سطور
د.سماح رياض علي ملهيالدموع قد ملأت حياتي من كل صوب، ثيابي مبللة بالدموع، صوتي دموع حزني يزداد: أين أنت؟ أبحث عنك في كل مكان ولا أجدك أبكي وتبكي أحرفي وتسيل كلماتي وترفضها الأوراق لقد بللتها أنا قبل أن تبللها الأحرف وأقنع نفسي بأنني لن أراك مجدداً وأتذكر الماضي ليهدئ بالي من التفكير وترتاح عيناي من الألم الذي أخترقهما عنوة، عندما رأيتك أمامي نائماً وسمعت من حولي يقول إنك ميت، أقتربت إليك، قبلتك على جبينك وخديك، ووجهك مبتسم وكأنني أسلم عليك في يوم العيد، نظرت إلى يديك وجدتهما مشلولتين عن الحركة، صرخت بأعلى صوتي ،تعبت، بكيت، تألمت، احترقت واحترقت حتى أعتقدت بأنني نمت مثلك.أتذكر ذلك اليوم .. يوم الموت الذي كان كئيباً بالنسبة إلي أتذكر هاتفي الذي لم يتوقف عن الرنين .. لقد كلمني كل من احترمني وكل من عرفني من قبل أن يعرف أنه يوم موت خالي الموسيقي أحمد درعان، شعرت للحظة بأنني لست في نوم عميق أيقظوني من سباتي، تنهدت، نمت مجدداً ولكن ليس كنوم خالي المرحوم، لأنه عندما نام أيقنت بأنه لن يعود ولن يصحو من النوم واسيت نفسي، أخذت أوراقه بين يدي وضممتها إلى صدري، أتذكر جيداً كم بح صوتي، وارتجفت أناملي، واتسع جرحي، دخلت في حالة فقدان كل شيء أحببته.ولكن تلك مشيئة الخالق وحده، مثلما خلق، يستطيع أن يأخذ ومثلما يحيي يستطيع أن يميت ومثلما يبدأ الخلق، قادر على أن يعيده، ولكن من يعيد لعيني جفاف الدموع، من يضمد جراحي، ومن يشفي أسئلتي غير خالي أحمد الذي كان لا يبخل علي بشيء وكان يفهم كل أمر يريد معرفته إنسان، واسع الاطلاع، غريباً لأننا في زمن مجهول، لا يسير فيه إلا من أوعى الكذب ومن ذهبت منه ذرة الإخلاص،خالي أحمد..ظلام سكن عيني أشعر بذهاب الضوء منهما،غلبني الحزن فغلبته لأنني أقوى منه وأكثر حزناً منه،وإنني أحزن من كل حزن عميق لا يغادر بالدموع ولا بالأنين،ويسكن فيسكن إلى أن يحل محله حزن أقوى منه وأشد،ذلك ما عشته عندما مات (أبي) (وهو جدي) الذي رعاني ولم تمض أيام قليلة على موت جدي حتى رحل خالي وكان روحيهما كانتا لكل ملتصقتين،رحل من أحبوني كثيراً ومن رعوني وعشت معهم ألوان حياتي وهم من جعلوني سماح رياض.لم أعشق القلم إلا من عشق خالي،ولم أكن أحظى باحترام من الآخرين إلا عندما كان جدي محترماً بين الناس طيب القلب أحبه الله وعندما رحل نزل مطر من السماء ليبرد تربته وروحه الطاهرة..خالي المرحوم أحمد درعان...لا أنسى توقيعك الجميل فما زال على أوراقك حياً ككلماتك التي سأحقق كل ما كتبته بها بإذن الله وسيبقى كل ألم في حياً ككلماتك إلى أن أموت وستصبح كلماتي حية وقصصي شاهدة علي حينها سيتلاشى حزني وسيتذكرني الآخرون مثلما يذكر خالي المرحوم أحمد من كل من عرفه..العام الثاني لفقدانك،فقدان آخر يسكنني،فراغ لم يملأه أحد ولم يسكنه غير فراغ،وفراق آخر سكن بداخلي عند فراقي من أحب..(خالي.وأبي).انصرفا من أمام عيني كلمح البصر،حملا على نفس النعش واغلق بعد رحيلهما نفس الباب الذي دخلا منه ذات يوم بأقدامهما حين ينتهي كل شيء يبقى شيء واحد،الأثر..أياً كان..في كل زمان ومكان يبقى أثر قدم في الأرض،وكل قلم له أثر على الورق وكل تصرف له أثر في النفس سواء كان تصرفاً محبوباً أم غير محبوب ولكل رحيل أثر ولكل وداع صوت يسمع وصوت يتردد داخل كل نفس،تبكي العين،تئن،تعكر صفو الحواس تجعل الوجه يائساً والرأس في دوران،ولكن عندما يقويها الألم تصبح الدمعة صخرة تجعل الوجه قاسياً ومشدودا،لا تبلله إلا دمعة أقسى،وما أقسى دمعة فراقك يا خالي أحمد.
