دور مؤسسات المجتمع المدني في بناء الدوله اليمنية الحديثة والتحول الديمقراطي
متابعة/ فريد محسن عليتحتضن العاصمة صنعاء خلال الفترة 25 - 26 من يونيو الجاري المؤتمر الدولي حول الديمقراطية وحرية التعبير والاصلاح السياسي بمشاركة أكثر من 400 شخصية عربية ودولية وسيناقش المؤتمر جملة من المواضيع ذات الصلة بتعزيز النهج الديمقراطي وحرية التعبير وتفعيل مشاركة المرأة والتحديات التي تواجهها أثناء مشاركتها في المجال الديمقراطي ومن ضمن المحاور التي سيقف أمامها المؤتمر دور منظمات المجتمع المدني في مجال التحول الديمقراطي.فقد شهدت فترة التسعينات ميلاد مؤسسات المجتمع المدني في اليمن، حيث نشأت الأحزاب وتأسست عدد من المنظمات والهيئات الاجتماعية التطوعية والشعبية وتعددت وتنوعت النقابات المهنية، وأصبح العمل الأهلي شريكاً في الكثير من الأنشطة الاجتماعية والثقافية والتنموية الأخرى، وبدأت منظمات المجتمع المدني تأخذ مكانها الطبيعي في المجتمع وتشكل آليات هامة في عملية التغيير الاجتماعي والاقتصادي وتوافر مثل هذه المؤسسات الشعبية الطوعية في المجتمع النامي يشكل خطوة هامة وضرورية على طريق التنمية والتحديث، وأساساً ضرورياً للمشاركة الشعبية السليمة، وخاصة ان منظمات المجتمع المدني أساساً هو العمل الديمقراطي والمشاركة والتهيئة المؤسسية الكافية.فبعد تحقيق الوحدة واعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م حدث تحول كبير في فلسفة النظام السياسي، واعلنت الدولة الجديدة ارتباط مبادئها بالديمقراطية والتعددية السياسية وضمان حقوق الانسان والحريات العامة، وحرية المواطنين في تشكيل الاتحادات والمنظمات والهيئات المهنية المستقلة التي تدافع عن مصالحهم، ويعبرون من خلالها عن طموحاتهم ورغبتهم في المشاركة في صناعة القرار. فدستور وقوانين الدولة الجديدة توفر أرضية لانطلاقة غير مسبوقة في اليمن، وعندئذٍ بدأت مؤسسات المجتمع في الظهور، وارتبط هذا الظهور بثقافة نظرية لدى نخبة من المثقفين حول المفهوم الحقيقي لوظيفة مؤسسات المجتمع المدني بمعنى أصبح معنى ذلك هو وجود مجموعات مؤسسات مهنية سياسية اجتماعية، ثقافية قانونية، حقوق إنسان.... الخ لكل منها أهداف محددة، ويقوم نشاطها على العمل الطوعي لتحقيق الأهداف المرجوة، وعندئذ أصبح من الممكن الحديث بأن مؤسسات المجتمع المدني باعتبارها ركناً أو شرطاً من شروط الدولة المدنية الحديثة، ولها آليات للدفاع أو لتحقيق مطالب وحماية مصالح الفئات المهنية وإشاعة الوعي بالحقوق القانونية والديمقراطية، ان وظيفة بعض هذه المنظمات ذات الأهداف الاجتماعية تقديم خدمات لها، وان جميع مؤسسات المجتمع المدني تسعى في الوقت نفسه لكسب مؤيدين لتستطيع ان تجعل من نفسها قوة ذات ثقل لتتمكن من التأثير في السياسات العامة أو المشاركة في صناعة القرار. مع التأكيد بأن هذه المؤسسات تقوم بمساعدة الحكومة بالعمل الطوعي لتعبئة الموارد وتهيئة المواطنين للمشاركة في تطوير مجتمعاتهم.