واعتقد أنّ طه حسين شأنه شأن المتنبي، قد شغل الناس في حياته وبعد وفاته، ولم تكن أزمة كتابه "في الشعر الجاهلي" هي الأولى، فقد سبقتها أزمة كتاب" تجديد ذكرى أبي العلاء" وقد بدأت هذه الأزمة حينما تقدم أحد أعضاء الجمعية التشريعية بطعن في هذا الكتاب، يتهم فيه طه حسين بالإلحاد، ويطالب بحرمانه من حقوق الجامعيين، وبسحب شهاداته وإجازاته الدراسية، على الرغم من أنّ ذلك الكتاب اجازه للدكتواه ثلاثة من أئمة الأزهر الشريف، لكن تلك الأزمة ماتت في مهدها، حيث أخمدها "سعد زغلول" الذي كان رئيسًا للجمعية التشريعية آنذاك، إذ استدعى صاحب الطلب وأقنعه بسحب طلبه؛ لأنّه يسيء إلى الجامعة المصرية وإلى الأزهر معًا.د.يحيى قاسم سهيلكما أتهم طه حسين بتشويه وتخريب صوره العصر العباسي، لكونه خلص في كتابه "حديث الأربعاء" وبعد تناول علمي دقيق إلى أنّ العصر العباسي كان عصر مجون وزندقة.وقد عرف عام 1925م قضية كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي وضعه الشيخ علي عبد الرازق وهي القضية التي انتهت بأزمة وزارية حادة أدت إلى انهيار الحكومة الائتلافية بين الاتحاديين والأحرار الدستوريين بخروج الأخيرين من الوزارة.وفي عام 1926م أي بعد عام، ظهر كتاب طه حسين، "في الشعر الجاهلي" وأثار أزمة لا تقل في حدتها عن الأزمة السابقة، وإن اختلفت في الملامح.وكان كتاب (إسلام وأصول الحكم) عملاً ذا طابع سياسي بالأساس، فقد صدر في مواجهة الرغبة المحمومة من الملك فؤاد ليكون خليفة على المسلمين، بعد أن أسقط أتا تورك الخلافة العثمانية 1924م، وهي رغبة لم تصدر عن حمية دينية كما يقول "ديونان لبيب رزق" بقدر ما صدرت عن سعي من جانب سيد قصر عابدين لدعم سلطته الدنيوية بسلطة دينية، أما كتاب د. طه حسين فقد كان عملاً فكريًا بالدرجة الأولى لأستاذ في الجامعة أراد إعمال المنهج الشكي، هو المنهج الذي بشر به المفكر الفرنسي المعروف "رينيه ديكارت".هذا من جهة ومن جهةٍ أخرى كان الشيخ علي عبد الرازق عالمًا أزهريًا يشغل وقت صدور كتابه مقعد القاضي في محكمة المنصورة الشرعية، هذا فضلاً عما هو معلوم أنّ انتمائه لأسرة عبد الرازق باشا، وكانت من أعرق الأسر المصرية، فقد كان والده من أكبر الأعيان، كما كان من مؤسسي حزب "الأحرار الدستوريين"، ومن ثمّ فقد وجد من يدافع عنه وبقوة، أما "الدكتور طه حسين" فقد كان أستاذ الأدب العربي في الجامعة المصرية، وهو فضلاً عن أصوله الاجتماعية المتواضعة، فقد بدأ شيخًا أزهريًا ثم تحول إلى استاذ بالجامعة بعد نيله درجة الدكتوراه من السوربون، وقد أعتمد في حياته على عمله، واكتسب شهرة واسعة نتيجة لكتاباته الصحفية، بمعنى آخر أنّه بينما خاض علي عبد الرازق معركته وهو مدعوم بطبقة اجتماعية قادرة، وحزب سياسي مشارك في الحكم، وجريدة من أوسع الصحف انتشارًا وأكثرها احترامًا، هي جريدة "السياسة" الناطقة بلسان هذا الحزب.فقد كان على طه حسين أن يخوض معركته وهو أعزل الآمن حجته وبرهانه، فضلاً عن تاريخه في الجامعة، وهي أسلحة لم تكن تنفع في ذلك الزمان، ولا في أي زمان غيره.هذا، ناهيك عن أنّ حزب الأحرار الدستوريين لم يكونوا مستعدين للوقوف مع طه حسين بعد أن احترقت أصابعهم في العام 1924م في أزمة كتاب "الإسلام وأصول الحكم".إضافة إلى أنّ طه حسين كان قد كتب في جريدة حزب الاتحاد الموالي للمك بعض المقالات.