في حفل تدشين الحملة الوطنية الثانية لإنقاذ صنعاء القديمة
عبدالعزيز عبدالغني لدى حضوره حفل تدشين الحملة الوطنية الثانية لإنقاذ صنعاء القديمة
صنعاء / سبأ:حضر رئيس مجلس الشورى عبد العزيز عبدالعزيز عبد الغني أمس ندوة تدشين الحملة الوطنية والدولية الثانية لإنقاذ صنعاء القديمة التي تنظمها على مدى يومين مؤسسة اليمن للثقافة والتراث.وحضر افتتاح الندوة والحملة المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبد الكريم الإرياني والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية الدكتورعبدالعزيز المقالح ومدير مكتب رئاسة الجمهورية علي محمد الآنسي و وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي ووزير السياحة نبيل حسن الفقيه و وزير الدولة أمين العاصمة عبد الرحمن الأكوع، و رئيس المركز الوطني للوثائق علي أحمد أبو الرجال ومحافظ محافظة صنعاء نعمان دويد.وفي كلمة له في افتتاح الندوة وتدشين الحملة أكد رئيس مجلس الشورى أهمية إطلاق هذه المبادرة بحضور هذا الحشد من المسؤولين والمهتمين بإرثها الفريد، الحريصين على أن تبقى أيقونةً مصونةً، الذين يتجه اهتمامهم صوب إجراءِ مراجعةٍ موضوعيةٍ لما أُنجز ، وما قَصُرَ الجَهْدُ عن إِنجازهِ.وأعاد رئيس مجلس الشورى إلى الأذهان ما كانت قد مثلته الحملة الوطنية والدولية الأولى لإنقاذ مدينة صنعاء قبل خمسةٍ وعشرين عاماً، من دلالات من حيث كونها جاءت متزامنة مع حملة أخرى للحفاظ على مدينة شبام حضرموت، في تناغمٍ لافت يؤكد واحدية هذا التراث وانتمائه العميق لليمن، بأفقه الجغرافي الكبير.وقال: إننا إذ نحتشد اليوم، لنعبر عن الحاجة الملحة لإطلاقِ نداءٍ جديدٍ، من أجلِ حملةٍ ثانيةٍ لإنقاذ صنعاء القديمة، لأسبابٍ موضوعيةٍ تفرض هذا النداء، فإننا بالقدر نفسه يجب أن نلتفت إلى بقية مدننا التاريخية، التي تداعت عليها الظروف ذاتها لتجعل من كل مدننا التاريخية، وفي طليعتها تلك التي دخلت في قائمة التراث العالمي، أولويةً وطنيةً وهدفاً مهماً لخططنا التنموية المقبلة.ولفت إلى ما حظيت به صنعاء منذ انطلاق الحملة الأولى لإنقاذها مما كانت قد وعدت به تلك الحملة، ممثلاً في مشاريع البنية التحتية، ومشاريع التأهيل والترميم، التي طالت مكونات أساسية في المدينة وفي مقدمتها مشاريع الرصف والصرف الصحي، ومشروع السائلة الذي يشكل اليوم قيمة جمالية مضافة للمدينة.وأكد أهمية الالتفات إلى الإشكاليات التي لاتزال ماثلة حتى اليوم والتي نطلق من أجلها هذه الحملة، معيداً ذلك إلى التعقيدات الكثيرة، التي اكتنفت مسيرة إعادة تأهيل المدينة، لتصبح جديرةً بلقب مدينة التراث الإنساني قائلاً: إن بعض هذه التعقيدات، لا يمكن أن تُحسم بالقرارات وحدها، لأنها تتصل بثقافة اجتماعية راسخة، تفرز على الدوام، مواقفَ لا تتطابق مع التصور الذي وضعه القائمون على إعادة تأهيل وتطوير المدينة.ونوه رئيس مجلس الشورى بالتوصيات التي تضمنتها أوراق الندوة، واعتبرها أساساً مهماً للانطلاق في حملة ثانية للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة.. داعياً في الوقت نفسه إلى أهمية التركيز على حشد الشراكة المجتمعية، في إنفاذ الحملة المرتقبة، لأن تفاعل المجتمع المحلي سيوفر الكثير من الجهد والوقت والمال وسيساهم بقوة في إنجاح مخططات الحفاظ على المدينة وسيعيد في المدى المنظور لمدينة صنعاء بهاءها وألقها وحضورها التاريخي.كما دعا إلى التفكير بعمق في إمكانية إعادة النظر، في الوظائف الاقتصادية للمدينة القديمة، بما ينهي هذا النمط التجاري المتنامي، في أسواقها، والذي يحاكي الأنماط التجارية، في الامتدادات الحديثة للمدينة القديمة.
