أول سيدة أعمال في اليمن تقبل التحدي في الاستثمار الثقافي
روبرتاج / محمد فؤاد :امرأة أبت إلا أن تكون حاضرة في مجتمعها تثبت لكل من حولها قدرة المرأة اليمنية على العطاء وعلى ممارسة دورها غير المنقوص إلى جانب أخيها الرجل في التنمية.. أعطت الدرس لكل من حولها وعلى خطاها ظهرت نساء قادرات على خوض غمار ذات التجربة . إنها سيدة الأعمال نجلاء شمسان أول سيدة أعمال في اليمن تقبل التحدي في الاستثمار الثقافي، بعضهم نصحها بعدم خوض هذا المجال كونه غير مضمون الربح وبعضهم نعتها بالمجنونة التي أمضت عشرين عاماً تجمع الأواني والملابس القديمة وأدوات مطابخ الأجداد المدفونة في الرمال التي عفا عليها الزمن.. لكنها نجحت في مشروعها الثقافي واستبدلت الإنتاج والاستثمار الاستهلاكي بإنتاج ثقافي معرفي لتعريف الأجيال بالموروث الشعبي للأجداد وبما يختزنه من عادات وتقاليد أصيلة وحرف وأدوات ومصنوعات من المواد الخام في البيئة اليمنية كالخزفيات والنحاسيات وأصداف البحر وحصير العزف وسعف النخيل وأشجار السمر التي استخدمها آباؤنا الأوائل في أمورهم الحياتية اليومية. هذه القناعة لدى السيدة نجلاء شمسان سيدة الإعمال التي انطلقت من مدينة عدن جعلتها تخوض تنفيذ مشروعها الثقافي منذ عام 1979م دون تردد مروراً بافتتاح المرحلة الثانية في التسعينات ثم المرحلة الثالثة عام 2006م من مشروع البيت اليمني للموروث الشعبي الذي اختير موقعه بعناية في منزلها الأثري التاريخي الذي يشرف على ميناء التواهي السياحي والتجاري القديم ما كان يسمى بـ«الدكة» التي كانت ترسو فيها أكثر من ستمائة باخرة وزعيمة تجارية وسياحية ويخت سياحي شهرياً، فالاختيار لم يكن اعتباطياً والفكرة لم تكن مجنونة كما وصفها الغيورون من مبادرات النساء، فأصبح منزلها أشبه بتحفة تاريخية ومزار تاريخي يؤمه السياح الأجانب القادمون من كل مكان فضلاً عن الباحثين والمهتمين بشئون الثقافة والتراث من اليمنيين والعرب والأجانب .فمن يتسوق في بيت الموروث اليمني لا يفوته أن يتذوق المعرفة والثقافة والتراث ويخرج بنتيجة مفادها ان هذه السيدة حقاً أحسنت الاختيار للترويج السياحي والثقافي لليمن ولثغرها الباسم عدن البحر والتجارة والسياحة والاقتصاد.> وفي زيارتنا الصحفية للبيت اليمني للموروث الشعبي بداية الاستثمار الثقافي لسيدة الأعمال نجلاء شمسان التي وجدناها في خيمتها التراثية تتوسد متكأً من الحصير وتفترش السلقة أو الحصير وحولها أدوات المطبخ اليمني والعدني القديم وأمامها المداع التقليدي وصحن من النحاس عليه أكواب من الخزف أي من الطين الأحمر المحروق وكوز من الخزف مملوء بالماء البارد المكبي والبخاري.. وعلى التو قامت من مقعدها لتستقبلنا بترحاب وتغمرنا بعبارات الترحيب وببساطتها فأثلجت صدورنا بعبارتها الترحيبية التي تنم فعلاً عن احترامها للصحفيين ورجال الإعلام وظلت ابتسامتها البيضاء لا تفارق شفتيها قائلة لنا: انتم المرآة العاكسة لمشروعنا الثقافي.[c1]انذهال الزوار!![/c]وفي الحقيقة ينذهل الزائر حينما يتجول بين قاعات البيت اليمني للموروث الشعبي وبين محتوياته التي تشتمل مختلف الأدوات الحياتية لأجدادنا وحضارتهم لأنه أشبه بتاريخ حياة مشتركة لأسرنا التاريخية فيها عبق الماضي القريب وجماله، انه تراث يمني غير مكتوب .. نثر أدبي راقٍ ملموس وتاريخ يقرأ دون حروف.