لذلك كانت فرصة أتباع سعد زغلول للانتقام من طه حسين ليس لكتابته مقالاات نارية ضد زعيمهم سعد، بل لأنّهم أرتؤوه مشمولاً برعاية (حسن باشا نشأت) وكيل الديوان الملكي.يضاف لذلك موقف الأزهر الذي تملكته أسباب الغيرة من الجامعة المصرية الوليد ورآها فرصة لاستحلال دماء الكفرة. وكذلك موقف صحيفة "الأهرام" السيء وتبنيها لكافة الكتابات ضد طه حسين ليس له تفسيير سوى أن طه حسين قد كف عن الكتابة في (الأهرام) فجأة في أواخر 1922م، وهاجر بقلمه إلى جريدة (السياسة) ويبدو أنّه فعلها دون رضا المسؤولين في (الأهرام).الثورة ضد طه حسينقامت على طه حسين ثورة عارمة هاجمته من مواقع إسلامية وغدا بعضها من طرف خفي (عباس العقاد)، وكان طه حسين وعباس العقاد يتوقيان بعضهما، وقد بايع طه حسين العقاد أميرًا للشعر، بعد وفاة شوقي، وبايع العقاد طه حسين عميدًا للأدب العربي، ولم يتهاجما علانية قط، وإن كان طه حسين قد هاجم العقاد بعد وفاته.وبدأت المعركة ضد طه حسين في الصحافة على النحو الآتي :- مقال المدرس بدار العلوم، محمد عبد المطلب، الأهرام، 2 مايو 1926م.- مقال العالم الأزهري عبد ربه مفتاح.- مقال عبد المتعال الصعيدي الذي اتهم طه حسين بأنّه نقل هذه الأفكار عن مستشرق إنجليزي.- مقال إبراهيم عبد القادر المازني صحيفتا "الزهرة والاتحاد".- مقال مصطفى صادق الرافعي صحيفة "كوكب الشرق".- مقال محمد حمزة الغمراوي صحيفة "البلاغ".- مقال محمد لطفي جمعة صحيفة "المقطم".- مقال محمد رشيد رضا صحيفة "المنار".- مقال علي سيد صحيفة (الفتح).- مقال تادرس عبد الملك صحيفة "الأهرام".- مقال وحيد الأيوبي صحيفة "الأهرام".- ولم تنحصر الثورة على طه حسين وكتابه على الصحافة، بل أنبرى البعض لتأليف كتب والرد على طه حسين، من هذه الكتب :- مصطفى الرافعي، تحت راية القرآن، هاجم فيه طه حسين ومنهجه الديكارتي، وحدد أصل هذه (الافتراءات) بأنّها للمستشرق الإنجليزي (دافيد صموئيل مرجليون).- محمد حمزة الغمراوين النقد التحليلي لكتاب (في الأدب الجاهلي).- محمد لطفي جمعة، الشهاب الراصد.- محمد الخضر حسين، نقد كتاب (في الشعر الجاهلي).- محمد فريد وجدي، في نقد كتاب (في الشعر الجاهلي).- محمد الخضري، محاضرات في بيان أخطاء كتاب في الشعر الجاهلي).هذا وأتهم الأمير شكيب أرسلان، ومحمد عبد اللطيف وعبد العال الصعيدي وغيرهم، طه حسين (بعدم النزاهة والتبعية للغرب).وأنحازت صحيفة "الأهرام" ومحررها داؤد بركات ضد طه حسين انحيازًا كاملاً.والخُلاصة هي، أنّ أحدًا لم يجرؤ على الدفاع عن طه حسين سوى حزب الأحرار وبعض كُتاب صحيفة (السياسة).المظاهراتأدى نشر الكتاب إلى اعتصامات ومظاهرات طالبت برأس المؤلف، بل تلقى عدة خطابات تهدده بالقتل.وهاجمه في مجلس النواب مصطفى الغاياتي، وقدّم النائب عبد الحميد البنان، اقتراحًا في بداية سبتمبر 1926م، يطالب فيه بمصادرة الكتاب وإعادة المؤلف للجامعة ما دفعته فيه كحقوق نشر، وطرده من الجامعة، ورفع الدعوى عليه.ووقعت مشادة بيَّن رئيس مجلس النواب (سعد زغلول) ورئيس الحكومة "عدلي يكن"، فقد خلالها الاثنان اعصابهما، وظن سعد أنّ الاقتراح يسيء للجامعة وإلى حرية الفكر في مصر، ويجعل من المؤلف بطلاً، وطالب بأن يترك الأمر لوزير المعارف، وأن يسحب البنان اقتراحه.