جانب من الحضور
واقترح في هذا السياق إمكانية التوظيف السياحي لمدينة صنعاء القديمة، الذي ينبغي أن يشكل مزيجاً من الإيواء الفندقي المقنن والمناشط الفنية والحرفية، والتوظيف الثقافي والإبداعي للبنى التاريخية البارزة في المدينة، بما يتكامل موضوعياً مع الوظيفة السياحية المفترضة.معتبراً أن من شأن ذلك، أن يؤمن عناصر جذب ممتازة لسكان المدينة، ويحفز من رغبتهم في التعاون مع جهود الحفاظ، على المدينة على أساس من التقدير المسبق للمزايا، التي سيتمتع بها هؤلاء السكان، على المدى الطويل في مدينتهم.من جانبه أكد رئيس اللجنة العليا للحفاظ على صنعاء القديمة علي محمد الآنسي مدير مكتب رئاسة الجمهورية أهمية الحفاظ على مدينة صنعاء القديمة التاريخية بمكونات تراثها العريق ككل، والتي باتت بأمس الحاجة إلى إعادة الصرخة والدعوة على مستوى الداخل إلى استنهاض الجهات المعنية للقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم في الحفاظ على إرثها العظيم .. مشيرا إلى أن المدينة التي تهم كل مواطن يمني وعربي أصيل ومهتم بالتراث الإنساني تدعو الجهات المعنية إلى القيام بواجباتها تجاه المدينة والحفاظ عليها كونها تمثل امتداداً للذاكرة الإنسانية وجزءاً مهماً من مكون الهوية الثقافية.ونوه في ذات الصدد بخصوصية هذه المدينة التاريخية وما تتمتع به من أسواق متخصصة وتراث إنساني عريق يستوجب الحفاظ عليه وتنمية مصادره ودعم الحرفيين والصناعيين وتشجيعهم للاستقرار فيها كي تبقى كعهدها نابضة بالحركة والحب والسحر والجمال كواحدة من أهم وأقدم مدن العالم النابضة بالحركة والحياة والتاريخ.واستعرض الآنسي ما حققته اللجنة العليا في الحفاظ على صنعاء منذ تكوينها من جميع المعنيين بالحفاظ على صنعاء ومنهم أمانة العاصمة ووزارة الثقافة ووزارة والأوقاف والصندوق الاجتماعي وأعضاء مجلس النواب الممثلين لصنعاء القديمة والمجالس المحلية بالمدينة.. مشيرا إلى أن من أهم ذلك إعادة النظر في كثير من السياسات التي كانت متبعة من قبل هذه الجهات الممثلة في اللجنة،وغيرها وإعادة صياغتها وفق ما يسهم في الحفاظ على المدينة وصيانتها.من جانبه أكد وزير الثقافة الدكتور محمد أبوبكر المفلحي أهمية مشروع الحفاظ على مدينة صنعاء القديمة الذي أعلنته منظمة اليونسكو في عقد الثمانينيات من القرن الماضي والذي كان من ابرز المشاريع الثقافية في قائمة التراث العالمي.وأشار إلى ما حققه مشروع الحفاظ على صنعاء القديمة من انجازات لم تقتصر على ترميم البيوت والأسواق ورصف الشوارع والأزقة، وإنما الأهم من ذلك ترميم الوعي الوطني والتأكيد على ضرورة أن تبقى صنعاء مدينة نابضة بالحياة وأهمية الحفاظ على التراث المعماري لهذه المدينة الرائعة باعتباره عاملا أساسياً في الهوية الثقافية وتأكيد استمراريتها وتاريخها.. فضلاً عن الانجاز الآخر المتمثل في التعاون الدولي الذي التف حول هذا المشروع وشاركت فيه دول ومنظمات دولية متخصصة، إلى جانب مشاركة الفنانين والمبدعين والكتاب الذين استجابوا لجاذبية هذه المدينةوسحر عمارتها ، واعتبروها تراثاً للإنسانية كلها وحملوا مسؤولية إنقاذها والحفاظ عليها.