في 23 يونيو الفائت، نشرت صحيفة "14 أكتوبر" مقالي الذي طالبتُ فيه الإخوة محمد زكريا ورجاء باطويل وعلي قاسم عقلان (تلامذة المرحوم عبدالله محيرز) أن يدينوا محيرز على ما قام به من تحريفات لما وثقه البريطانيون، أو أن يثبتوا أنّه لم يقم بالتحريف وأنّ نجيب قحطان يتجنى عليه، وأضفت بأنّ أي كلام خارج ذلك سيكون مرفوضاً فهذا الفرس وهذا الميدان.وإلى يوم كتابة هذا المقال (الخميس 5 يوليو 2007م) يكون قد مضى أسبوعان لم يرد خلالهما المذكورون على ما طالبتهم به، فالأخ زكريا كتب أكثر من مقال في "14 أكتوبر" ولم يتطرق إلى ما طالبتهم به، والآخران لزما الصمت، فالموقف صار واضحاً للقراء وبالتالي أستطيع الانتقال لتفنيد (أي إثبات عدم صحة) ما جاء في المقال(المشترك!) لباطويل وعقلان الذي نشراه بصحيفة "الثوري" في 21 يونيو الفائت وسأتناول فقط استشهاداتهما ببعض المؤرخين في محاولة منهما (يائسة) لإثبات أنّ باب عدن هو باب العقبة، ودون ذلك لن أتناوله فكما أشرت بمقالي السابق فإنّ كثيراً مما كتباه لم يكن مفهوماً وطلبت ممن لا يصدقني أن يقرأ مقالهما.[c1]الحلو لا يكتمل[/c]وقبل التفنيد، أود الإشارة إلى أنّه عند نشر مقالي في "14 أكتوبر" وجدت كلمة واحدة فقط ناقصة وقد أدى ذلك إلى عدم فهم بعض القراء للفقرة المعنية لكن القارئ المدقق أو ما يسمى "القارئ اللبيب" استطاع أن يفهمها من سياق العبارة، وتلك الكلمة هي "جسر" فقد أردت القول بأنّ مما حرّفه محيرز هو زعمه بأنّ "جسر باب العقبة" بناه الإنجليز، فجاءت العبارة تقول "باب العقبة" بناه الإنجليز! ولم يكن هذا الخطأ ناجماً عن الصحيفة بل مني، على الرغم من أنّ مقالي المرسل كان به كلمة "جسر" فلماذا أنا المسؤول ؟ ذلك لأنّ الأخ أحمد الحبيشي بعث لي فاكسياً بمقالي بعد صفه لأراجعه قبل النشر وأُصحح ما به من أخطاء الصف، ففعلت ذلك وأعدته إليه، ولأنّ الحبيشي يعمل بمهنية (أكثر من اللازم) أعاده لي مجدداً لأتأكد من أنّ الصحيفة نفذت تعديلاتي وتصحيحاتي للمقال قبل نشره، وبعدما تأكد لي أنّ مقالي مصفوف بشكل سليم 100%، جرى نشره، وعندما طالعته منشوراً، وجدت أنّ كلمة "جسر" لم تنشر! فعـُدت للمقال المرسل لي من الصحيفة مصفوفاً فلم أجدها في كل مرة كانت الصحيفة ترسل لي مقالي مصفوفاً لأراجعه! لكنني حينها لم أتنبه لعدم وجود "جسر" في أية مرة (على الرغم من دقتي الشديدة) وجلّ من لا يسهو.أما الحبيشي فهو بريء من هذا الخطأ لكنه كرئيس للتحرير سيتحمل مسؤولية خطأ آخر (فلن أخرج من ذلك المقال كمخطئ وحيد فلابد أن يكون الحبيشي هو الآخر مخطئاً!) وذلك الخطأ يكمن في أنّ الصحيفة تفضلت ونشرت العديد من الصور لباب العقبة والجسر الذي كان يعلوه لتزين بها مقالي ولتوضحه أكثر للقارئ، لكن الصحيفة نشرت صورة فوتوغرافية وأشارت تحتها إلى أنّ الصورة التقطت عند تفجير باب العقبة في عام 1963م، وبجانبها صورة للباب ويبدو فيها الجسر لا يزال قائماً فوقه وقد أشار التعليق بأسفل الصورة إلى أنّها لباب العقبة "عشية الاستقلال الوطني"! مع أنّ الاستقلال كان في نوفمبر 67م فلا يُعقل أنّها التقطت حينها، إذ أنّ الجسر هدم عند تفجير الباب في 63م كما توضح الصورة التي قبلها (وكما يوضح المقال).. لقد كانا خطأين بسيطين صاحبا مقالي.