مع الأحداث
تحدثتُ في مقالي السابق عن لغة الجسد، وما تحتله من حيز كبير في حياتنا اليومية أثناء تواصلنا مع الآخرين، ولكن ماذا عن الآخر المنتمي إلى ثقافة مغايرة؟! وكما أننا نختلف في اللغات التي نتكلم بها فإننا نختلف أيضاً في لغة الجسد.. فالحركات والايماءات التي نرسلها في ثقافة ما لهدف ما قد لا تحمل نفس المعنى في ثقافة أخرى، فعلى سبيل المثال فإن تبادل القُبل بين الذكور مقبول في عالمنا العربي وكذلك في روسيا مثلاً ولكنه غير مقبول ومُستهجن في دول أوروبا وأمريكا، وبينما ينتشر التصافح في العديد من الثقافات كنوع من التحية، نجد أن الشعب الياباني من الدول التي لم يتعود شعبها على التصافح بالأيدي والتقبيل حيث يُعتبر فيها مثل هذا الاتصال البدني منافاة للأدب!!.. وتقتصر تحيتهم للشخص الآخر على الانحناء أمامه فقط!!. وحتى اللمس له حكايته واختلافه هو الآخر! فشعور الشخص بالاساءة من عدمها إذا لمسه شخص آخر أثناء المحادثة يعتمد على ثقافته فمثلاً يُحب الايطاليون والفرنسيون اللمس باستمرار أثناء التحدث.. بينما يُفضل البريطانيون عدم اللمس.. وقد قام د. كين كوبر بدراسة تكرار مرات اللمس في عدد من الدول وسجل النتائج التالية لعدد مرات اللمس في الساعة: بورتوريكو 180، باريس 110، فلوريدا 2، لندن صفر! ومن طرائف الاختلاف الثقافي في لغة الجسد، وبالتحديد حجم المسافة التي يجب أن يُحافظ عليها الشخص عند اقترابه من الآخر - والتي هي بالطبع تختلف من ثقافة إلى أخرى - ما حدث في أحد المؤتمرات حيثُ عُقد في أمريكا مؤتمر لوحظ فيه أن حضور الأمريكيين عندما كانوا يلتقون ويتحدثون كانوا يقفون على مسافة مقبولة بين بعضهم البعض تتراوح بين 46و 122سم مع البقاء هكذا واقفين في المكان نفسه طوال الحديث. مع ذلك عندما كان أحد اليابانيين يتحدث إلى أمريكي راح الاثنان يتنقلان في أرجاء الحجرة، الأمريكي يتحرك إلى الوراء مبتعداً عن الياباني والياباني يتحرك تدريجياً باتجاه الأمريكي!!.. كانت تلك محاولة من الاثنين الأمريكي والياباني لتعديل مسافة ثقافية مريحة بين أحدهما والآخر.. فالياباني بمنطقته الحميمية ذات ال 25سم كان يخطو باستمرار إلى الأمام لتعديل حاجته إلى هذا المدى القريب.. ولكنه بقيامه بهذا العمل كان يغزو مجال الأمريكي الحميم، جاعلاً إياه يخطو إلى الخلف ليحافظ هو الآخر على مداه الخاص. لذلك لا نتعجب عندما تدور مفاوضات تجارية فيشير الأوروبيون والأمريكيون إلى الآسيويين إلى أنهم (متجرئون) و(يتخطون حدود اللياقة والرسمية)!!، بينما الآسيويون يشيرون إليهم على أنهم (باردون) و(متحفظون) و(فاترون)!! وبناءً على ذلك لا يكفي التعرف على مفردات أو لغات الشعوب الأخرى، بل لابد أيضاً من الإلمام ولو بشكل بسيط بلغة أجسادهم!! ولا تأخذ الأمر عزيزي القارئ بنوع من الاستخفاف!!.. فإن عدم فهمك لها - خصوصاً إذا كنت تسافر كثيراً أو تتعامل مع أشخاص متعددي الهويات - قد يؤدي بك إلى مواقف محرجة ونتائج لا تُحمد عقباها![c1]* عن/جريدة ( الرياض ) السعودية[/c]