ونوه الوزير المفلحي إلى أن مؤسسة اليمن للثقافة والتراث تحمل دلالات خاصة أهمها التأكيد على أن هذا المشروع مثل أي مشروع يبدأ ولكنه لاينتهي فالمشاريع الثقافية ذات صفة تراكمية دائمة.. وجدد الوزير الدعوة إلى حملة ثانية لإنقاذ مدينة صنعاء والخوض في تفاصيل جديدة ينبغي أن يشملها الحفاظ على هذه المدينة التي تفيض بأسرار فنونها وطرائق العيش فيها.. كما تطرق الوزير إلى التحديات التي تواجه مدينة صنعاء التاريخية ومنها شبكة مياه الشرب والصرف الصحي فضلاً عن تحديات الحركة المرورية في الأسواق والنشاط التجاري وطبيعة المخالفات التي تضغط في اتجاه البناء بالوسائل المعمارية الحديثة والمتعارضة مع النمط المعماري السائد وما تتعرض له الحرف اليدوية والتقليدية من منافسة حادة.من جانبه أكد وزير الدولة أمين العاصمة عبدالرحمن الأكوع تجديد الدعوة إلى الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية وصيانة التراث الإنساني والحضاري الذي يتوجب على الجميع المحافظة عليه وصيانته وبذل المزيد من الجهود لمواجهة كل ما يمكن أن يشوه أو يمس هذا المعلم الحضاري والإرث الإنساني المهم عبر آلية دقيقة يتحقق فيها تكامل الجهود الرسمية والشعبية لكل جهة على حدة.واستعرض الاكوع بعض التصورات والإجراءات التي تم اتخاذها لتحقيق هذه الغاية ومواجهة هذه المشاكل التي تواجهها صنعاء التاريخية ومنها منع استحداث محلات تجارية في غير الأسواق المحددة لها، ومنع البناء المخالف لمواصفات البناء العمراني التاريخي ومنع تركيب الأبواب والنوافذ المصنوعة من الحديد والألمنيوم، وترميم مجموعة من البيوت التاريخية الآيلة لسقوط بعدد 370 منزلاً، ورفع البسطات وتفعيل آلية النظافة فيها وتوفير وسائل النظافة في كافة شوارع وأزقة المدينة وغيرها من الإجراءات التي ستقوم بها أمانة العاصمة خلال العام الجاري ومنها تأهيل المقاشم في مدينة صنعاء وتفعيلها كبساتين خاصة بالأطفال.ودعا الاكوع في ختام كلمته إلى ضرورة إنشاء فرع للهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بصنعاء ليتمكن من متابعة مهام الحفاظ على المدينة ويتحمل مسؤولياته تجاه الحفاظ على صنعاء التاريخية، وطالب بضرورة إنشاء صندوق خاص بتنمية المدن التاريخية.من جهته أعتبر رئيس مجلس أمناء مؤسسة اليمن للثقافة والتراث الدكتور حسين عبد الله العمري أن المشاركة في الحفاظ على الحياة الثقافية والهوية الوطنية والتراثية والعمرانية والاجتماعية والاقتصادية لمدينة صنعاء القديمة وتعزيز بعدها الحضاري والإنساني يمثل أحد أبرز الأهداف التي تندرج ضمن أهداف المؤسسة .. مشيرا إلى الدور الذي ستضطلع به المؤسسة في مواصلة جهود أعمال الصيانة والترميم للمدينة وبما يواكب التوجه الرسمي والشعبي بل والدولي في تحسين الأداء للمحافظة على معالم مدينة صنعاء التاريخية وما تزخر به من فنون وحرف ومشغولات يدوية وبما يحقق التناغم الفني والثقافي المتكامل.