غزو استثماري خليجي للغرب من وسط أوروبا حتى مركز لاس فيغاس
شهدت الشهور التسعة المنقضية من العام الجاري 2007، موجة جديدة من الغزو الاستثماري الخليجي للأسواق الغربية الكبرى، أعقبت موجة أخرى في العام 2006، وذلك بعد فترة هدوء بل تراجع وانسحاب لتلك الاستثمارات من الأسواق الغربية بعد الحادي عشر من سبتمبر/ 2001. وكشفت الشهور التسعة الماضية عن تنافس خليجي محموم بقيادة الصناديق والشركات الإماراتية لتملك حصص رئيسية او الإستحواذ الكامل على بعض الشركات الأمريكية أو الأوروبية مدفوعا بفوائض مالية خليجية كبيرة بلغت 1.5 تريليون دولار خلال السنوات الخمس الماضية، وستضيف بنهاية هذا العام 540 مليار دولار إضافي أو ما يزيد عن مجمل الصادرات السنوية للبرازيل والهند وبولندا وتركيا(حسب بيانات معهد التمويل الدولي).[c1] الإمارات تقود الاستحواذات:[/c]آخر تلك الاستحواذات تمثل في عرض بورصة دبي لشراء بورصة أو إم إكس السويدية بـ4 مليارات دولار وهو العرض الذي تفوق على عرض سابق لبورصة ناسداك الأمريكية بـ3.7 مليار دولار، وكلك عرض "دبي لصناعة الطيران" للاستحواذ على مطار أوكلاند النيوزيلاندي بملياري دولار،وصفقة "دبي العالمية" لشراء إم جي إم ميراج لتطوير وسط مركز لاس فيغاس بـ5 مليارات دولار، وصفقة "طاقة" لشراء شركة "نورثروك ريسورسيز" الكندية في منتصف شهر أغسطس/آب الماضي بملياري دولار، وصفقة مركز دبي المالي قبل يومين لشراء شركة للخدمات المالية بـ 1.8 ليار دولار.وإلى جانب الصفقات الإماراتية، كانت عملية شراء "سابك" لقطاع الصناعات البلاستيكية في شركة جنرال إلكتريك التي بلغت 11.6 مليار دولار والتي أبرمت في 31-8-2007 من أكبر الصفقات التي تمت خلال هذا العام، إضافة إلى الصفقة التي تتفاوض قطر بشانها حاليا لتملك سلسلة محلات سينسبري البريطانية بمبلغ 21 مليار دولار.وتنوعت الاستحواذات الخليجية بين قطاعات الصناعات الثقيلة والخفيفة والطيران والموانئ والتجارة والمصارف وحتى أندية القمار، والتقديرات المبدئية لقيمة تلك الصفقات في النصف الأول تدور حول 40 مليار دولار.لكن يبدو أن حجم تلك الصفقات أكبر بكثير من ذلك، فلو عرفنا أن صفقة واحدة هي صفقة سينسبري والتي هي في مراحلها الأخيرة الآن تبلغ 21 مليار دولار، وأن صفقة "سابك" بلغت 11.6 مليار دولار. وأن صفقة ميراج بلغت 5 مليارات، إضافة إلى مليارات أخرى في صفقات متوسطة وصغيرة لعلمنا أن الحجم الإجمالي لصفقات الاستحواذ الخليجية أكبر من ذلك بكثير، خاصة أن الكثير من الجهات ترفض الإفصاح عن قيمة صفقاتها وهي بالمليارات.وكشف تقرير لمؤسسة "مورجان ستانلي" مؤخرا عن أن صناديق الاستثمار التابعة لـ 4 حكومات خليجية هي قطر والإمارات والسعودية والكويت تستحوذ على نصف إجمالي أصول صناديق الاستثمار الحكومية في العالم والتي تقدر بنحو 2.6 تريليون دولار. ووفقا للتقرير فإن حجم أصول صناديق الاستثمار الخليجية الثلاث تقدر بنحو 1.3 تريليون دولار، (بخلاف الصناديق والأذرع الإستثمارية للشركات الكبرى) ويستحوذ جهاز أبوظبي للاستثمار الذي يدير استثمارات حكومة أبوظبي ويعتبر أكبر صندوق لإدارة الثروات في العالم على الحصة الأكبر حيث تبلغ جملة أصوله 875 مليار دولار، وتأسس الصندوق عام 1976.