كما خاطب سعد زغلول أمام إحدى المظاهرات التي قامت للاحتجاج على الكتاب مؤكدًا على أنّ مسألة كهذه لا يمكن أن تؤثر في هذه الأمة المتمسكة بدينها.. وشكل الأزهر الشريف جمعية للدفاع عن حقوق العلماء ودعا إلى مظاهرة عامة بعد صلاة الجمعة 12 نوفمبر 1926م، وتوجه 200 عالم من علماء المعاهد الدينية يتقدمهم شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء لمقابلة رئيس الديوان الملكي، وشكوا له مطاعن طه حسين للإسلام، فأعلن تضامنه معهم.وتكرر الهجوم على طه حسين في مجلس النواب لدواعٍ سياسية أكثر منها دينية أو أدبية طوال الأعوام 1930م، 1931م، وحتى عام 1939م.انتقال المعركة إلى النيابةقدّم الشيخ خليل حسين الطالب بالقسم العالي بالأزهر الشريف بلاغ إلى النيابة العامة بتاريخ 30 مايو 1926م أتهم فيه طه حسين الأستاذ بالجامعة المصرية بأنّه ألّف كتابًا أسماه (في الشعر الجاهلي) ونشر على الجمهور في هذا الكتاب (طعن في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم.... الخ.والبلاغ الآخر قدمه عبد الحميد البنان أفندي عضو مجلس النواب، في 14 سبتمبر 1926م، ذكر فيه أنّ طه حسين نشر ووزع وعرض للبيع.. كتابًا أسماه (في الشعر الجاهلي) ونشر على الجمهورية في هذا الكتاب (طعن في القرآن العظيم حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم... الخ.هذا، وقدم فضيلة الشيخ الأزهر خطاباً يتضمن تقرير رفعه علماء الأزهر عن كتاب ألّفه طه حسين كذّب فيه القرآن صراحةً وطعن فيه على النبي "صلى الله عليه وسلّم" وعلى نسبه الشريف وأهاج بذلك ثائرة المتدينين وأتى فيه بما يخل بالنظم العامة.. كما أرسل بعض أساتذة الأزهر وطلابه بسيل من الرسائل للمسئولين وللنائب العام يلحّون فيها على طلب التحقيق مع طه حسين.سفر طه حسينفي هذا الجو المشحون بالغضب والتوتر، نصحه عبد الخالق ثروت "رئيس الوزراء" بأن يسافر مع أُسرته إلى فرنسا حتى تهدأ الأحوال.وتجب الإشارة هنا، إلى أنّ طه حسين قد أهدى كتابه إلى عبد الخالق ثروت : رئيس الوزراء وقتها (وكأنه كان يتوقع المتاعب التي سيلاقيها، وأراد أن يستند إلى (سلطانه).ونظرًا لتغيب طه حسين خارج مصر أرجىء التحقيق إلى ما بعد عودته، ولما عاد بدأ التحقيق بتاريخ 19 أكتوبر سنة 1926م، وحضر طه حسين وأخذت أقواله وكان إلى جانبه المحامون (عبد العزيز فهمي، كامل البنداري، أحمد رشدي، عبد الملك حمزة).التهم الموجهة للدكتور طه حسينلخص رئيس النيابة محمد نور الاتهامات التي وجهها المبلغون على النحو الآتي :1 - تكذيب القرآن الكريم في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.2 - تعرضه للقراءات السبع المجمع عليها وزعمه بعدم إنزالها من عند الله وأنّ "هذه القراءات إنما قرأتها العرب لا كما أوحى الله بها إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام".3 - تعريضه بنسب الرسول فيما جاء في قوله إنّ انتحال الشعر ونسبته للجاهليين جاء بهدف (تعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش...).4 - إنكار أنّ الإسلام دين إبراهيم.التحقيق مع طه حسينبدأ التحقيق بتاريخ 19 أكتوبر سنة 1926م، وتمّ استجواب المؤلف من قبل رئيس نيابة مصر محمد نور الذي (أدار التحقيق مع طه حسين بوعي كامل، وبموضوعية تامة، فلم ينحرف بالتحقيق إلى مسائل فرعية، ولم يلجأ إلى تكفير الرجل أو إتهامه بالعلمانية الملحدة، إنّما كان يتساءل، ويناقش، ويقارع الحجة بالحجة، لا ليدين المفكر، بل ليستبين منه حقيقة ما قصد، بل ويفتح له المنافذ ويساعده على تدعيم موقفه القانوني).