ولفت العمري إلى أن دعوة المؤسسة لإطلاق حملة ثانية لإنقاذ مدينة صنعاء القديمة لا تعني أن الحملة الأولى فشلت في تحقيق أهدافها المرسومة، بل تؤكد أن بعض تلك الأهداف قد تحققت، وبقي الكثير مما يرجى تحقيقه خلال هذه الحملة .ونوه العمري بأهمية إطلاق الحملة مع ذكرى مرور ربع قرن على الحملة الأولى ونداء السيد الكبير احمد مختار امبو مدير عام اليونسكو آنذاك بصنعاء في عام 1984م لأجل الحملة الدولية لصون صنعاء القديمة، والتي استهدفت إنقاذ الطابع الفريد لصنعاء ليس فقط بالحفاظ على مركزها التاريخي بل أيضاً بإدخال العناصر الكفيلة بتهيئه احتياجات الحياة العصرية من خلال تدابير الصون والأحياء كترميم المباني المهمة مثل المساجد والمدارس والقصور والحمامات والمساكن ، والعناية بالبنى الأساسية الحديثة لشبكات المياه والمجاري وتجديد شبكات الكهرباء والهاتف والنقل وغيرها من تحسينات البنية الاجتماعية والطبية وتشجيع الحرف التقليدية.بعد ذلك بدأت أعمال جلسات الندوة التي تختتم اليوم حيث شهدت جلسة العمل الثانية التي ترأسها المستشار السياسي لرئيس الجمهورية الدكتور عبدالكريم الإرياني ومن ثم الدكتور حسن العمري استعراض أربع أوراق عمل.وتناولت الورقة الأولى بعنوان ( صنعاء وضرورة الحفاظ عليها محلياً ودولياً) للخبير الدولي الدكتور رونالد ليكوك كيف فصل العثمانيون أثناء تواجدهم في اليمن للمدينة القديمة نظراً لعدم استطاعتهم التعايش مع البيوت الغير الواسعة ما دفعهم للعيش في الجزء الغربي من المدينة وكذالك الحال مع المصريين ، مستعرضاً جهود الخبراء واليونسكو في الحفاظ على المدينة .فيما استعرضت ورقة العمل الثانية المقدمة من المهندس علي عشيش بعنوان( النجاحات والإخفاقات في حملة الحفاظ على صنعاء التاريخية ) أهم محطات ومراحل الحفاظ على صنعاء القديمة ابتداء من العام 1970م حتى العام المنصرم 2009م.وخرجت الورقة بعدد من التوصيات أبرزها إصدار قانون المحافظة على المدن التاريخية ولائحته التنفيذية ، تصعيد المحافظة على المدن التاريخية في سلم أولويات التنمية الوطنية وزيادة مخصصات الهيئة للمشاريع ونفقات التشغيل بالذات بالإضافة إلى تقييم الوضع المؤسسي القائم وابتكار بديل للهيئة مناسب لإدارة المحافظة على المدينة القديمة وكذا إنشاء مركز لخدمات الطوارئ وخدمات البنية التحتية وتوفير مصادر تمويل محلية ووطنية مستدامة.وسلطت ورقة العمل الثالثة الضوء على دور اليونسكو في الحفاظ على المدينة قدمها مدير مركز التراث العالمي باليونسكو الدكتور فرنسشكو بندري.فيما تطرقت ورقة العمل الرابعة لوكيل أمانة العاصمة للشؤون الفنية المهندس معين المحاقري إلى جهود السلطة المحلية بأمانة العاصمة وكافة الجهود الرسمية للحفاظ على صنعاء القديمة .تلا ذلك تقديم تعقيبين على أوراق العمل المقدمة من عضوي الهيئة الدكتور حميد العواضي والسفير محيي الدين الضبي .واختتمت أعمال الجلسات التي تستأنف اليوم بنقاشات مستفيضة من قبل عدد من الحضور من أكاديميين وباحثين ومهتمين ساهمت في أثراء محاور الندوة التي من المقرر أن تخرج بعدد من التوصيات والقرارات .