شخصيات خالدة
[c1]* طبيب ومؤرخ بغدادي[/c]ولد أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة في أسرة عريقة، اشتهرت بالعلم والطب، ونشأ في بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية، وموطن العلم وقبلة العلماء، كان أبوه "سنان" طبيبًا ماهرًا، وقد خوله الوزير "أبو عيسى بن الجراح مهمة الإشراف على علاج المساجين في سجون الدولة، وتوفير الدواء والرعاية الصحية لهم. كما قلده البيمارستانات ببغداد وغيرها، فكان يقوم بعمله بمهارة وإتقان جعلته موضع ثقة الوزير "علي بن عيسى" والخليفة "المقتدر بالله العباسي".كان جده هو الطبيب المعروف (ثابت بن قرة) الذي برز كواحد من أكبر الأطباء والمترجمين في القرن (9م)، والذي كان يتميز بالبراعة والذكاء، وقد روي عنه حفيده (ثابت بن سنان) قصة طريفة مؤداها أنه كان يمر في طريقه دائمًا بجزار يبيع اللحم، وكانت له عادة غريبة، فهو يقطع شرائح الكبد ويضع عليها الملح ثم يتناولها نيئة. وتوقع (ثابت) له أن يصاب بأذى، فجهّز الدواء اللازم له، وكان يحمله معه كلما مر عليه، وفي أحد الأيام مر ثابت بالجزار فسمع صراخًا وعويلاً، فأدرك أنه صار إلى ما توقعه له وعندما سأل عن الخبر قيل له: إن الجزار قد مات، فطلب الدخول عليه، وعلى الفور بدأ بتنشيط نبض الرجل وأعطاه الدواء الذي أعده خصيصًا له، وسرعان ما أفاق الرجل وبدأ يستعيد نشاطه وحيويته.عاصر (ثابت بن سنان) عددًا كبيرًا من الخلفاء العباسيين، وكانت له مكانة وحظوة في بلاط كثير منهم، وجعل علمه وخبرته ومهارته في خدمتهم .تولى ثابت بن سنان إدارة بيمارستان بغداد فترة طويلة من الزمان، وكان طبيبًا نبيلاً، اطلع على كتب الأقدمين، وأضاف إليها العديد من خبراته ومشاهداته، وقد ساعده على التبحر في علوم الطب أنه نشأ في أسرة توارثت هذا العلم، وقد سلك فيه مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة.لم يمنع انشغال ثابت بالطب من اشتغاله بعلم آخر بعيد تمامًا عن مجال الطب، وهو علم التاريخ، وقد وضع كتابًا مشهورًا في التاريخ، أخذ عنه كثير من المؤرخين الذين جاءوا من بعده، وكان كتابه هذا يسجل فترة مهمة من التاريخ الإسلامي في العصر العباسي، بدأه من خلافة المقتدر بالله العباسي سنة( 908م) وانتهى قبيل وفاته بنحو عامين سنة (974م) حيث كان وفاته في(11/ 7/ 975م) ، وقد جعله ذيلاً على تاريخ الطبري، ونسج فيه على منواله، واتبع طريقته في التصنيف، إلا أن هذا الكتاب فُقد، ولم يصلنا منه سوى بعض النقول ولكن تظل مهنة الطب هي المسيطرة على فكر ابن سنان وثقافته فهي تطل من ثنايا كتاباته في التاريخ، وبدا جليًا تأثره الواضح بمهنته كطبيب، فكان يهتم بالأخبار الطبية الطريفة، وأهتم ثابت بوصف صفة التصاق التوأمين، وكيفية تحركهما وتناولهما الطعام، ويتحدث عن اختلاف طبائعهما وتباين مزاجهما، واختلافهما في الميول والاهتمامات.كان ثابت بن سنان أستاذًا للعديد من الدارسين والأطباء، وكان يدرس كتب أبقراط وجالينوس، وكان أحمد وعمر ابنا يونس بن أحمد الحراني ممن قرأ عليه كتب جالينوس في بغداد، كما شارك في ترجمة كثير من الكتب الطبية من اللغات السريانية واليونانية وشرحها وإضافة معلومات جديدة إليها ، وكان لبراعته ومهارته وعلمه أكبر الأثر في توليه رئاسة بيمارستان بغداد خلفًا لأبيه ليكون عميدًا لأطباء بغداد.