غنائيات في الصبر 2-2
محمد نعمان الشرجبي :حسن عبد الحق ، الشاعر الغنائي، المساجل، وشاعر القصائد جهرية القراءة، والشخصية الاجتماعية البارزة في المجتمع اليمني. ولا نعلم لماذا كان يأثر الصمت، ويسدل على أعماله الإبداعية ستاراً من التكتم، ربما كانت حياته العملية واحدة من الأسباب، ومع ذلك ظهر فنياً بإبداعات لها وزنها القوي والمشرف. نقرأ من ، (خياري صعب)، التي لم تدخل بعد مجال اللحن والغناء:سئمت الصبر في عشره تورقنيحبيبي قادني للصعب وأحرجني ولي اختار أية نار تعجبني----وانا واقوى على الفرقة تعذبني وضعني بين نيرانه وخيرنينا القرب والا البين تحرقني---لأني حب خياري صعباستحمل مع ناري وأصعب من خياريباختياري نار لورفضت اختارمن مطلع الغنائية تلمس أنه يئن متقلباً وسط التعب والإرهاق كلما حاصرته هجمات أمواج الهوى ، ولهذا لا يجد مناصاً من التعامل مع الصبر بالكره. لأن الصبر هنا يعجزه عن نيل مبتغاه. لأن حبيبه على حد قوله في البيت الثاني، الذي يفيد في ظاهر معناه، أوقعه في شباك الصعب وبعد أن أحكم الطوق خيره بين أمرين.وهكذا استبدت به الحيرة بين الاستسلام والرفض، وبين نار التقرب والبين، وأظنه الفراق الطويل، لا الهجر الذي فيه أمل العودة. فلا تراه إلاّ وهو مخير بين هذا وذاك، وفي داخله وجدٌ عظيم، حالماً محاصراً متململاً بين دفتي الاختيار الذي نعته، (بالصعب، وأصعب) هكذا:خياري صعبوأصعب من خياري لو رفضت اختارعلى أن الاختيار هنا، مشروط في تقديرنا بالعفو، (ويسألونك... ماذا ينفقون قل العفو -2-). أما بقية أبيات الغنائية فتنسحب على نفس المعاني سالفة التفكيك، إلى جانب استخدام شاعر الصبر لمفردات طباقية جميلة التناغم ، (البعد، والقرب).وعلى متن ورقة، (لا تحكم على المظهر) نقرأ:بلاك الله يا دنيا ظلمتينا وتشكينفتحتي باب للجاحد وللغشاش بابين----تديري للوفا ظهرك وبالشينه تجازينوكيف الحل يا دنيا نهاية صبرنا لا وينتحس به يتلوى من ربقة الشكوى، والأنين، وفي دعوته المنصفة لذاته والآخرين من دينا تحجب عنه الأمل.ونستبين كذلك أن في ذات الشاعر حسن، إيقاع موجع من دينا تجور وتشتكي في آن، ولا تقابل وفاء الشاعر بمثله، لكنها تستعذب تذويق الشاعر مر، مالا يطيقه، ويرتضيه، ومن جانبه لا يستطيع كتمان ما يشعر به، ويعانيه، فتظهر على وجهه علامات الضجر، والتبرم فيقابلها بمواجهة غير متخاذلة، يدعو فيها على دنيا لا تكف عن الانشغال برسم سيناريوهات توزع فيها باختيار متقن، حراب الألم، ورخاء الفرودس، (فتحتي باب للجاحد وللغشاش بابين) و(وكيف الحل يادنيا نهاية صبرنا لا وين) عجز بيت للدنيا، وفي فمه حار سؤال معظل) على الدنيا تتفضل عليه بإجابة يفهم منها ساعة انقشاع غيمة المخارج والحلول، لصبر يتفجر ينبوعاً بعد يباس، وانشراحاً بعد شجن ، وعرفاناً بعد جحود.ومن رحلة عمر، يستعذب فيها مساء وصباح الصبر، يعزف من خيمة الخليل لحناً هزجياً جميلاً بصوت المطرب الكسادي:تصبرنا وصابرناوضاق الصبر من صبريومن أجلك تحملناصنوف القهر ياعمريورحلة عمر تحكيهالك الأيام من شعريمع الأنغام ترويهاوتهديها لمن يدريفي هذه الغنائية لا يخفي الشاعر تحمله تبعات الصبر، دونما حاجة إلى تحجير الحب والحياة الجميلة.والبيت الأول يلتقي في إجابة واضحة مع قول الشاعر:لو رأيناك صابراً لهوانالو هبناك كلما تتمنىويستوي معناه مع قول الشاعر:تصبرت حتى قيل أنني صابرسأصبر حتى يعجز الصبر عن صبريزد على ذلك نقرأ قول الثمل عشقاً بلين، ورقة، وطلعة سحر محبوبته:صبرت قلبي بالرجاء لينتهيعن ذكر عبل فلم يطاوعني فميوفي الغنائية، كلام بالغ التأثير يشتجن مرة، ويعتتب بشيء من الاستعطاف في اخرى. حتى ومرارة الحب تنشط بداخله يتلبسه الصبر. ترى هل ينكر الصبر عشاقه؟