د/ فهد محمود الصبري:عادة ما يعرف الفقر على أنه عدم كفاية الدخل ولكن الفقر يعرف في أشكال وصور تتجاوز عدم كفاية الدخل، وكما ورد في باب محاربة الفقر في تقرير التنمية العالمية 2000 /2001: يتمثل الفقر إلى حد كبير في انعدام الفرص بسبب عدم كفاية التعليم والتغذية، وضعف الحالة الصحية، وقصور التدريب، أو بسبب عدم القدرة على العثور على عمل يجزي القدرات الموجودة لدى الشخص الأمثل كما أن الفقر يتمثل ايضاً في الضعف (بسبب عدم كفاية الأصول) أمام الصدمات الاقتصادية المفاجئة الواسعة المدى، أو حتى الصدمات الفردية، كأن يفقد العامل البسيط قدرته على كسب قوت يومه ، كذلك يعتبر الفقر انعدام القدرة على تغيير القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على استمرار حالة الضعف أمام الصدمات ولا يزال انخفاض الدخل أو الإنفاق، يرتبط في الغالب ارتباطاً وثيقاً بهذه الخصائص.ومن ثم فهو يعتبر معياراً سليماً لتحديد طبيعة الفقر ومداه فالفقر يمكن تعريفه بوصفه حالة من الحرمان من المزايا أو الركائز الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وتشمل الأصول الاقتصادية والمادية الأرض والماشية والسكن والمهارات والصحة الجيدة والعمل وغيرها من العناصر المادية التي توفر قاعدة لتوليد الدخل والإنتاج سواء في الحاضر أو في المستقبل. أما الركائز البشرية فتشمل المهارات والمواهب وعليه فإن قدرة الأفراد على مكافحة الفقر يمكن أن تزداد عن طريق التعليم والتدريب اللذين يتيحان المزيد من الفرص.أما الأفراد الذين ينقصهم التعليم الرسمي فلديهم مهارات أخرى مثل المعارف التقليدية وغيرها من المهارات البدنية والعقلية التي يمكن توظيفها في مكافحة الفقر. فقدرة الأفراد على مد العلاقات مع غيرهم بناء على الثقة هي ركيزة اجتماعية، حيث يلجأ الأفراد على سبيل المثال إلى الاقتراض لتغطية احتياجاتهم المباشرة كالغذاء والدواء ومن ناحية أخرى تشترك النساء في المناطق الفقيرة في تحضير وإعداد الطعام، ورعاية الأطفال ومن ثم فان مثل هذه العلاقات القائمة على الثقة يمكن أن تكون اساساً لنوع من التنظيم الاجتماعي من أجل عمل اجتماعي وسياسي مشترك. فإن كل هذه الركائز متصلة بعضها ببعض. فالركائز الاجتماعية يمكن أن تسهم في خلق ركائز اقتصادية. فتضامن المجتمعات المحلية قد يؤدي إلى عمل سياسي مشترك مثل المطالبة بتحسين المدارس ومن ثم يسهم في تحسين الظروف الاقتصادية عن طريق زيادة فرص العمل، ويوظف الأفراد والأسر والمجتمعات ركائزهم من أجل صياغة استراتيجيات لمكافحة الفقر ـ وكلما ازدادت هذه الركائز، تراجع ضعفهم وارتفعت قدرتهم على التعامل مع مشاكل الفقر. ولكن تآكل مثل هذه الركائز يؤدي إلى وقوع هؤلاء الأفراد فريسة لمشاكل الفقر وعليه فإن دعم ركائز قوة الفقراء وتوظيفها يساعدهم على مكافحة الفقر بأنفسهم .تتعلق أكثر مقاييس الفقر إنتشاراً بأولئك الذين يعيشون في فقر مطلق ويتواجد هذا النوع عندما يتصف فرد أو عائلة بصفة أو أكثر تقع أسفل ما هو محدد لها من مستوى كخط للفقر ويكون هذا الخط ثابتاً بالوحدات الحقيقية عبر الزمن بحيث يمكن اعتبار الناس الواقعين أسفل هذا الخط فقراء وعلى ذلك يمكن تعريف الفقر بأنه عدم القدرة على الوصول إلى حد أدنى من الاحتياجات الأساسية وقد عرفت الاحتياجات الأساسية .بأنها تشتمل على حاجات مادية كالطعام والسكن والملابس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة. وحاجات غير مادية مثل حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ويعتبر متوسط نصيب الفرد من دخل الأسرة أو إنفاقها مقياسين ملائمين للدلالة على مستوى المعيشة. ومع ذلك فإن اياً من هذين المقياسين لا يغطي ابعاداً مثل الثروة والصحة والعمر المتوقع ومعرفة القراءة والكتابة والوصول إلى سلع وخدمات النفع العام.