فالزائر للبيت اليمني للموروث سيجد أمامه متحفا تاريخياً موثقاً عن تقاليد وعادات الشعب بمختلف محافظاته اليمنية، وبين أروقته ننتقل إلى عمق التاريخ في أغوار الزمان والمكان لتلك الحقبة ونلمس محاكاة الإنسان في ملبسه وأدوات عيشه وعلاقاته بالمحيط الذي حوله بالمباني الجميلة المشيدة تقرأ تاريخاً لإنسان في سالف ذلك الزمان يسعى للحاضر ليرقى بحياته وعيشه ليتعايش مع البيئة المحيطة هروباً من أي اثر سلبي للتعامل مع الآثار السلبية المزعجة.وبمجرد تنقلنا بين ثنايا حافظات الموروثات الشعبية التي شملت محتويات المعرض لفت نظري الأدوات الموسيقية التراثية القديمة كالعود العربي التي تبرز الخصائص للآلات التقليدية الشعبية والمعروفة منذ العصر الإسلامي إلى جانب الاسطوانات القديمة والقيثار الشرقي والأشرطة الحافلة بأغاني فنانينا اليمنيين القدامى في عدن مثل الفنان الماس والقعطبي والجراش والمسلمي ومحمد مرشد ناجي والزيدي ومحمد سعد عبدالله وفناني لحج أمثال الفنان وملك العود فضل محمد اللحجي والفنان احمد يوسف الزبيدي والأمير محسن بن احمد مهدي حفيد الشاعر والاديب احمد فضل القمندان وفيصل علوي والعطروش الى جانب نماذج المذياع القديمة وجهاز الطرب القديم وسماعات التقاط الصوت التابعة للمرحوم العزاني الذي كان يؤجرها في أمسيات المخادر أو حفلات العرس إلى جانب جهاز الطرب وصحون الغناء العربي واليمني الأصيل.[c1]المصنوعات والحرف[/c]أما الجناح الآخر فهو أشبه بمتحف للمصنوعات والحرف الخزفية المصنوعة من الطين المحروق والحجر والحصير مثل قصيص إخماد اللحم والموقد وأدوات المطبخ العدني القديم منذ العصر الإسلامي مثل الصحون والملاعق الخشبية والاكواز النحاسية والمعدنية والجرة والزير المصنوعة من الطين المحروق والتي تستعمل لحفظ المياه والشرب فضلاً عن الجعاب الحافظة للخبز والزنابيل ومسارف الأكل وسلق الفرش والحصير وسلق السقوف التي تمتص الحرارة ضد الأرضة.إلى جانب الأكواب الصينية والمعدنية والأحذية الخشبية والأسلحة القديمة كالسيوف والجردة والجنبية وبنادق أبو خشب وكذلك المطاحن الخشبية والحجرية الخاصة بطحن البسباس والبهارات وحبوب البن والقهوة ، وكذلك فرش الخسع من الحصير التي تستخدم في بناء زرائب الأغنام والأبقار أو في إقامة مخادر العرس، بل لعل ما أعاد بي إلى الذاكرة والى الطفولة ذلك الصندوق الخشبي من اللوح الأحمر الهندي الذي كان حينها يستخدم لحفظ الملابس وعطور وبخور العروس ومقتنياتها الذهبية والفضية من الحلي المصنوعة من العقيق اليماني .ولدى تنقلي في إحدى غرف بيت الموروث وجدت إبداعا تراثياً غاية في الجمال والروعة حيث يتفنن الأجداد في بث الألوان وإبداع أجمل اللوحات المتمثلة في الفن المعماري في اليمن وكنوزه المدهشة مثل وجود القمريات التي لازالت تحتفظ بأصالتها الفريدة ورأيت نماذج منها مثل قمرية الدلة، الاشعاع، المعشرة، العنيف، والشحره والبورود.أما في جناح الأزياء الشعبية فيكتشف الزائر أسرارا حيث كان يعشق الأجداد الزخرفة في بيوتهم وأزيائهم وبعكس الفن المعماري والزخرفة الدقيقة للمباني والأزياء الشعبية وتطريزها حب اليمنيين للجمال وإدراكهم الفطري بمقومات وعناصر فنون الزخرفة والتطريز عبر الأزمان وقد عكست الأزياء اليمنية الشعبية المعروضة في بيت الموروث تنوع التضاريس التي تتحكم بالمناخ والذي بدوره يفرض أزياء معينة ومنسوجات خاصة تتناسب مع الطقس السائد.