غضون
- قبل أمس زرت المعرض الآثاري الذي أقامه أساتذة وطلاب قسم الآثار بكلية الآداب (جامعة عدن) كانت هناك كثير من اللقى التي عثر عليها الطلاب أثناء جولاتهم التطبيقية إلى أكثر من موقع أثري.. لن اتحدث عن شيء من ذلك سوى “الفخار” لأن الحديث الذي سمعته من رئيس القسم الدكتور جمال الدين محمد ادريس سيطر على تفكيري بقوة.. وجمال الدين هذا هو سوداني ومتخصص بآثار حقبة ما قبل التاريخ، قلت له: أنتم تعرضون قطعاً متناثرة لبقايا أوان فخارية، أهذا كل ما قدرتم عليه.. وما قيمة هذا!؟- قال: لا تستهن بهذا الفخار.. كل ما نعثر عليه له قيمة.. ليست قيمة مادية بل قيمة معنوية وثقافية وحضارية.. هذا الفخار الذي تراه عثر عليه في موقع آثاري بمنطقة صبر ويعود تاريخه الى عصر البرونز أي إلى سنة 3000 قبل الميلاد.. يعني أن أجدادك الذين عاشوا هناك قبل 5000 سنة من الآن هم الذين صنعوا هذا الفخار، الذي يدل على على أن القوم كانوا متقدمين تقنياً وكانوا ذواقين، ولاحظ الأشكال والألوان، وكانوا مستقرين، والأهم من ذلك أنهم كانوا يشتغلون بالزراعة لأن الأواني الفخارية صنعت حينها لتكون أوعية لحفظ الحبوب قبل الماء.- المهم.. الرجل افحمني.. وانتهى إلى القول: لا نبحث عن الفخار، بل عن الثقافة التي انتجت هذا الفخار!.. بمعنى أن هذا الفخار الذي عثر عليه في موقع آثاري بمنطقة صبر ويعود تاريخه إلى ما قبل 5000 سنة يعطينا دلالة على أن أسلافنا الأقدمين الذين عاشوا هناك كانوا مستقرين وذواقين ويعيشون حياة مزدهرة.. أي أنهم كانوا “أوادم” مثل الناس والناس.- قلت لنفسي: أيعقل أننا طوال هذه السنوات ظللنا نتراجع، وكان أجدادنا الأولون أفضل حالاً منا.. هل هذه الأنماط من السلوك التي نمارسها اليوم نتاج قطيعة أو انقطاع طويل مع الإرث الحي الذي تركه أجدادنا؟ لا نبدو في تصرفاتنا اليوم إننا أحفاد الرجال والنساء الذين صنعوا الفخار.. إني هنا أروج للماضي الجميل وأنبه إلى ان مستقبلنا ليس الماضي، بل هو الغد، لكن إذا جاء هذا الغد قريباً ونحن “محلك سر” أكيد توجد مشكلة في عقولنا..