[c1]مهنية الحبيشي[/c]وأما قولي بأنّ الحبيشي يعمل بمهنية أكثر من اللازم، فهذا ليس مجاملة بل هي الحقيقة التي أرددها أمام الآخرين في جلسات المقيل، إذا ما جاء ذكره، أو تناولنا حال الصحافة اليمنية.. ولا أعدو الحقيقة إن قلت بأنّ أحمد الحبيشي هو أكثر رئيس تحرير في اليمن يعمل بمهنية (أي يشتغل صحافة صح ويغلّب – قدر الإمكان – العمل الصحفي السليم على الاعتبارات الأخرى) وقولي هذا سيزعل البعض من أدعياء المهنية (التي لم تظهر لنا بل دائماً ما يظهر لنا عكسها!!) وستظهر مهنيته أكثر لو انّه امتلك صحيفة أو ترأس تحرير صحيفة مستقلة .. فالعمل في الصحافة الحكومية والحزبية يفرض التقيد بعدد من الضوابط.وهل هناك مهنية أكثر من أنّه وهو يترأس صحيفة "22 مايو" الناطقة في عدن باسم المؤتمر الشعبي العام كان ينتقد الاختلالات في عدن حيثما وجدت حتى وإن كانت صادرة عن قيادات المؤتمر بعدن (وحقاً فقد ارتفع بمستوى صحيفة "22 مايو" كثيراً وجعلها مقروءة مثلما فعل بعدئذٍ بصحيفة "14 أكتوبر").ملاحظة : كتبت ذات مرة في صحيفة - تعوّدت أن أكتب فيها – أشيد بمهنية أحمد الحبيشي وذلك في ثنايا مقالي، فتم شطب ذلك إما بدافع الخلاف السياسي أو بدافع الغيرة![c1]محيرز حرّف فلم أتجنَ عليه[/c]وما دام زكريا وباطويل وعقلان، صمتوا، فلم يهن عليهم أن يكونوا موضوعيين فيدينون أستاذهم، فإنّهم بذلك لن يغطوا على تحريفاته فستظل قائمة إلى الأبد وكي لا ينساها القراء سأعيدها هنا وبصيغة مختلفة لتثبت في أذهانهم.أولاً : إدعى بأنّ جسر باب العقبة الذي هدم في 63م قد بدأ الإنجليز في بنائه في يناير 1867م، ونسب تلك المعلومة إلى المؤرخ البريطاني "جافين"! بينما ما تحدث عنه "جافين" هو بناء "GATE" أي "بوابة" في مدخل الباب وليس بناء جسر (1).ثانياً : إدعى بأنّ الإنجليز شقوا النفق (المسمى لدى العامة بالبغدتين) في خمسينات القرن 19 مدعياً وجود مسوحات ورسومات وخرائط تثبت ذلك، لكنه لم ينشر شيئاً منها!ثالثاً : إدعى بأنّ المقيم السياسي البريطاني بعدن (كوجلان) كتب للإدارة البريطانية في بومباي في 1859م بأنّ "النفق على وشك الانتهاء" قاصداً الانتهاء من شقه! لكنه لم ينشر صورة لتلك الرسالة أو حتى نصها مما يثبت عدم وجودها أو أنّه حرفها لينسب للإنجليز شق النفق.