منبر التراث
[c1]الحق في أروع صوره[/c]في العاشر من محرم سنة ( 61هـ / 681م ) نشبت معركة دموية ضارية بين الحق والباطل . و في هذا اليوم المشهود تجلى الحق في أروع صوره . كان الحق ممثلاً بمجموعة قليلة أمام طوفان من الباطل الذي كان يملك القوة ، والصولجان ، والجاه. ونقصد بتلك المعركة الشرسة التي دارت بين الحق والباطل هو يوم كربلاء التي وقعت بالقرب من الفرات بالعراق . ومازال يوم كربلاء محفورًا في ذاكرة الأمة الإسلامية . [c1]كربلاء وتباين الآراء[/c]وفي واقع الأمر ، أن أحداث كربلاء كتب عنها الكثير والكثير من الكُتاب القدامى والمتأخرين وتباينت الآراء والأفكار حوله . فالبعض رسم صورة قاتمة وحزينة وسكب فيها الدموع الحارة عمّا جرى في كربلاء ، والبعض الآخر من الكتاب المحدثين أمثال المفكر الإسلامي الكبير خالد محمد خالد رسم لوحة مليئة بالبطولات, والتضحيات , وكيف كان يوم كربلاء مهرجاناً للحق ,ويقول: " أن من يظن أن يوم كربلاء هو يوم الحزن ، والدموع , والأسى ، وأن الأمة الإسلامية لبست السواد في ذلك اليوم يخطئ خطئاً فادحًا " . ويمضي في حديثه ، قائلاً: " والحقيقة أن يوم كربلاء كان ومازال رمزاً للشموخ والكبرياء علم تلك الأمة من مشرقها إلى مغربها دروسًا في التضحية والفداء وتقديم النفس والنفيس وعدم الخنوع والخضوع للظلم مهما بلغت قوته . " . ويضيف خالد محمد خالد " أن يوم كربلاء أكد للإنسانية أن الباطل يتوارى أمام الحق ويصير أثرًا بعد عين وتظل شمسه مضيئة دائمًا وأبدًا". [c1]حزب ثوري[/c]و من نتائج أحداث كربلاء أنها أوجدت أحزاباً سياسية قوية دخلت في عراك شديد مع الدولة الأموية الحاكمة حينذاك التي حكمت العالم الإسلامي قرابة مائة عام فقد تمكنت في نهاية المطاف أن تزلزل أركانها ، وتقوض بنيانها ومن أهم تلك الأحزاب السياسية الثورية هو الحزب الزيدي - إن صح التعبير - الذي ينتمي إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين المقتول سنة ( 121هـ / 739م ). وهذا ما أكده الباحث أحمد شوقي العمرجي في كتابه (( الحياة السّياسية والفكرية للزيدية )) بقوله : " ولكن دعوته ( يقصد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ) - وإن كانت قد ذهبت صرخة في واد في عصره - .... وقد سجلها التاريخ كدعوة لأحد صانعيه ، ورائد إحدى الثورات السياسية والدينية الكُبرى في الإسلام وباعث اتجاه سياسي وديني أثر تأثيرًا واضحًا في مجريات الأحداث في عصره وعجل بانهيار الدولة الأموية ". ولقد تحولت النظرية الزيدية إلى واقع ملموس عندما أسست أول دولة لها فوق تراب اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري ( القرن التاسع الميلادي) وتحديدًا في صعدة على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين المتوفى ( 298هـ / 910م ) . وكيفما كان الأمر ، فقد غرست أحداث كربلاء بذور الأحزاب المعارضة في تربة الحياة السياسية في العالم الإسلامي .[c1]الخطاب السياسي[/c]ومثلما أثرت كربلاء على مجرى الأحداث السياسية في العالم الإسلامي - كما قلنا في السابق - أثرت أيضاً على الأدب العربي بشقيه النثري والشعري ، ونقصد بالنثر الخطابة السياسية التي كانت بمثابة إعلام للفرق الإسلامية المختلفة أو بعبارة أخرى لأحزاب المعارضة توضح فيها برامجها وأهدافها السياسية حيث ازدهرت الخطابة في عصر بني أُمية ازدهارًا واسعًا . وهذا ما أكده الدكتور شوقي ضيف ، بقوله : " ولعل عصرًا عربيًا لم تزدهر فيه الخطابة كما ازدهرت في عصر بني أُمية بأنواعها السياسية والاحتفالية والدينية ، فقد اشتدت الخصومات بين الفرق السياسية وانبرى خطباؤها يذوذون عن نظرياتهم مؤلبين الناس على خصومهم " . [c1]الشعر السياسي[/c]ولقد كان للشعر أيضاً حضورًا قوي على الساحة السياسية فقد عبرت وجسدت فيه الفرق أو الأحزاب السياسية المختلفة والمتنوعة رؤيتها السياسية ضد السلطة الحاكمة الأموية. والحقيقة أن شعر المعارضة لم يقتصر على أنصار الإمام الشهيد الحسين فقط بل خاضت فيه بعض التيارات الإسلامية مثل الخوارج ، والزبيريين الموالين نسبة إلى ( عبد الله بن الزبير ) وكان لكل منهم وجهة نظره السياسية عن الآخر. وهذا ما أكده شوقي ضيف في كتابه (( العصر الإسلامي )) ، بقوله :" ولكل فرقة من هذه الفرق في شعرها طوابع تميزه ، فبينما يتميز مثلاً شعر الخوارج بتصوير استبسالهم في الحروب وتهافتهم على حياض الموت مستصغرين الدنيا ومتاعها الزائل ، نرى شعر الشيعة يتميز بكثرة ما ذَرفوا على أئمتهم من دموع غِزار ، مطالبين بردّ السلطان إلى أصحابه الشرعيين " . [c1]في ذاكرة الأمة الإسلامية [/c]وكيفما كان الأمر ، فإن أحداث كربلاء وما حملته من دماء , وآلام ، وأحزان ، ومآسا فإنها ظلت وستظل تمثل التراث السياسي الضخم للأمة الإسلامية من ناحية وذاكرتها من ناحية أخرى . ومرة أخرى نقول - كما قال المفكر الكبير خالد محمد خالد " إن معركة كربلاء تمثل يوماً تجلى الحق فيه في أبهى صوره وأسمى معانيه وفيه عزفت الإنسانية لحن البطولات ، والتضحيات من أجل الحرية ، والعدالة والذي مازال يتردد صداه عبر التاريخ الإسلامي صار جزءًا لا يتجزأ من تراث المسلمين"ٍ .