عمر عبدربه السبع عندما أنحسر النقاد عن ملاحقة قصائد الشعراء الكبار لتذوق ما تجود به قريحتهم من الشعر الحديث والشعر المعاصر بكل أطيافه، الشعر الحُر وشعر التفعيلة وشعر النثر و.. وترك الحبل على الغارب لأشباه المواهب لحشد كم هائل من الشعر الركيك والشعر الجاف، برزت إلى السطح مقولة موت الشعر وجفاف أرواح الشعراء الكبار؟!ولقد رفض الشاعر الكبير علي أحمد سعيد (أدونيس) ذات يوم حضور مهرجان المربد في معرض إجابته للمقابلة التي أجراها معه شاكر نوري قائلاً : إنني لا أشترك في مهرجان يحضره ألف شاعر، ثمّ عقب : وهل هناك ألف شاعر في الوطن العربي؟!ثمّ أين نحن من المواهب الشعرية الكبيرة أمثال الفقيد الشاعر محمد الماغوط القائل :"لقد سئمتك أيها الشعر، أيها الجيفة الخالدة".لقد تنبأ الشعراء المعاصرون بانهيار دولة الشعر الحديث لما وجدوه من إسفاف بأصول الشعر، من جماعات أقحمت نفسها في ميدان الشعر وأرادوا أن يكونوا شعراء مارقين عن الأصول والثوابت الفنية.فها هو الشاعر محمود درويش يكتب عنهم : "أنقذونا من هذا الشعر"، بعد أن رأى خروج أدعياء الشعر عن قواعد النحو وشاع في نتاجهم الأخطاء اللغوية، فهو – أي محمود درويش – لا يرى تطور الحداثة بلا لغة، فهي حقل عمل الشاعر وأدواته!واعتبر محمود درويش أنّ الشعر العربي الحديث باتت تميزه النمطية على الرغم من أنّ هذا الشعر في حد ذاته يمثل ثورة على النمطية في الشعر العربي، وأضاف "الشعر العربي مُصابٌ بالتكرار والتشابه حتى نظن أحياناً أنّ المؤلف واحد".وحتى الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور كان يجد صعوبة في فهم ما يرمي إليه الشعراء الشباب، وعقّب أنّ العيب فيهم لأنّهم شعراء الأحاجي والألغاز.ويعجبك قول نزار قباني عن ظاهرة الغموض والإبهام في الشعر الحديث :[c1]"شعراء هذا اليوم جنس ثالثفالقول فوضى والكلام ضباب"[/c]والناقد حسين مروة يرى وجود نوعين من الغموض في الشعر الحديث أحدهما مقبول ومشروع وهو شرط من شروط الأدب والفن، وذلك لأنّ الصورة الفنية غامضة بطبيعتها، وهي لا تقدم مضمونها بطريقة مباشرة وواضحة، بل عن طريق الإيحاء، أما النوع الآخر من الغموض فهو ذاك الذي افتعله الشاعر افتعالاً عن جهلٍ أو تصـّنـُع.وهناك من يرى أنّه يوجد غموض ضروري "ضرورات فنية" وغموض اضطراري "إخفاء ما يمكن إخفاءه" وثالث مضر وهو نقص في قدرات الشاعر الفنية والتقنية أو اضطراب في نفسيته ومزاجه.لقد قيل عن الشعر الحديث إنّه تمرُّد على القافية، لأنّها تخنق روح الإبداع وعلى القالب الشعري، لأنّه لا ينسجم مع روح العصر.والشعر كأي عمل فني عناصره العاطفة والخيال والتصوير، والأدب الرفيع يستوعب التجارب ويعبر عن ما تمليه بواعث الحياة التي تخاطب الفطرة الإنسانية. والتجربة الشعرية لا تكشف عن جميع أسرارها، والغموض جزء من طبيعة الشعر الجميل وخصوصيته وثرائه، والمتلقي يسره الشعر الغامض الذي يشف عن دلالة بالتأمل والذي يتداخل مع مكونات الخطاب الشعري ويصعِّد التذوق.يقول محمود درويش : "الشعر لا يحيا إلا بالغموض"، أما الشاعر أدونيس هو القائل :[c1]"غموضاً، حيث الغموض أن تحياوضوحاً، حيث الوضوح أن تموت"[/c] وحتى شعراؤنا الأوائل، حيث الشعر الحديث لم يخرج عن إرادتهم.. لهم في فهم الشعر مذاهب، فها هو البحتري يجاري أهل الغموض المشروع فيقول :[c1]أهز بالشعر أقواماً ذوي وسن في الجهللو ضربوا السيف ما شعروا عليّ نحت القوافي من مقاطعهاوما عليّ لهم أن تفهم البقرُ[/c]إنّ أزمة الساحة الأدبية في الشعراء وليس في الحركة الشعرية إننا بحاجة إلى شعراء يحملون جينات الإبداع الحقيقي، شعراء يقدمون نماذج شعرية متفردة، تحمل صوتها الخاص ونكهتها الخاصة وتميزها عن الآخرين.. ونريد شعراً يحمل جواهر الأدب واللغة ويعيد مقولة "الشعر ديوان العرب" وما أظن ذلك على شعراء الأمة العربية ببعيد وعلى النقاد تمحيص الغث من السمين لنتذوق العمل الإبداعي ليكون الشعر .. كما قال المناصرة : هو الطفل الأبدي الذي نحب مشاكسته دائماً.
|
ثقافة
هل يمثل الشعر المعاصر علامة بارزة في حياة العرب الثقافية ؟!
أخبار متعلقة