شفاء منصر حينما تستقل (الميكر وباص) من أمام الفسحة الضيقة المحاذية لمكتب الثقافة (بخورمكسر) التي يتخذ منها سائقو الباصات موقفـًا لهم في بداية شارع ((أمين ناشر)) لنقل الركاب من وإلى منطقة (الإنشاءات) ستندهش حينما تجد الشارع الذي كان إلى وقتٍ قريبٍ هادئاً وأنيقاً، قد تلوَّث بالضجيج والصخب، وسيمتلكك شعور موحشً بالغربة وافتقاد المكان القديم، وحينما تمضي في التذكر واستحضار ملامحه الضائعة ستقتحمك بشراسة روائح السمك العالقة في أجواء المكان، ودخان الشواء والطبيخ المنبعث من عشرات المقاهي المزروعة على الطريق، وستجد نفسك محاصراً بالزحام الخانق والصراخ المسعور للباعة المتجوِّلين الذي لا يهدأ طوال النهار، ليصبح كل ما في الشارع يخاصم الذوق العام عن جدارة على الرغم من ضمه لمؤسسات ومرافق مهمة للدولة كمكتب الثقافة، النيابة العامة، كلية الآداب، المعهد الصحي والمالية.. صحيح أنّ قاطني شارع (أمين ناشر) كانوا كبقية ساكني خورمكسر يعانون من شحة في الخدمات ما يضطرهم للتسوق من (كريتر) أو الحي التجاري بخورمكسر (الشابات)، لكن ذلك الوضع الصعب الذي طالما تذمروا منه لم يدعهم للإساءة إلى مظهره العام، كما يحصل الآن. من خلال استغلالهم اللامسؤول والبشع لمساحات من منازلهم أكانت عبارة عن أحواش أو ملاحق وحدائق مطلة على الشارع وتأجيرها كبقالات، وصيدليات، مقاهي، ملاحم، مخابز، كابينات اتصالات، محلات لتعبئة الغاز.... الخ، سعياً وراء كسب بعض المال لمواجهة ظروف المعيشة الصعبة.وإنْ كان غالبيتهم قد اتخذوا من موضوع التأجير تجارة رابحة، وبعد أنْ كان قاطنو الشارع يعانون من شحة في الخدمات أصبحوا يشكون من وفرة خانقة بالخدمات.!!وإذا كان البعض قد تعايش مع ذلك الوضع المزعج على مضض، لكن الوضع الذي لا يمكن قبوله والتعايش معه أنْ يفتح سوق (للقات) بحجة أنّ أصحابه يوفرون خدمة كغيرها من الخدمات المطلوبة!، لينقلب حال الشارع وأجواؤه إلى ما يشبه أجواء الموالد أو الأسواق الشعبية التي تـُقام بالقرى، ويصبح مشهد السوق مشهداً غرائبياً بائساً على وجه خاص في ساعة الظهيرة، حيث يحتدم العراك والصراع والصراخ مجتذبًا إلى دائرته المجانين والمتسولين والأطفال المعاقين، وعدد كبير من إخواننا الصومال، والجنود وطلاب الجامعة ... الخ، وتنظم إلى ذلك الحشد الهادر عربات الخضار والفاكهة وعربات الملابس الرخيصة، وبسطات السمك، وأقفاص الدجاج البلدي الذي يُذبح للزبائن في أماكن مكشوفة تسيل على أرضها القاذورات والدماء في مشهد يثير التقزز.. فيتعذر على المارة السير بحرية في الشارع، ويتفاقم الوضع ويغدو مأساوياً عند الظهيرة لدى عودة الموظفين من أعمالهم ليصبح مرور السيارات من أمام السوق مستحيلاً، كأننا أمام نقطة تفتيش أو منطقة حدودية بسبب الاختناق المروري الذي يسببه وقوف عشرات السيارات وسط الطريق لابتياع القات من دون مراعاة لوضع الركاب المحشورين في (الميكروباصات) الضيقة والمتهالكة.. خصوصاً أيام الصيف الخانقة والرطبة. لقد أعجبني تعليق لأحد الركاب من كبار السن على ذلك المشهد الجنوني: علقنا بنقطة الشيطان..ملمحاً إلى انقياد الناس بلا مقاومة ومن دون تفكير نحو سوق القات، مستسلمين لتيار غوايتها وإغرائها الذي لا أمل لنجاتهم منه.. بينما نحن محاصرون وسط تلك الفوضى العارمة نبحث عمن يخلصنا .. ولكن تـُرى من هي الجهة المخلِّصة إذا كان القائموين عليها مبتلين بمضغ القات.
|
تقارير
خدمة مرفوضة
أخبار متعلقة