إلى جانب ذلك كان النائب محمد نور... (كبيرًا عزيز النفس حقًا، واحتمل صلف د . طه حسين، واستعلاءه على مبدأ التحقيق في حد ذاته، ومراوغته في الإجابة، وإمساكه عن التصريح. ولو أنّ النائب المحقق محمد نور كان ضعيف النفس خائر الشخصية لآتخذ موقفًا مضادًا لطه حسين يغطي شعوره بالنقص، وينساق وراء روح انتقامية تضعف موقف الدكتور، ولو أنّه كان انتهازيًا متسلقًا، لوجد في هذه القضية فرصة سانحة يركب على أكتافها، ليكسب المعسكر الكبير الثائر على د. طه حسين، ويرتفع على أشلائه، ويظهر نفسه في صورة حامي حمى الأخلاق والمدافع عن الدين الحنيف...).وكان محمد نور (يعرف جيدًا حجم مسؤوليته الجسيمة، فهي ليست أبدًا قضية عادية وإنما هي قضية تاريخية يعرف أبعادها حق المعرفة...) لذلك نشر قراره على نفقته الخاصة وطرحه للبيع في الأسواق).قرار النيابةعرض قرار النيابة التهم الموجهة للدكتور / طه حسين المتمثلة في التهم الأربع السابق ذكرها، مناقشًا إياها مناقشة علمية راقية، ويمكن تلخيص ردوده على تلك التهم على النحو الآتي1 - بالنسبة للتهمة الأولى، رأى أنّ المبلغين قد أنتزعوا العبارات من موضوعها والنظر إليها منفصلة وأنّها جاءت في الكتاب : (في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي ألف من أجله الكتاب..)2 - وفيما يتعلق بالتهمة الثانية رأى المحقق، أنّ ما ذكره المؤلف في هذه المسألة هو بحث علمي لا تعارض بينه وبين الدين.3 - وفي التهمة الثالثة رد المحقق قائلاً : (ونحن لا نرى اعتراضًا على بحثه على هذا النحو من حيث هو دائمًا على ما نلاحظه عليه أنّه تكلم فيما يختص بأسرة الرسول "صلى الله عليه وسلّم" ونسبه في قريش بعبارة خالية من كل احترام بل وبشكل تهكمي غير لائق ولا يوجد في بحثه ما يدعوه لإيراد العبارات على هذا النحو.4 - أما التهمة الرابعة فيقول النائب محمد نور : (نحن لا نرى اعتراضًا على أن يكون مراده بما كتب في هذه المسألة هو ما ذكره، ولكننا نرى أنّه كان يسيئ التعبير جدًا في بعض عباراته...)الجانب القانونينص المادة 14 من دستور مصر الصادر بالأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923م على أنّ "حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان الإعراب عن فكرة بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو بغير ذلك في حدود القانون).ونصت المادة 149 على (أنّ الإسلام دين الدولة).وقد نصّت المادة 139 من قانون العقوبات الأهلي على عقاب كل تعدٍ يقع بإحدى طرق العلانية المنصوص عليها في المادتين 148، 150، على أحد الأديان التي تؤذي شعائرها علنًا.وجريمة التعدي على الأديان - وهي الجريمة المعاقب عليها بمقتضى المادة المذكورة تتكون بتوافر أربعة أركان :1 - التعدي. 2- وقوع التعدي بإحدى طرق العلنية المبنية في المادتين 148، 150. 3 - وقوع التعدي على أحد الأديان التي تؤذي شعائرها علنًا. 4 - القصد الجنائي.بالنسبة للركن الأول "التعدي" فإنّ التعدي على الدين الإسلامي تحقق لانتهاكه حرمة هذا الدين بأن نسب إلى الإسلام أنّه استغل قصة ملفقة هي قصة هجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة وبناء الكعبة واعتبار هذه القصة أسطورة وأنّها من تلفيق اليهود...)وثانيًا وقع التعدي بطريق العلنية أي ورد في كتاب (الشعر الجاهلي) الذي طبع ونشر وبيع في المحلات.وعن الركن الثالث لا نزاع فيه؛ لأنّ التعدي وقع على الدين الإسلامي الذي تؤدي شعائره علنًا، وهو الدين الرسمي للدولة.