وحلت صناديق استثمار تابعة للحكومة السعودية في المرتبة الثانية بأصول تقدر بنحو 300 مليار دولار، وجاء جهاز الكويت للاستثمار التابع للحكومة الكويتية وتأسس في عام 1953 في المرتبة الثالثة بأصول قيمتها 100 مليار دولار، في حين جاء جهاز الاستثمار القطري الذي تأسس في عام 2000 في المرتبة الرابعة بأصول قيمتها 40 مليار دولار. لكن بعضا من الصفقات الخليجية التي تدخل مراحلها النهائية حاليا مثل صفقة أو إم إكس ومطار أوكلاند وسينسبري تواجه معارضة متنامية من العديد من الأطراف السياسية والإقتصادية في الدول الغربية، حيث تقدم تلك الدول مبدا المصلحة الوطنية والقومية على مبادئ حرية التجارة والعولمة وحرية انتقال رؤوس الأموال، وهي المبادئ التي بذلوا كل جهودهم لفرضها على الاقتصادات النامية ومنها بطبيعة الحال الاقتصادات العربية والإسلامية. فبالإضافة إلى المعارضة التي تواجهها حاليا صفقة إستحواذ بورصة دبي على أو إم إكس في السويد، وتلك التي واجهتها صفقة مطار أوكلاند في نيوزيلاندا، فإن المعارضة تتصاعد في بريطانيا ضد صفقة سينسبري، وانتقلت هذه الروح العدائية ضد الصناديق الأجنبية من بريطانيا إلى ألمانيا التي تدرس سن تشريع يزيد من صعوبة استحواذ صناديق الثروات الحكومية على الشركات الألمانية.أن قواعد المنافسة والسوق الحرة تعطينا الحق ان نذهب إلى اي مكان في الشرق او الغرب لتحقيق مصالحنا وحتى تكوين جماعت ضغط لمساعدتنا، كما أن الإدارة الأمريكية تضغط على صندوق النقد والبنك الدوليين للقيام بتدقيق ومتابعة مناهج الاستثمار التي تطبقها صناديق الاستثمار السيادية الخارجية، وتحثهما كذلك على وضع وتطوير إطار عمل لإرشاد وتوجيه صناديق الاستثمار السيادية، شريطة أن يتضمن إطار العمل المذكور قواعد تلزم الصندوق بالإفصاح عن منهاج الاستثمار الذي يتبع وعدم التدخل في سياسات الدولة المضيفة لاستثماراته.وإذا كانت الاستثمارات الخليجية في الأسواق الغربية أو بعضها على الأقل تواجه هذه الروح العدائية أو الحمائية المتصاعدة فإن السؤال يبدو منطقيا.. لماذا تصر هذه الإستثمارات على الهجرة الى الغرب؟ وياتي الرد سريعا: إنه العائد المجزي والتنوع الاقتصادي والاندماج مع الاقتصادات المتقدمة بهدف الإفادة والاستفادة منها، إضافة إلى ندرة الفرص الاستثمارية التي تستوعب هذه السيولة الكبيرة في المنطقة.المسالة إذن هي منافسة في حلبة الأقوياء ولا بد أن ندخلها لتحقيق مصالحنا كما يقول رئيس اتحاد المقاولين العرب ورئيس جمعية مقاولي الإمارات أحمد سيف بالحصا الذي يضيف أن الدول الخليجية ظلت لفترات طويلة تعطي ولا تأخذ، وكانت تفصل السياسة والعلاقات الدولية عن الاقتصاد والمصالح القومية، لكن هذه الدول، ومنها الإمارات بدأت منذ عامين تقريبا تربط العلاقات الاقتصادية بالسياسية مثل الجولات التي يقوم بها نائب رئيس الدولة ورئيس الوزراء الشيخ محمد بن راشد إلى العديد من الدول والتي يتم خلالها توقيع العديد من الاتفاقات الاقتصادية والتجارية إلى جانب الاتفاقات السياسية.