رابعاً : إدعى بأنّ المؤرخ البريطاني الضابط بليفير كتب في 1859م بأنّ البرزخ (منطقة بخور مكسر) يقع فيه "خزانات كبيرة للماء يجري الآن ربطها عبر نفق بالصهاريج والآبار بالقرب من المدينة" لكنني بحثت عن كتاب بليفير فوجدته مترجماً للعربية (ترجمة النوبان وباحشوان). (2)واكتشفت أنّ محيرز أضاف من عنده عبارة "يجري الآن ربطها عبر نفق" كي يثبت أنّ الإنجليز كانوا عند صدور كتاب بليفير في عام 1859م يشقون النفق!والآن سأنتقل لتفنيد ما جاء في المقال "المشترك!" لباطويل وعقلان حول باب عدن التاريخي.[c1]حتى مراجعهما تثبت أنّ الباب هو النفق[/c]محاولة باطويل وعقلان لإثبات أنّ باب عدن التاريخي هو باب العقبة جاءت بعد أن قضي الأمر وأثبتنا بأكثر من دليل – وحتى نشرنا خارطة توضيحية لعدن – أنّ باب عدن التاريخي هو النفق.ومن الطريف أنّهما استعانا ببعض المراجع على اعتبار أنّها تثبت صحة رأيهما مع أنّها تثبت العكس تماماً، وسوف أوضح هذا بعد قليل.فبداية أود التوضيح بأنّهما اقتبسا 7 فقرات نسباها لسلطان القاسمي وذلك خطأ فليس هو قائلها.. ولكنه بنفسه أوضح مصدرها وهو (3) IOR وهذا اختصار لعبارة :INDIA OFFICE LIBRARY AND RECORDSفالطريقة السليمة لاستخدام المراجع تقضي بأنّ لا تنسب تلك الفقرات للقاسمي فقط، بل بإضافة عبارة "نقلاً عن .. IOR “ فهذه الطريقة تتيح للقارئ أن يدرك ما إذا كان المؤلف الأصلي موثوقاً أم غير ذلك كما أنّها تحفظ الحقوق الأدبية للمؤلفين.[c1]مع الهمداني[/c]كتب الهمداني (عاش في القرن 10 م) ما يلي :"باب عدن هو شصر مقطوع في جبل كان محيطاً بموضع عدن من الساحل فلم يكن لها طريق الى البر إلا للرجل لمن ركب ظهر الجبل فقطع في الجبل باب مبلغ عرض الجبل حتى سلكه الدواب والجمال والمحامل والمحفات" (4)وقد أستندا لذلك (وأيضاً محيرز) على اعتبار أنّ الباب المذكور هو باب العقبة! مع أنّ ما قاله الهمداني يثبت أنّ باب عدن هو النفق وذلك لسببين هما :أولاً : يذكر بأنّ موقع باب عدن هو في جبل "يحيط بموضع عدن من الساحل" وهذا ينطبق على النفق فهو يقع على الساحل (ساحل أبين) أما باب العقبة فهو برأس جبل بعيد عن الساحل.ثانياً : إنّ استخدام باب العقبة يُعد ركوباً لظهر الجبل (أي السير إلى أعالي الجبال المحيطة بعدن ومن ثمّ الهبوط منها إلى البر) فلا يُعقل أن يتم تجنيب الناس ركوب ظهر الجبل بشق طريق على رأس جبل فيواصلون ركوب ظهر الجبل! لكن استخدام النفق هو الذي يجنب الناس مشقة ركوب ظهر الجبل.[c1]مع المقدسي[/c]وأشارا إلى أنّ المقدسي (عاش في القرن 10 م) قدّم وصفاً لباب عدن ينطبق على طريق العقبة، لكن ما قاله المقدسي ينطبق في الحقيقة على النفق فقد قال بأنّه بجبل يحيط بعدن "طريق في الصخر عجيب" (5) ومن يشاهد من القراء باب العقبة فسيجده ممراً عادياً للغاية ولا يجذب الانتباه في شيء، لكن النفق (حتى الأنفاق الحديثة في عدن وبقية العالم) نجدها شيئاً عجيباً، فهي تلفت أنظارنا ونتأملها كلما مررنا بها حتى ولو عشر مرات في اليوم.