والركن الرابع في الجريمة هو القصد الجنائي أي الركن الأدبي الذي يجب أن يتوافر في كل جريمة، فيجب إذن لمعاقبة المؤلف أن يقول الدليل على توافر القصد الجنائي لديه، بعبارة أوضح يجب أن يثبت أنّه إنما أراد بما كتبه أن يتعدى على الدين الإسلامي، فإذا لم يثبت هذا الركن.وقد أنكر المؤلف في التحقيقات أنّه يريد الطعن على الدين الإسلامي.... وخلص النائب محمد نور في تحليله للركن المعنوي للأفعال التي أتهم بها طه حسين، إلى القول : (ولما قرأنا ما كتبه بإمعان وجدناه منساقًا في كتاباته بعامل قوي متسلط على نفسه، وقد بيّنا حين بحثنا الوقائع كيف قاده بحثه إلى ما كتب وهو وإن كان قد أخطأ فيما كتب؛ إلا أنّ الخطأ المصحوب باعتقاد الصواب شيء وتعمد الخطأ المصحوب بنية التعدي شيء آخر.مما تقدم يتضح أنّ غرض المؤلف لم يكن مجرد الطعن والتعدي على الدين بل أنّ العبارات الماسة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع اعتقاده أنّ بحثه يقتضيها.ومن ذلك يكون القصد الجنائي غير متوافر "فلذلك" تحفظ الأوراق إداريًا..) محمد نور رئيس نيابة مصر، القاهرة في 30 مارس سنة 1927م.الخاتمة كان دستور 1923م المصري ثمرة مخاض عسير وخرج من بين فرث ودم كان هو ثمرة ثورة 1919م والابن البكر لها، وأرسى هذا الدستور أسس المجتمع الليبرالي الذي أطلق الحرية للمجتمع.وقد تأكدت بما لايدع مجالاً للشك مكانة وأهمية ودور ومعنى القضاء واستقلاليته، بوصفه السياج المنيع لحماية الحقوق والحريات العامة، وبوصفه أيضًا أي القضاء واستقلاليته أحد معايير الدولة القانونية.وتعد قضية طه حسين، وبحق علامة مضيئة في تاريخ القضاء المصري، الذي لا يمكن عزله عن حركة التنوير الذي سبق النهضة الثقافية التي كان طه حسين أحد زعمائها، وما محمد نور رئيس نيابة مصر؛ إلا أحد ثمار هذه النهضة.وإذا كانت قضية حرية الفكر، تثير جدلاً واسعًا في دول العالم أجمع وفي الدول العربية بصفة خاصة؛ فإنّ الحكمة من الاعتراف بحرية الفكر، ما استقر في قضاء المحكمة الدستورية العليا المصرية، تتجلى فيما يلي :1 - إطهار الحقيقة التي لا يستغني عنها المجتمع لاتخاذ قرارات سليمة.2 - عدم دستورية القيود المتعسفة على حرية الفكر والتعبير.3 - الدستور يحمي حرية التعبير عن الآراء الخاطئة، طالما تعلق الأمر بالمصلحة العامة.4 - لا يجوز أن يكون القيد / العقوبة/ عائق قامع لحرية التعبير.5 - حرية التعبير هي قاعدة كل تنظيم ديمقراطي.6 - الضرورة الاجتماعية لحرية النقد.المراجع :1 - خيري شلبي، محاكمة طه حسين، الطبعة الثانية، دار مطابع المستقبل بالفجالة والإسكندرية 1994م.2 - وديع فلسطين، طه حسين، سلسلة أعلام ومشاهير، الطبعة الأولى، دار ومطابع المستقبل 2002م.3 - د. حسن محمد هند، النظام القانوني لحرية التعبير، مهرجان القراءة للجميع - مكتبة الأسرة، القاهرة 2004م.4 - محمود أمين العالم، الإنسان موقف، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2001م.5 - يونان لبيب رزق، محاكمة طه حسين، صحيفة الأهرام، الحلقة "391"، 24 مايو 2001م.6 - جمال البنّا، مصر ودستور الحقبة الليبرالية، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، مصر ص 7، العدد (19)، 2005م ص 49. هامش :- المادة المنشورة أعلاه ورقة قدمت إلى ندوة قراءة جديدة لمحاكمة طه حسين التي نظمتها جمعية تنمية الثقافة والأدب م/ عدن مساء الأربعاء قبل الماضي 28 ديسمبر 2005م.
|
ثقافة
محاكمة طه حسين قراءة جديدة
أخبار متعلقة