرقل والتباطؤ إلا أنها تكفي للتدليل على مستوى الفارق الهائل بين عهد الإمامة والاستعمار وبين عهد الثورة ! .. والذين لا يرون هذا الفرق ولا هذه الانجازات التي وضعت فيها الثورة حملها ونتاجها ، ففي أبصارهم عمى ، وفي عقولهم شيء ! بل وفي ألسنتهم لغو من القول وزور !! وازعم لو أن الملك أحمد بن يحي حميد الدين بعث من مدفنه ، ورأى وطنه الذي جاهد في تأخيره وتخلفه وظلمه بعد خمسة عقود من الزمان لقال : ما شاء الله ( ! ) ما هذا وطني ! إن هذا الا سحر مبين !! . ولا يجوز - في رأيي - إنكار محاسن الثورة ونورها المضيء مهما كانت الإخفاقات والخسائر والمصائب التي رافقت تحكم كثير من صبيانها في مقدرات الوطن والأمة !! . إن من شيم الإسلام ذكر المحاسن حتى في شمائل الأعداء ( ! ) .. لقد امتدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلف الفضول الذي عقد في الجاهلية في دار ابن جدعان وكان - صلى الله عليه وسلم - من الحاضرين فيه ، فقال : (( ذاك حلف ، لو دعيتُ إلى مثله في الإسلام لأجبت !! )) . حيث قام ذلك الحلف على نصرة الضعيف والمظلوم والغريب في حدود مكة شرفها الله .. والفضيلة دائماً هي ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها وأهلها !! . ولما رجع - صلى الله عليه وسلم - من الطائف ، وقد خذلته ثقيف ويئس منها ، ولم يستطع دخول مكة وقد شمتت به قريش ، واستعدت لصده وإيذائه ، قام أحد كبار صناديدها ، وهو المطعم بن عدي فقال : يا معشر قريش : إني أجرت محمداً ، فقطع عنه دابر المعتدين ، ودخل مكة بجوار المطعم بن عدي هذا ! فلما كان ما كان من أسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صناديد قريش يوم بدر ، وعرضت قريش إعطاء فدية لكل أسير ، وكان المطعم بن عدي قد مات ، قال - صلى الله عليه وسلم - : لو كان المطعم بن عدي حياً ، فجاءني ، فكلمني فيهم لأطلقتهم كلهم له !! أي دون أي فدية يدفعونها !! وهذا أصل عظيم في الوفاء حتى مع من يخالف ديننا وملتنا !! ونصوص كثيرة في شرعنا تبين لنا وجوب الإنصاف حتى فيمن يخالفنا ، قال الله تعالى من سورة النساء ( 135 ) : (( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ، إن يكن غنياً أو فقيراً ، فالله أولى بهما ، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ، وان تلووا و تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا )) . وفي الاتجاه المماثل ، ظل حلم اليمانيين في جني خيرات وحدة بلادهم ؛ محل ترقب وانتظار وتربص ( ! ) وتعرض حصاد هذه الخيرات للإخفاقات المستمرة التي توالت عليها تباعاً كحبات السبحة ( ! ) من كل اتجاه !! . ان الفساد الذي ضرب أطنابه في أعماق الأداء الحكومي والاقتصادي الرسمي والشعبي والحزبي في السلطة والمعارضة على قدم المساواة كأخطبوط شل كل إرادة للانعتاق والنهوض ، كذا الرضا والسكوت عن هذا الفساد وكأنه أحد الثوابت المقدسة التي لا يجوز المساس بها ولا حتى التفكير المجرد في الاقتراب منها ، وإطلاق العنان للفاسدين والناهبين بالعبث بالأراضي والمقدرات والثروات وعدم إعداد العدة لإجراء محاكمات وحسابات عدلية قضائية مع شياطين النهب والسلب ، والميل إلى القوي ضد الضعيف ، وعلى حساب المواطنة المتساوية ، وإضفاء الشرعية والوطنية والقداسة على الأعراف القبلية والعشائرية البليدة ، وضرب طموحات وتوجهات المجتمع المدني ، وإضعاف هيبة الدولة ، وإشاعة ثقافة مخالفة القانون ، واحتقار المرأة في التشريع والتوصيف والتصنيف ، وامتهان الطفولة والكهولة ، وغير ذلك كثير فأكثر !! جميع ذلك ساهم في توسع رقعة التذمر وفي اتساع الخرق على الراقع .
حين لا ينفع الندم !!
أخبار متعلقة