ويضيف بالحصا أن قواعد المنافسة والسوق الحرة تعطينا الحق أن نذهب إلى أي مكان في الشرق أو الغرب لتحقيق مصالحنا وحتى تكوين جماعت ضغط لمساعدتنا، مشيرا إلى أن مجموعات ضغط معادية لنا هي التي تقود المعارضة للاستثمارات الخليجية والعربية في الغرب "فهم يريدون أن يأخذوا من دون أن يعطوا لكن نحن نذهب إليهم لنعطي ولناخذ، ونحن نريد تحقيق أفضل عوائد لاستثماراتنا، ونبحث عن الفرص المناسبة لها ".ويرى أن المعارضة القائمة حاليا لاستثماراتنا سواء في السويد أو أمريكا أو نيوزيلاندا أو ألمانيا هي امور طبيعية وعلينا أن ندخل في حوار معمق ونمارس ضغوطنا نحن أيضا في مواجهة هذه "اللوبيات" (جماعات الضغط) للحفاظ على مصالحنا كما يفعلون هم للحفاظ على مصالحهم والتي تدفعهم أحيانا إلى شن حروب لتحقيق تلك المصالح، لكن بالحصا أشار إلى أنه من الحكمة قبل الإقدام على أية صفقة جديدة دراستها بشكل واف، ومعرفة المخاطر الاستثمارية والعوائد الربحية المتوقعة. [c1]فرص إستثمارية بالمنطقة:[/c]محدودية الفرص الإستثمارية بمنطقتنا العربية والخليجية ، وغياب الشفافية والمعوقات الإدارية والفساد يدفع بالاستثمارات الخليجية للتوجه للغرب والشرق. المعارضة للاستثمارات الخارجية الكبرى في الغرب تبدو طبيعية كما يقول مدير الأبحاث الاستراتيجية في "جلف كابيتال" وعضو الجمعية الخليجية لرأس المال الجريء عماد غندور لـ"الأسواق.نت"والذ ي يدلل على صحة كلامه بما حدث مع صفقة ميتال وارسيلور وكذلك مع محاولات شركة غازبروم الروسية لكنها قد تكتسب أبعادا إضافية في حال الاستثمارات العربية.ويرى غندور أن محدودية الفرص الاستثمارية في منطقتنا العربية والخليجية، إضافة إلى غياب الشفافية، وبروز المعوقات الإدارية والفساد هو الذي يدفع بالاستثمارات الخليجية للتوجه إلى الغرب والشرق بحثا عن الفرص المناسبة.لكن النائب الأول لرئيس " أبراج كابيتال"مروان لطفي يختلف نسبيا مع هذه الرؤية مؤكدا لـ"الأسواق.نت" أن الأسواق المجاورة تتضمن العديد من الفرص الاستثمارية الجيدة ومشيرا إلى أن "أبراج" تركز استثماراتها في شمال إفريقية والهند والصين، وأنها تحقق عوائد جيدة من هذه الاستثمارات.ويرى لطفي أن أوضاع السوق وقوانينه لم تتغير ولكن الذي تغير هو عقلية الحكومات والشركات الخليجية، فمع تدفق الفوائض النفطية أصبح التفكير ينصب على استثمار هذه العوائد في مشروعات ذات مردود اقتصادي جيد، والبحث عن فرص مناسبة أينما كانت، مضيفا إن العديد من الشركات والمؤسسات الكبرى في المنطقة وخاصة الإمارات لديها خطط طويلة المدى للتوسع إقليميا وعلميا بهدف فتح نوافذ على السواق العالمية.