ان مفهوم المجتمع المدني ارتبط بميلاد ونشأة وتطور الدولة الحديثة القائمة على اساس اقرار حق المواطنة والمساواة القانونية للجميع وشرعية الحكم، والمفهوم يشير إلى مؤسسات وقوى اجتماعية وسياسية ومبادرات وممارسات تقوم بدور الوساطة بين المجموعات من جهة والدولة ومؤسساتها الرسمية من جهة أخرى. ولاشك فإن احداث عوامل كثيرة ساهمت بتزايد الاهتمام العالمي بمؤسسات المجتمع المدني خلال سنوات العقد الاخير من القرن الماضي احتلت أهمية محورية باعتبار تمايز هذه المؤسسات وتطورها مقياساً لديمقراطية النظام السياسي في أي مجتمع. وقد أخذت هذه المؤسسات بالنمو والتكوين المتزايد لها مرتبطة بعملية التحول والحداثة وحرية تأسيسها ونموها وتطورها. وشهد وماتزال مؤسسات المجتمع المدني الحديث في بلانا ومنذ العام 90م تطوراً في نشاطها متعدد الأوجه، عكس دورها الحقيقي وتأثيرها في الواقع السياسي والثقافي والتنموي بصورة عامة، بفعل توفر مجموعة العناصر والعوامل المؤثرة في صياغة الدور التنموي لهذه المؤسسات، وأبرزها طبيعة النظام السياسي الديمقراطي في اليمن القائم على التعددية السياسية والحزبية، ضمان الحريات والحقوق في كافة مجالات الحياة، صدور التشريعات والقوانين كمرجعية مقبولة من المجتمع المدني والدولة معاً، توفير البنية الأساسية لتشكيل مكونات المجتمع المدني ومؤسساته على طريق ترسيخ الثقافة المدنية والمشاركة الشعبية الفاعلة في عملية التنمية والتوزيع العادل لمنافعها وهو توجه تزامن مع اهتمام عالمي من جانب المؤسسات العالمية، ومؤسسات التمويل المؤكد على دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية، فبرزت كآلية للتحول الاقتصادي من جهة، وللتعامل مع الجهات المهمشة من جهة أخرى والحد من مركزية الدولة من جهة ثالثة، وبذلك حددت بلادنا الصيغة التكاملية بين الدولة ومؤسسات المجتمع المدني كشريك في عملية التنمية. ومنحها هذا الحق يمثل أهم المرتكزات الأساس في ترسيخ النهج الديمقراطي والاندفاع نحو العمل الطوعي والمنظم في ظل اهتمام ورعاية القيادة السياسية والحكومة لدور هذه المؤسسات المشارك في العملية التنموية المتكامل مع الجهد الرسمي مما أسهم في تعدد مجالات أنشطتها لتغطية شتى مناحي البناء التنموي ومنها التنمية البشرية والتي تستطيع هذه المنظمات تقديم مساهمات جمة في التنمية البشرية المستدامة في المجتمع المدني، من خلال سعيها للعب دور رئيسي في توفير خدمات عجزت الدولة عن الإيفاء كلياً بها، وبحكم تعدد واختلاف هذه الخدمات وتزايد احتياج المجتمع لها تتسع معها مجالات الأنشطة لمؤسسات المجتمع المدني كونها منبثقة من المجتمع ذاته ومكونة من أفراده، فلذا هي أقدر على التعاطي مع مشاكله وخصوصياته.ولاشك ان المميزات التي تتمتع بها مؤسسات المجتمع المدني وأهمها التقارب الفكري والثقافي بين أفرادها يجعل توصيل رؤية هذه المنظمات أكثر سهولة، حيث أنها قادرة على التحرك المنظم مما يوفر لها فرصاً هائلة للنجاح لالتصاقها بالجماهير وبحياتهم اليومية وقدرتها على التفاعل مع همومهم وانتشارها في مختلف المديريات والمحافظات، الأمر الذي يحقق توسيع قاعدة المشاركة الشعبية في القضايا الوطنية وأبرزها عملية التنمية والتحديث والمساهمة في حل العديد من المشاكل التي تعاني منها البلاد وتخفف الأعباء الملقاة على الدولة وخاصة في ظل التوجهات القائمة في العالم بالتوجه نحو اللا مركزية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، حيث لا تنمية بدون توسيع قاعدة المشاركة وإشراك هذه النخب في التنمية الشاملة.