لقد تلفت قلب ( مي زيادة ) ، العطشان للحب ، على عباس محمود العقاد وبقى عباس العقاد يرنو بعينيه ، حتى جحظتا على مفاتن ( مي ) ، وكان هذا التباين في الوجدان والمشاعر سبباً في بقاء العلاقة بينهما عند مستوى الود وتجاذب الحديث الطريف والمنمق ، وحرصت ( مي ) كما حرص العقاد على التشبث بشعرة معاوية لتستقيم العلاقة الظاهرة للصالون الأدبي الذي يستقبل أطيافاً من الوجدانات والمشاعر والعواطف وأنماطاً من الرؤى والأحلام والخيال . ولم تستطع ( مي زيادة ) خلال رحلة حياتها المغلفة بالثقافة والأدب تجاوز مفاهيم العلاقة بين الثقافات العربية والغربية .. ولم يكن لها أصول وجذور ثقافية تتشبث ٍبها وتشتت معارفها وكان هذا سبباً في شرود ذهنها وإن ظل ، حسب رأي محبيها - مفهومها العربي للحب ذا جاذبية خاصة ساعدتها على السمو بحبها الذي تنقل بين رؤوس مثقلة بالأدب والفن والفكر ومشحونة بالغرائز . لقد عاشت ( مي زيادة ) حيرتها الخاصة ولم يسعفها صالونها الأدبي الذي مورست - فيه جوانب سياسية واجتماعية وفلسفية وثقافية في إماطة اللثام عن دور مميز في حركة الحياة الأدبية ، وظلت مي في خيبة أمل غير معلنة على المستوى الخاص والمستوى العام ، ولا غرو أن يشكل هذا الضغط قلقاً وتوثراً إن لم يكن اكتئاباً . يقول العقاد عن ( مي زيادة ) إن اهتمامها كان موزعاً بين العلم والأنوثة وأنه أحبها ، بيد أن العقاد لم يتزوج ويرى في الزواج جانباً من مزعجات الدنيا ( رواية سارة لعباس محمود العقاد ) ، وقد سألوه يوماً عن أدب ( مي ) وكان رأيه أنه أمتدح لطفها وإنسانيتها .. وترك مايقال عن ( أدب مي ) خلف ظهره . وفتحي رضوان يقول : مي ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة أدبية ؟ فقد كتبت ( مي زيادة ) عن نفسها بأنها تمثل النموذج المثالي المفرط في افتراض حسن نواياً البشر ، وقالوا عنها إنها عاشت نصف حياة ، خافت الحب أن يجرها إلى الخطيئة .. فعاشت فراغاً نفسياً وعاطفياً . وحتى الدكتورة عائشة عبدالرحمن قالت .. " ما حياة ( مي ) الا قصة استشهاد طويل ؟ "تقول غادة السمان : عانت ( مي ) بين جمال الكاتبة وجمال إنتاجها الأدبي والفكري ولقبوا مي زيادة ( عروس الأدب النسائي ) وكان هذا اللقب مشيناً ومهيناً أكثر منه إعجاب واطمئنان . إن خير ماكتبته ( مي زيادة ) قولها .. أين وطني ؟ ولدت في بلد وأبي من بلد وأمي من بلد ، وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد . فلأي هذه البلدان أنتمي وعن أي هذه البلدان أدافع ؟ لقد كتبت ( مي زيادة ) الشعر بالفرنسية وترجمت عن الألمانية وأقنعها الأديب أحمد لطفي السيد بالكتابة باللغة العربية .. وقيل إنها تجيد ست لغات وإنها صاحبه أشهر صالون في القرن العشرين ، ملتقى الأدباء وعمالقة الفكر .. وأن حكايتها الأدبية إنها قرأت كلمة جبران خليل جبران بالاحتفاء والتكريم للأديب الكبير خليل مطران كان ذلك في ابريل 1913م وقيل إنها تمتعت بجمال الشكل وجمال الروح وروعة العقل وعذوبة الصوت . وقالوا إنها ظلت تسعة عشر عاماً من الحب مع جبران خليل جبران الأديب المهاجر في أمريكا ، حباً صافياً ، سامياً ، عفيفاً ، عذرياً ، روحانياً .. ولم يلتقيا أبداً . لقد شكل هذا الحب وغيره أزمة داخلية لمي زيادة فضغط على جعبتها فلوث ذهنها ، فإن لم يكن كذلك فإن الأشد جنوناً تبادل الرسائل الغرامية بين شاعر المهجر جبران ومي زيادة .. تراسل عن بعد محتشد بالعاطفة الجياشة ومفعم بالحب أما من طرف أواحد أو الحب العذري والذي أنتهى بخيبة أمل .. هذا الحب - لا أدري - إن أثبت رحابة صدر أو جسداً مشرداً أو غرابة في الأطوار أم فضاء في عالم إمرأة تبحث عن هوية أو بارقة أمل ؟! [c1]عمر السبع [/c]
|
ثقافة
هل خدشت (مي زيادة) الذوق العام ؟!
أخبار متعلقة