[c1]أزياء شعبية تراثية[/c]هناك أزياء من المنسوجات الصوفية المغزولة الى جانب القطن والكتان والحرير تغطي كافة أجزاء الجسم، ففتحة الصدر التي عادة ما تكون مفتوحة لدى سكان بعض المناطق اليمنية وتكون مغلقة لدى سكان المرتفعات بالإضافة إلى الكُم الطويل الذي ينتهي بباقة مغلقة ويتسع الثوب من أعلى وبحيث يلتصق بالجسد تدريجياً حتى يصل إلى منتصف الساق ثم يرتدون قميصاً إضافيا أكمامه واسعة وطولها يكاد يقترب من طول القميص ثم يتم ربطها إلى خلف الظهر ، كما عرض البيت نماذج من الملابس العدنية القديمة مثل المذيل اليدوي الدسمال والمقرمة والديل حتى الميني جوب في فترة متأخرة من عهد الاستعمار البريطاني خصوصاً وانه كان يستخدم من قبل بنات الجاليات الاجنبية اللواتي كان لهن قصب السبق في الالتحاق بالعمل في الدوائر الحكومية، وهناك نماذج من الفوط التريمي المعمل والمسعيدون والمعجر والمعاوز اليمنية المطرزة إلى جانب السراويل والسوب والكوافي الزنجباري فضلاً عن عرض نماذج تراثية قديمة من مختلف المحافظات كالملابس التهامية والخولانية والعدنية والمهرية والسقطرية.واصلت تجوالي إلى الغرفة الثالثة من بيت الموروث فأعجبت أيما إعجاب بالإعجاز الإلهي في صورة العقيق اليماني وفي الحلي والأصداف البحرية المعروضة، بل ما يشد الإعجاب والاندهاش عند الزائر النحاتون اليمنيون في إبراز جمال العقيق الأحمر بطريقة فنية متوازية قد يقترب فيه من الأسطورة .وهناك تكون الصورة أكثر إعجابا لذلك السر في الأدوات المصنوعة من السياج التي تتميز بجمال نقوش واجهاتها التي تحمل صوراً للنعام أو الزرافات التي تتوسطها مرآة طويلة يطغى النقش الخشبي المنحوت على إطارها العام من جوانبها الأربعة إلى المقاعد الخشبية والمصنوعة من سعف النخيل التي كانت أشبه بغرف النوم الخاصة بالعروس.[c1]قطع نقدية قديمة[/c]أما في الصالة الأخرى من صالات المعرض فقد جذبتني صور مشهد مئات القطع النقدية القديمة التي عرفتها اليمن وعدن على وجه الخصوص في فترات ومراحل تاريخية معينة، المعدنية والورقية مثل الريال والقرش والبيسة والادري الروبية الهندية والعانة والشلن والدينار وانتهاءً بعملة الريال في عهد الوحدة اليمنية إلى جانب طوابع البريد، ومثل هذه العملات القديمة وطوابع البريد هي سجل يمكن من خلاله قراءة التاريخ وسبر غور الحضارات باعتبار النقود بطاقة هوية حقيقية تتأكد أهميتها باستمرار، إذ أنها تمكنت من معرفة الكثير مما عاشه الأجداد في اليمن وخصوصاً عدن وفي غيرها من البلدان والمدن العربية والإسلامية وبعض النقود المعروضة تعود الى فترات متقدمة من تاريخ اليمن الحديث وتعود الى حوالي مئتي سنة.[c1]تحفة لا سبيل لوصفها[/c]وأثناء تجوالي بين أدوات المطبخ العدني الخزفية والنحاسية والحجرية مثل الأقداح والصحون والقدور الخشبية والنحاسية والأزياء والجحال الخاصة بحفظ وتبريد المياه والمزهريات والزنابيل والمرابش الحصيرية التي كانت تستخدم لحفظ الأطعمة وكذلك «دبية الحقين »و«ملاكد» طحن حبوب القهوة والبهارات والملاعق الخشبية والمراوح المصنوعة من الحصير وزنابيل التمر، كما يعرض بيت الموروث البئر القديمة مع الدلو الذي يسحب الماء من البئر وكذلك المشاجب التي توضع عليها الملابس لتبخيرها إلى جانب بروات الحصير فضلاً عن المقتنيات الفضية والصدفية والحجرية وعود اليسر والشوالي والسلوس واللاطيك والأحزمة والقلائد الفضية والذهبية الى جانب الحلي بمختلف أنواعها بالإضافة إلى مقتنيات اخرى متعلقة بصناديق مكائن الخياطة اليدوية وصناديق القطن وشباك الصيادين وهناك ادوات ومقتنيات تراثية يحتويها البيت اليمني للموروث.. وكل المعروضات في الحقيقة اشبه بتحفة لا سبيل لوصفها.