وباتت مسألة الشراكة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني موضوعاً بالغ الأهمية، ويعد مفهوم الشراكة محصلة لتطورات اقتصادية اجتماعية متلاحقة أمتد تأثيرها على الصعيد العالمي، وقد ارتبط مفهوم الشراكة بعدد من المفاهيم التي تشكل معاً نسيجاً منسجماً. ومن هذه المفاهيم التنمية بالمشاركة ومشاركة المجتمعات المحلية والاتجاه نحو اللا مركزية والحكم الموسع ويرسى مفهوم الحكم الموسع الأساس الذي تمارس من خلاله الشراكة في إدارة الشأن العام، ويشير إلى الأسلوب في استخدام السلطات السياسية الاقتصادية والإدارية في إدارة شئون البلاد على كافة المستويات، إذ يتمثل في الآليات والعمليات والمؤسسات التي يتمفصل عبرها المواطنون مع مصالحهم ويمارسون حقوقهم. ويتسم الحكم السديد بالشراكة والثقافية والمساءلة.وتكفل علاقة الشراكة تحقيق عدد من الأهداف منها استعادة العلاقة الايجابية بين الدولة والمجتمع بفضل توسيع قاعدة الديمقراطية الاجتماعية وتحسين ادارة شئون الحكم وكذا الاستخدام الأمثل للموارد، حيث يكفل التعبير الحر للفئات الشعبية عن حاجاتها، وإمكانية التعرف عليها وتلبيتها من قبل الحكومات، كما يرفع التقييم المستمر للخدمات التي تقدمها الحكومة من الكفاءة الاقتصادية لتكلفتها ويضمن كفاءة تقديمها، ويمكن تنسيق الأدوار المختلفة وتنظيمها في إطار الاستراتيجية التنموية للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة، وهناك الاستفادة من الطاقات الشعبية وإطلاق العنان للمبادرات الخلاقة والابتكارات والقدرات الكافية التي تهدر بسبب استبعاد فئات واسعة من الشعب من عملية التنمية. وايضاً قنوات فعالة للمشاركة السياسية كي تشارك الأغلبية في إدارة السياسة وصنع القرارات بالإضافة إلى كفالة العدالة الاجتماعية ومشاركة الأطراف في صنع السياسات داخل إطار من القانون بحيث تكتسب الدولة مصداقية واستقراراً ينعكس على برامج التنمية ومشاريعها.وتعتبر مؤسسات المجتمع المدني التجديد السياسي وفي مقدمتها الأحزاب السياسية في بلادنا ولها أهمية ودورها في حشد الجهود والطاقات لصالح تنمية المجتمع وتطوره فإن بمقدورها، ومن الواجب عليها ان تساهم بفاعلية في معالجة العديد من المشاكل بغرض توسيع التنسيق والشراكة مع المؤسسات الحكومية. ومفهوم الشراكة لا يستقيم الا في ظل شيوع عدد من الأسس والمحددات ويأتي في مقدمتها إرساء مناخ ديمقراطي حقيقي، كما يتضمن ذلك سيادة الدستور والقانون وباحترام حقوق الإنسان والشفافية والعدالة.. ومن هذا المنطلق فإن الحكومة اليمنية تتعاطى مع عملية إشراك مؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية وجمعيات ونقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع كضرورة ومدخل تنموي لايمكن الاستغناء عنه في كل الظروف والمتغيرات المحلية والدولية، وتعطي لهذه المؤسسات مساحة واسعة للعمل والمساهمة بشتى مجالات التنمية .