أثبتت اختلاف الفقهاء حولها قديما وحديثاً
صنعاء/ متابعات: أكد الأستاذ بكلية الشريعة والقانون جـامعة صنعـاء الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين بأن تحديد سن الزواج في الفقه والقانون هو محل خلاف بين الفقهاء المتقدمين والمتأخرين على حد سواء، مشيراً في دراسة فقهية قانونية مقارنة عن تحديد سن الزواج، حصلت «الغد» على نسخة منها، إلى أن للزواج المبكر قبل البلوغ أضراراً بالغة، يذكرها المتخصصون، أهمها إحداث تغيرات فسيولوجية وهرمونية في جسد الصغيرة تربك عملية النمو لديها وتؤثر على صحتها على المدى المتوسط والطويل.وقال الدكتور شجاع الدين إنه يترتب على الزواج قبل اكتمال النضج الجنسي الكثير من المعاناة والآلام والتمزق للفتاة الصغيرة والخوف الذي يؤدي إلى إصابتها بأمراض نفسية وعصبية، كما يؤدي حملها إلى إصابتها بآلام الظهر والنزيف المستمر وفقر الدم والتهابات المهبل وآلام البطن والتسمم الحملي.وأضاف أن زواج الصغيرات يحدث لهن الإجهاض في أحيان كثيرة، كما أن مواليدهن يعانون من نقص الوزن ويتعرضون لأمراض كثيرة، وهذه الأمراض والأعراض تؤدي في أحيان كثيرة إلى ارتفاع نسبة الوفيات بين الزوجات الصغيرات ومواليدهن حسبما تشير إليه الإحصائيات في هذا الشأن.وفي دراسته الفقهية، التي تنسف فتوى تحريم تحديد سن الزواج -صدرت مؤخرا- خلص الدكتور شجاع الدين إلى ضرورة تعديل المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية اليمني، على وفق ما هو منصوص عليه في قوانين الأحوال الشخصية في الدول المجاورة لليمن والمشابهة لها لا سيما سلطنة عمان ودولة الإمارات التي جعلت سن الزواج ثماني عشرة سنة للفتى والفتاة معاً.كما طالب بأن يشتمل هذا التعديل للمادة السالف ذكرها على العقوبة التي كانت مقررة في قانون الأسرة اليمني السابق لمن يخالف الحد الأدنى لسن الزواج، وذلك حتى يكون قانون الأحوال الشخصية موافقاً لما ورد في قانون حقوق الطفل ومراعياً لما ورد في اتفاقيتي حقوق الطفل و”سيداو”، اللتين صادقت عليهما اليمن، وصارتا بموجب ذلك في حكم القانون الوطني، ولتلافي أضرار الزواج المبكر التي أثبتها المتخصصون وأهل الخبرة والدراية في هذا الشأن.ويرى أستاذ الشريعة والقانون أن تعديل المادة (15) سوف يزيل التناقض ما بين هذه المادة وما ورد في المادة (22) في القانون ذاته التي تشترط الرضا بالزواج في كل الأحوال وسواء كانت المرأة صغيرة أم كبيرة، كما أن تعديل هذه المادة سيخرج القانون اليمني من دائرة العزلة والانفراد، إذ أن القانون اليمني هو القانون العربي الوحيد الذي لا ينص على مبدأ تحديد الحد الأدنى لسن الزواج، لا سيما ومسألة تحديد سن الزواج مسألة خلافية بين الفقهاء المتقدمين والمتأخرين وخاضعة لاجتهادهم الذي يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وليس في هذه المسألة نص قطعي يجب العمل بموجبه أو اتباعه حسبما أثبت هو من خلال هذه الدراسة.وأفرد شجاع الدين مطلباً خاصاً بعلامات البلوغ عند الفقهاء المتقدمين، أشار فيه إلى اختلافهم ابتداء من تحديد البلوغ بالسنين على قولين، أولهما يرى سن البلوغ للفتى والفتاة هو خمس عشرة سنة، وهو قول الشافعي والزيدية وحجتهم ما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال (عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد في القتال وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني- قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ خليفة فحدثته بهذا الحديث- فقال: إن هذا الحديث يبين الصغير والكبير، فكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن كان ابن خمس عشرة سنة ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال). أما القول الثاني فحدد سن البلوغ للفتى بـ”ثماني عشرة سنة والفتاة سبع عشرة سنة”، وهو قول أبي حنيفة والزمخشري والمالكية وغيرهم، وحجتهم في ذلك أن المقصود بالبلوغ هو الكمال والتمام ولا يتحقق ذلك إلا في هذه السن فقد فسر ابن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده) بأن بلوغ الأشد يكون ببلوغ ثماني عشرة سنة.