احسب أني مخير بين أمرين، ربما أحلاهما يجوس في خاطر الشاعر حسن ظاهره وباطنه:ويعلم حالي الباريشي ظاهر وشي سريوفوق هذا وذاك، أجدني مضطر البوح بأن شاعرنا، المتدثر بالعشق، الصابر على مالقيه، ويعانيه من الوجد، لا قدرة له على هجر نفسه، ذلك مابينه بقوله:لأ نا اثنين في واحدسوى منك سوى منيروحان في جسد واحدهما، لا كمن تخشن، وتغلط قلبه، ولم يسمح للعشق أن يستبد به.وعد عرقوبمن لحن الشاعر وكلماته وأداء المغني الكسادي نقرأ طي ورقة، (نفسي اتكلم).نفسي أتكلم معاكم للمساءوفي المساء اسمع كلامك للصباححتى أفضفض مابقلبي والحشاءمادام احساسي معاكم بايرتاحونفسي بأن اضحك ونفسي بالبكاءوابكي على مافات قبلك بالنواحلأني سئت الصبر ياقلبي الجوىمواعيد عرقوب وأعذار قباحإخترت لقراءة الغنائية هذه فصلاً جديداً، أسميته بغير عنوانها الموسوم (نفسي اتكلم) ذلك لأنها فعلت فعلها في النفس فجاءة، ربما لأن قصة المثل نبشت في الذاكرة مايؤرق الروح، والعقل في آن، وفي زمن أكثر وقاحة، يلوي عقولنا، وأفكارنا الرحبة، وتأكل أعمارنا خزنات عرقوب الذي يقابل عذرنا باللوم.وأما أول ماتصحو عيون الفجر على عرقوب، تنسدل فوقنا ستائر الليل، فلا تومض في أفق شواطئنا الأفراح.حقاً، إنها الأيام التي لا تبقى على حال، و، (الزمن)، الذي مهما طال، فنعيمه الى زوال، زمن تصعب عندي تسبر غوره، ومن الجايز أن الشاعر استبقني الى سبره من صبح خامسة وكان موفق.ومايعتجن داخل نفس عرقوب من خفايا الأسرار، فندة شاعر غاب عن ذاكرتي أسمه قائلاً:حواء ماسبر المجرب غورهاكلا ولا بلغ الخيال حدودهاويروي أن عرقوباً كان يمتلك مزرعة كبيرة من النخيل، تدو عليه اموالاً كثيرة. وفي يوم احتاج اليه اخوة، فجاة، طالباً مبلغاً من المال يسد به رمقه. اجابه عرقوب بصوت خافت، او لم يطلعك احد قبل مجيئك اني لا اقوى على الكلام، لايهم، المهم عد وقت يخضر الطلع، ولا تجادلني في شيء، والا، شهرت بك.وفي موسم اخضرار الطلع، قال عرقوب لأخيه، عد عندما يصفر، ليسهل بيعه بقيمة مرضية.عاد اخوه في موسم الاصفرار، والأمل يملأ عينيه، فبادره عرقوب قائلاً: لم يتبق لموسم حصاد التمر الا قليلاً، وهو موعد جني مبالغ البيع المريحة، ولك عندي فوق ماتطلب، وترتضي فالى ذلك الحين عد.عاد اخوه في موسم القطاف الى المزرعةن فما رأى للتمر الا اثراً بعد عين. فادرك ان اخاه باع المحصول، وانتفع بثمنه، وكذب عليه.اما أنا فلشد مااثار انتباهي، وأنا اسوق حكاية عرقوب من الذاكرة، بيت شعر فيه معنى لحكمة سائدة لنقرأ: ولاترين الناس الا تجملاوان كنت صفر الكف واليد طاوياعلى اية حال ، بعودة الى الغنائية نجدها مطوقة بكرم الطبيعة، واستجابة الأماني، للشاعر حسن، لينبسط على بساط الحديث الحسن، الذي لايمل ياخذ فيه مرارة طيلة الزمن المباح، ويستمع فيه من الآخر حتى الصباح.على أنه يستوي في البيت الثالث، مع الاخذ بعين الاعتبار تقدم بكاء صاحب الغنائية)، هذا القول ، لنقرأ:ولكن بكت قبلي فهيجني البكاء بكاها فقلت الفضل للمتقدم.............الهوامش:2-سورة البقرة - 2193ـ عجز من قصيدة مطلعها:نم على صدري فأنت الأملياضياء عانقته المقلللشاعر، محمد سعيد جرادة، لحن وغناء والفنان سالم بامدهف4 ـ دليل الأنغام لطلاب المقام، شعوبي ابراهيم خليل، ورقة 20 .5 ـ من الذاكرة 6 ـ عنترة بن شداد، (وإن لم يكن فارساً) فهو شاعراً.7ـ طرفة بن العبد ..8 ـ الخليفة الأموي، يزيد بن معاوية، والقصيدة طويلة، اقتطع جزءاًَ منها، الفنان محمد مرشد ناجي، لحنها، وغناها، ومطلعها:اراك طروباً والها كالميتمتطوف باكناف السجاف المخيماصابك سهم ام بليت بنظرةفما هذه الا سجية من رميعلى شاطىء الوادي نظرت حمامةفطالت على حسرتي وتندم