ولذلك فقد قدم تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة مؤشراً لا يركز فقط على فقر الدخول ولكن ايضاً على الفقر بوصفه احد وجوه الحرمان من خيارات الفرص في العيش حياة محتملة ومقبولة ويعد مؤشر الفقر البشري. مؤشراً مجمعاً لثلاثة مؤشرات أساسية للحرمان هو مؤشر للحرمان من حياة طويلة بصحة جيدة وهو يتمثل في نسبة الأفراد الذين يتوقع الا يعيشون حتى سن الأربعين .. والمؤشر الثاني هو مؤشر تعليمي معرفي يتمثل في نسبة الأمية وتعبر هذه النسبة عن درجة الحرمان من التسلح بالعلم والمعرفة. والمؤشر الثالث يقيس درجة الحرمان من مستوى معيشي لائق وهو يتكون من مؤشر مركب من نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه مأمونة ومؤشر غذائي صحي يتمثل في نسبة ناقصي الوزن من الأطفال دون سن الخامسة، وتعبر هذه النسبة عن درجة القصور في القدرة على تأمين الغذاء الجيد وما يرتبط به من حالة صحية جيدة. ويأخذ هذا المؤشر بعض الأبعاد التي توضح مستوى المعيشة السائد في البلدان محل الدراسة الا أنه يعاب عليه عدم اخذ أي مقياس للدخل في الاعتبار والأخطر من ذلك هو عدم وجود تعريف محدد لأحد مكونات هذا المؤشر الا وهي نسبة السكان الذين لا يحصلون على مياه مأمونة. وكجميع المقاييس الأخرى، فإن الرقم القياسي للفقر البشري له مواطن ضعف من حيث البيانات ومن حيث المفهوم وكجميع المقاييس ايضاً، فليس بمقدوره أن يضع يده على الفقر البشري في مجموعه. ومن هنا فإن الرقم القياسي للفقر البشري يشكل إضافة مفيدة لقياس الفقر. ويجمع الرقم القياسي للفقر البشري بين العناصر الأساسية للفقر ويكشف عن تناقض مع فقر الدخل. أثمرت جهود العديد من المهتمين بقياسات الفقر في الدول العربية خلال العقدين الأخيرين وبدعم من العديد من المنظمات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي وبعض المنظمات المتخصصة للأمم المتحدة بتطوير مجموعة من مؤشرات قياس الفقر التي تتفق مع المفاهيم والطرق المتفق عليها دولياً وتتصف هذه المؤشرات بخصائص عديدة مقارنة بغيرها ما ساهم في انتشار تطبيقها واعتمادها ليس على المستوى الوطني فحسب وإنما لأغراض المقارنة الدولية ايضاًَ.ولكن تقتصر قياسات فقر الدخل على عدد محدود من دول المنطقة وهي الأردن وفلسطين ولبنان ومصر واليمن وتونس والمغرب توضح الكثير من المؤشرات أن 27 % من سكان الدول العربية يعانون من الفقر البشري (مقياس الفقر البشري ومكوناته في الدول العربية)، 2000 /2001 كما أن دول المنطقة تتباين من حيث مستويات الدخل فيها وكذلك مستوى التنمية البشرية فإنها تتفاوت ايضاً في مستويات الفقر وخاصة الفقر البشري. توجد الأردن رأس الترتيب تليها البحرين وقد خفضت هذه البلدان من الفقر بين الناس إلى رقم قياسي للفقر البشري تبلغ قيمته اقل من نسبة 10 % وبمعنى آخر، فإن هذه البلدان خفضت من نسبة الفقر البشري إلى النقطة التي لا يؤثر فيها الا على أقل من نسبة (10) من السكان. وفي أسفل القائمة هناك خمس دول تجاوز فيها الرقم القياسي للفقر البشري نسبة 30 % وهي اليمن ومصر والعراق والمغرب والسودان، يمكن تقسيم الدول من حيث الفقر البشري إلى أربع مجموعات. تضم المجموعة الأولى الدول ذات الفقر البشري المنخفض (مقياس الفقر البشري بها أقل من 10 % ) وتضم هذه المجموعة كلاً من الأردن والبحرين. بالترتيب. أما المجموعة الثانية فتتضمن الدول ذات الفقر البشري المتوسط (من 10 % إلى 20 % ) وأغلب الدول العربية تقع ضمن هذه المجموعة (لبنان والكويت وقطر والإمارات وليبيا والسعودية وسوريا وتونس على الترتيب). وتشمل المجموعة الثالثة الدول ذات الفقر البشري المرتفع (من 20 % إلى 30 % ) وتضم عمان فقط وأخيراً تقع العراق ومصر والسودان والمغرب واليمن وضمن المجموعة الرابعة ذات الفقر البشري المرتفع جداً (أكثر من 30 % ).
مقاييس الفقر
أخبار متعلقة