أفكار
بعد انتهاء القمة الإفريقية التي عقدت في شرم الشيخ والتي بحثت بشكل أساسي أزمة الغذاء العالمية وانعكاساتها على تفاقم أزمة الغذاء في القارة الإفريقية الفقيرة، ثم زيارة السيد الرئيس (المصري) لكل من جنوب أفريقيا وأوغندا والبحث بجدية عن بدء التعاون الزراعي بين مصر ودول القارة.فإن الأمل قائم بأن يفعل التعاون الزراعي ويعمل على جذب الاستثمارات العربية والغربية الصديقة وغير المتطلعة لأدوار سياسية أو استعمارية في القارة بدلا من أن تستمر القارة السمراء الغنية بمواردها الطبيعية وطاقاتها الكامنة في الاعتماد على المعونات الأجنبية المشروطة والاستسلام لثلاثي القهر من الفقر والجوع والجهل.إن تجاوز أعداد الدول التي تحتاج إلى إعانات غذائية عاجلة إلى أكثر من نصف عدد دول القارة يجب أن يدفعنا إلى العودة العاجلة إلى الزراعة بالاعتماد على الاستثمارات الوطنية والصديقة في كل ما يخص إنتاج الغذاء وتصنيعه وتجارته بدلا من الاستثمارات الجارية الآن في نقل التلوث الصناعي من الغرب إلى القارة البكر أو الاستثمارات على مقدراتها. فعلى سبيل المثال ليس من المقبول حاليا في ظل أزمة الغذاء المتفاقمة في القارة أن نجد مشروعا هنديا برازيليا لاستغلال أراضي17 دولة من دول غرب إفريقيا في إنتاج الوقود الحيوي المستخرج من الحاصلات السكرية والزيتية والنشوية والتي يحتاجها سكان القارة في غذائهم وبشدة في ظل غياب كامل للمنظمات والقمم الإفريقية لاستبدال هذه المشروعات المستفزة للفقراء الأفارقة بمشروعات لإنتاج الغذاء, والتي كنت أرجو أن تشمل توصيات القمة الإفريقية الأخيرة إدانة لاستخدام الأراضي الإفريقية في إنتاج الوقود الحيوي كأحد أهم مسببات أزمة الغذاء العالمية الحالية وارتفاع أسعار فاتورة الغذاء والتي زادت بنسبة 84 % عن مثيلاتها منذ عامين فقط بما يضغط وبشدة علي الاقتصاديات الفقيرة لدول القارة.وبالمثل أيضا فإن دولة مثل جنوب إفريقيا والتي تمثل قوة اقتصادية منطلقة وواعدة عليها أن تسخر قدرتها الزراعية وإمكاناتها العلمية المتقدمة في إنتاج وتوفير الغذاء لجيرانها الأفارقة بدلا من خططها الحالية في الانطلاق والمشاركة بقوة في منظومة الوقود الحيوي والتي تمثل الاستغلال الأسوأ للموارد الزراعية والطبيعية.وفي هذا الصدد نود أن نشير إلى بعض الإحصائيات ذات الدلالة والتي توضح القدرات الزراعية الهائلة للقارة الإفريقية:ـ1 ـ تبلغ المساحات القابلة للزراعة في القارة الإفريقية 35 % من مساحة القارة لايستغل منها حاليا أكثر من 7 % فقط بنسبة 20 % بما يعني أن هناك 80 % من الأراضي الإفريقية الزراعية الخصبة غير مستغلة.2 ـ تمتلك دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مساحة99 مليون هكتار من الأراضي القابلة للزراعة يستغل منها حاليا 86 مليون هكتار بنسبة87 % بما يعني أن معظم أراضي شمال إفريقيا مستغلة فعلا في الزراعة, وأن عليها الاتجاه جنوبا للتعاون مع باقي دول القارة السمراء.3 ـ تمتلك الدول الإفريقية التي يطلق عليها اسم دول جنوب الصحراء( لموقعها جنوب الصحراء الإفريقية الكبري التي تمتد من غرب مصر وحتي موريتانيا) مساحات من الأراضي القابلة للزراعة تبلغ1031 مليون هكتار يزرع منها فقط 228 مليون هكتار بنسبة22 % بما يعني أن هناك وفرة من الأراضي الزراعية في القارة الأفريقية تبلغ803 ملايين هكتار قابلة للزراعة الفورية وكافية لإحداث تخمة غذائية في القارة الإفريقية والشرق الأوسط والدول الآسيوية بل ويمكن أن تؤهلها لاحتكار أسواق العديد من السلع الزراعية خاصة القطن والذرة والأرز والسكر ومحاصيل الزيوت واللحوم الحمراء والدواجن.4 ـ لا تمتلك دول الشمال الإفريقي إلا نهرا واحدا فقط وهو نهر النيل في مصر, والذي يأتي أيضا من قلب القارة, في حين تمتلك دول وسط وغرب وشرق إفريقيا العديد من الأنهار والبحيرات العذبة ذات الموارد المائية الوفيرة إضافة إلى الأمطار الغزيرة التي تهطل علي هذه المناطق صيفا وشتاء والتي لا تتوافر في دول شمال القارة التي تقع في أكثر مناطق العالم جفافا وحرارة.5 ـ في المقابل تمتلك دول الشمال الأفريقي العلم والجامعات والاتصال التكنولوجي والعلمي مع دول القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية, كما تمتلك مصر الكفاءات والخبرات الزراعية والثروة البشرية التي تمارس الزراعة منذ أكثر من سبعة آلاف عام كدولة رائدة للزراعة الإفريقية والعالمية, وبالتالي فهناك منفعة متبادلة وحاجة ملحة للتعاون بين الشمال الإفريقي وجنوبه بما يعود بالخير والنفع على تقدم هذه القارة الواعدة قبل أن تصبح مطمعا للدول المتقدمة بل والدول المنطلقة اقتصاديا مثل الصين والهند والبرازيل وكوريا وإسرائيل.في خمسينات وستينات القرن العشرين دعمت مصر ثورات التحرر الأفريقي من الاستعمار الغربي والمستغل لخيرات القارة الإفريقية, وفي بدايات القرن الحادي والعشرين يتعاظم دور مصر في دعم الثورة الأفريقية الخضراء خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته القمة الإفريقية الأخيرة بشرم الشيخ والتي قادها وبحكمة السيد الرئيس ثم حرص على حثها بزيارته الي جنوب إفريقيا وأوغندا, والتي يجب أن تتوج بالعمل والمتابعة لخروج توصياتها الي أرض الواقع وتشجيع الاستثمار العربي والإفريقي لتنمية القطاع الزراعي في القارة والاستفادة من المنح والتعويضات التي أقرتها قمة الغذاء في روما لدعم الزراعة الإفريقية مع تكافل وتعاون جميع الجهات الزراعية والمنظمات الإفريقية معا من أجل دعم قيام هذه الثورة الإفريقية الخضراء.[c1]* صحيفة (الاهرام)[/c]