وفيما يخص البلوغ بالأمارات، أشار أستاذ الشريعة إلى ثلاثة مذاهب للفقهاء المتقدمين، أولها مذهب داوود الظاهري الذي يرى فيه أنه لا بلوغ بغير احتلام ولو بلغ أربعين سنة، في حين يقول المالكية بغلظة الصوت وانشقاق أرنبة الأنف ونهود الأنثى، وهو عند الشافعية والزيدية يتحقق بإنبات شعر العانة وإنبات شعر الشارب والإبط، وزاد القاسم من الزيدية اخضرار الشارب في الرجل.وخلص شجاع الدين من هذا المطلب إلى أن “ الأمارات غير منضبطة وغير مضطردة وغير مستقرة وتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص”، مشيرا لذات السبب إلى أن “ الفقهاء يعتدون بالسن أكثر من اعتدادهم بالعلامات”.وخصص الباحث المطلب الثاني من دراسته لـ” خلاف الفقهاء المعاصرين بشأن تحديد السن الأدنى للزواج”، والذي حدده أيضا على قولين، أولهما بعدم جواز تحديد السن الأدنى للزواج، معتبرين أن زواج الصغيرة سنة عملية للرسول، وتحديد سن أدنى للزواج يخالف هذه السنة، وقلة أدب مع النبي وأن في تحديده إغلاقاً لباب الحلال وفتحاً لباب الحرام، أما القول الثاني لمذهب بعض الفقهاء المعاصرين في مسألة تحديد سن الزواج فاستقر إلى جواز وضع حد أدنى لسن الزواج، مستندين على بعض الحجج والتي منها، أن زواج الصغير لا يحقق الحكمة من تشريع الزواج، وأنه ليس لدى الأطفال في هذه السن القدرة والخبرة على تحمل مسؤوليات وأعباء الزواج وتربية الأطفال، إضافة إلى تأكيدهم أن الفقه الإسلامي لم يحدد سن الزواج.وتطرق إلى أدلة القائلين بجواز تحديد سن الزواج، منها أن الشريعة الإسلامية لا تمنع تحديد الحد الأدنى للزواج، وأن الله سبحانه وتعالى اشترط صلاحية الزوجين للزواج وهو البلوغ حتى تتحقق الغايات والحكم المبتغاة من الزواج وحتى يستطيع الزوجان القيام بواجبات ومسؤوليات الزواج وتبعاته، وقد ورد ذلك في قوله (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ)، كما أن الأطباء أصحاب الخبرة يذهبون إلى أنه تترتب على الزواج قبل البلوغ أضرار كثيرة تهدد سلامة وحياة الأم الصغيرة ووليدها في آن واحد، وأن الشريعة الإسلامية تنص على رفع الضرر وإزالته.وانتهى شجاع الدين من الخلاف بين الفقهاء المتقدمين والمعاصرين حول تحديد سن الزواج، بتأييده تحديد سن الزواج في العصر الحاضر، مبررا ترجيحه بعدد من الأسباب، تصدرها عدم صمود “ أدلة الرافضين لتحديد سن الزواج على كثرتها لم تسلم من الاعتراض ولم تصمد أثناء النقاش”، مؤكدا على ثبوت تحديد سن الزواج في الفقه الإسلامي، وأن النص عليه في القانون هو بمثابة تقنين لحكم فقهي شرعي.كما أن الآية التي يستدل بها المعارضون تنص على اشتراط البلوغ وأن السن تتحدد في الشريعة والقانون في ضوء المسؤوليات والمهام المناطة بالأشخاص، فصغير السن لا يسأل عن تصرفاته حتى لو كان عامداً، وكلما ازدادت هذه الأعباء والمهام والواجبات زادت معها السن المشترطة شرعاً وقانونا، كما أن الشريعة والقانون لا يعتدان برضا الصغير أو عبارته في كل شيء، فكيف الزواج وهو من أقدس الروابط والعلاقات وتترتب عليه واجبات والتزامات جسيمة، ولذلك فسن الأهلية في الشريعة الإسلامية والقانون ترتفع بارتفاع الواجبات والالتزامات ومن الأمثلة على ذلك: الأهلية التجارية وهي(18) سنة والأهلية الانتخابية وهي بلوغ 18 سنة وأهلية الترشيح لمجلس النواب وهي 25 سنة وأهلية شغل الحقيبة الوزارية 30سنة وأهلية الترشح لرئاسة الجمهورية 40 سنة.