نبض القلم
لقد جاءت الفرائض الدينية الإسلامية لتؤكد دعائم الوحدة ، فهذه فريضة الصلاة يقف المصلي ليؤديها ، وهو يستشعر روح الجماعة حتى وإن كان يصلي منفرداً فهو يقول عند قراءة الفاتحة “ إياك نعبد وإياك نستعين”ولا يقول : إياك أعبد و إياك أستعين وهو يقول : “ أهدنا الصراط المستقيم “ ولا يقول: اهدني الصراط المستقيم، لأنه لو قال ذلك انفصل عن الأمة التي هو واحد من أعضائها ، وأصبح عاملاً من عوامل التفتيت فيها ، وداعية من دعاة الفرقة والخروج عن الصف الواحد ، وبذلك تفسد صلاته ، وإذا أصر على هذا الانحراف صار خارجاً عن الإسلام ،لأنه فارق جماعة المسلمين ، ويؤكد ذلك الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو داؤد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه”.وقبل أن يشرع الإمام في الصلاة ينبه المصلين إلى ضرورة تسوية الصفوف ، ويدعوهم إلى الوقوف في صفوف منتظمة غير مفرقة ، مردداً مقولة : إن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة ، بما يفيد أنه يشترط لصحة الصلاة أن يكون المصلون مستشعرين روح الجماعة ، وقد روى الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالجماعة ، وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد ، وهو مع الاثنين أبعد) .ولما كانت الأمة العربية والإسلامية متماسكة ومؤتلفة صارت قوة ترهب الأعداء ، وردت كيد المعتدين ، إلا أن ضعاف النفوس الموجودين في كل زمان ومكان وفي كل مجتمع ، كانوا موجودين في عهد النبوة فحينما تجمعت أحزاب الكفر من قريش وغطفان واليهود تريد قتال الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقضاء على دعوته التي تدعو إلى تحرير الإنسان ، تجمع المؤمنون حول الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأعدوا العدة لملاقاة هؤلاء الأعداء ، وحفروا الخندق حول المدينة ، حتى لا يستطيع الكفار أن يقتحموها ، وأقبلت جموع الشرك وجاؤوا لمواجهة المسلمين ، وتجمعوا مكونين قوى الثورة المضادة ، إلا أن المؤمنين الملتفين حول الرسول لم يهنوا ولم يتزحزحوا ، وهم الذين مدحهم لله بالعزة والكرامة ، في قوله تعالى” من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”صدق الله العظيم.وكان من نتائج هذا الموقف الوحدوي من الصحابة أن انتصر المسلمون على أعدائهم الذين قذف الله في قلوبهم الرعب ، لأن التوحد والتجمع كانا سبب نصرتهم على أعدائهم ، أما الخروج عن الصف الواحد فمصيره الهزيمة والخذلان.وفي بلادنا يوجد الآن تياران اثنان : تيار المؤمنين بالوحدة اليمنية وتيار المتخاذلين والمتنكرين لها. فالتيار الأول : الشعب الذي آمن بالوحدة وبحق الإنسان في أن يعيش عزيزاً كريماً ، وآمن بأهداف الثورة اليمنية ، وناضل من أجل تحقيق أهدافها وفي مقدمتها الوحدة اليمنية، وقد تمرس هذا التيار على النضال لسنوات طويلة من أجل تحقيق هدف الوحدة اليمنية، وبذل ما في وسعه للدفاع عنها والوقوف بصلابة ضد الخارجين عن الجماعة الذين أرادوا شق الصف الوطني وتفريق الجماعة ، أما التيار الثاني: فهو لفيف من المتخاذلين الذين فقدوا بعض مصالحهم ، فتنكروا لتراث الحركة الوطنية وعملوا على هدم أبرز منجزات الثورة اليمنية والمتمثل في إقامة اليمن الديمقراطي الموحد ، فهذا التيار عمد إلى تجميع قواه من ضعاف النفوس وصار يتآمر على الوحدة وها هو يعد العدة لتخريبها من الداخل ، فقد تجمعوا مكونين قوى الثورة المضادة للوحدة تماماً كما فعلت قوى الكفر التي تجمعت في عهد النبوة للقضاء على دعوة التوحيد والوحدة التي أتى بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكن المؤمنين بالوحدة سيتصدون لهم بعون الله وسينتصرون للوحدة بفضل الله ، ولن يتمكن المتنكرون للوحدة من تفريق جماعة المؤمنين بها ، لأن الوحدة متأصلة في وجدان الشعب اليمني جميعهم وهم الذين سيحبطون أية محاولة لشق الصف الوطني وتفريق جماعة الأمة ، مقتدين بالصحابة رضوان الله عليهم الذين أتحدوا فأحبطوا محاولات المشركين في التآمر على الإسلام وشق صفوف المسلمين.[c1]* خطيب جامع الهاشمي الشيخ عثمان[/c]