[c1]عن تجربة نجلاء شمسان سيدة الأعمال[/c]تقول سيدة الاعمال نجلاء شمسان: إنها حاصلة على ليسانس انجليزي وعلى اثر ذلك انخرطت مباشرة بسلك التدريس كمدرسة ثم مديرية مدرسة «الاوس» في الشيخ عثمان ومديرة لرياض الأطفال في عدن حتى المهرة قبل الوحدة ومؤسسة لرياض الأطفال وحصلت على دورات في رياض الاطفال.وعن بداية المعاناة حتى الوقوف على قدميها قالت: لقد شقيت حياتي بصعوبة حيث أخذت قروضاً من الأقارب والأصدقاء أمثال المقاول الفقيد عبدالله الاحمدي ومنصور احمد هادي أعطوني مكائن ومواد حديدية وآلات ومواد مثل النوافذ الحديدية واسلاك حديدية ففتحت ورشة وشجعني زوجي المهندس فيصل ثابت عميد كلية الهندسة في السبعينات وكانت الورشة خاصة باللحام والسمكرة ثم أخذت مقاولات أنا وزوجي لخزانات النفط الأرضية بالتعاقد مع شركة النفط الوطنية اليمنية عام 1979م كما دخلت أيضا في مقاولات لأعمال خياطة مع المؤسسة الاقتصادية ثم اشتركت في معرض سمسرة النحاس في صنعاء بباب اليمن في احد أجنحته ونجحت وكسبت رأسمال واستطعت أن أقف على رجلي بسبب تلك المشاريع الاستثمارية.وفيما يتعلق بسر تركيزها على الاستثمار الثقافي قالت: أن هذا التوجه لم يأت وليد الصدفة وإنما له خلفياته إذ كنت منذ الطفولة اهتم بالفنون وأصبحت هوايتي المشاركة في المعارض الفنية وكنت أشارك في معارض ثقافية بأجنحة في معرض مؤتمر الشباب عام 89 وانتهاءً بمعرض سمسرة النحاس في صنعاء بباب اليمن ناهيك عن إبداعي في المجال الثقافي والمسرحي في المسرح أو من خلال مساهمتي في الثمانينات في المسرحية الإذاعية والتليفزيونية حينما كنت أمثل دور الجدة رحمة وزنوبة الحلا التي دخلت قلوب جمهوري ومحبيي فضلاً عن إنني تربيت في أسرة ثقافية وعلمية اذكر منهم خالي الشاعر والأديب والتربوي عبدالله فاضل فارع وإنني أميل إلى الثقافة وتاريخ الحضارة اليمنية والموروث الشعبي واعتبره جزءاً من مكونات وجودنا الثقافي ووفقني الله واستطعت أن أكون منتجة ثقافية وليس فقط منتجة مواد استهلاكية او خدمية والسبب حبي لهذه المهنة.. اختلفت مع الكثير بل لعل البعض قد عاب علي ونعتوني بالمجنونة لكن وقفت وتجاوزت خطر الفشل بالرغم من إدراكي أن الاستثمار الثقافي لا فيه ربح الا الربح المعرفي والتنويري لكن مع ذلك اشعر فيه بالسكينة والأمان بعيداً عن وجع الرأس في الاستثمار التجاري الذي يقلق صاحبه الربح أو الخسارة.. وقالت: البعض حاربني لكن هناك من شجعني كالمحافظين مثل طه غانم والشعيبي واحمد محمد الكحلاني الذي بادر بافتتاح المرحلة الثالثة من البيت اليمني للموروث وأثنى على جهدي فضلاً عن الدعم المعنوي من قبل المثقفين والفنانين والأدباء والقانونيين ومنظمات المجتمع المدني ووفود الثقافة العربية ورجال السلك القنصلي الدبلوماسي والمنظمات النسائية والأساتذة العرب.. وهذا هو الدعم الحقيقي والمعنوي، أما الدعم المادي فلم يساعدني فيه احد .. والدعوة مفتوحة لوزارة الثقافة أن تكرم مشروعي الاستثماري الثقافي باعتبار القطاع الخاص شريكاً في التنمية الثقافية.
ازياء شعبية
زي تقليدي من الجوف