[c1]مع ابن المجاور[/c]ولا أعلم كيف اعتبرا (ومحيرز كذلك) ما قاله ابن المجاور (عاش في القرن 13 م) حول باب عدن بأنّه يقصد باب العقبة؟! فما كتبه ابن المجاور واضح وهو أنّ شداد بن عاد "أمر بنقر باب في صدر الوادي" (6) وهذا يثبت أنّ النفق هو باب عدن، فهو يقع في صدر الوادي (ومحيرز بنفسه يشير في كتابه "العقبة" إلى أنّ النفق يقع في الوادي المسمى برزخا ) أما باب العقبة فلا يقع في صدر الوادي.وقبل أن يدّعي أحد بأنّ المقصود بالوادي هو عدن نفسها أي كريتر وليس البرزخ فإنني أرد مقدماً بأنّه حتى لو افترضنا ذلك فإنّ النفق هو الذي يقع في صدر عدن (كريتر) أما باب العقبة فيقع برأس جبل يشرف على عدن.[c1]كلاهما شماليان[/c]وللأسف فأنّهما تلاعبا بالألفاظ فاعتبرا باب العقبة ممراً "شمالياً" والنفق ممراً "شرقياً"ّ! والحقيقة هي أنّ كلا الممرين يقعان شمال عدن (كريتر) لكنهما اعتبرا باب العقبة وحده شمالياً وذلك لأنّ المراجع التاريخية تصف باب عدن بأنّه الباب الشمالي أو الممر الشمالي، فهكذا يستطيعان إقناع القارئ بأنّ باب العقبة هو باب عدن ما دام يقع شمالها أما النفق فيقع شرقها!! فهل هذه هي الموضوعية والصدق؟ وهل هكذا يحكى تاريخ عدن ؟!!إنّ الممر "الشرقي" لا وجود له في عدن بل في مقال باطويل وعقلان! فإذا بررا ذلك بأنّ النفق يقع في شمال عدن لكنه يؤدي إلى الخروج شرقاً (إلى خور مكسر) فسأقول لهما بأنّ باب العقبة هو ممر غربي لا شمالي، فهو يقع شمال عدن لكنه يؤدي إلى الخروج غرباً (المعلا والتواهي) لقد أسميا النفق بالممر الشرقي لينفيا أنّه باب عدن!![c1]دعوة للمنصفين والمؤرخين[/c]وإنني أدعو كل مؤرخ ومنصف محب للحقيقة ولعدن أن يدلي بدلوه فيما تناولته بمقالاتي وخاصة موضوع التحريفات فلا يصح السكوت فالساكت عن الحق شيطان أخرس، فالآن ليس لأحد أن يخاف من تلاميذ محيرز الذين ينبرون لمهاجمة كل من يخالف ما كتبه فها أنذا لم أعارض محيرز وحسب بل قمت بإثبات تحريفاته للوثائق البريطانية ولم يستطع تلاميذه أن يكذبوني.. لقد أنصف البريطانيون (الذين كانوا يحتلون بلادنا) تاريخنا فهل هم أكثر حرصاً منّا عليه؟ وهل أسمعت؟.تنويه : هناك تحريفات أخرى لمحيرز لم أنشرها بعد، فليس من الحكمة أن يفرغ المرء كل ما في جعبته سريعاً![c1]بريطاني لكنه يعشق عدن فعلاً[/c]هناك عاشق حقيقي لعدن رغم أنّه بريطاني وهو "برايان دو" وكان في ستينات القرن العشرين مديراً للآثار بعدن وكبيراً لمهندسي الأشغال العامة بعدن، وقد أصدر سلسلة كتيبات "أعرف بلادك".وله كتيب (7) أكد فيه بأنّ باب عدن هو النفق وأنّ باب العقبة ليس إلا ممراً عبارة عن تشكيل جيولوجي كصدع طبيعي جرت توسعته وهو ليس بالقديم جداً، وليست له أهمية دفاعية عن عدن، فكل الاحترام والتقدير للبريطانيين : برايان دو وجافين وبليفير الذين كتبوا عن عدن بأمانة ولم ينسبوا لبلادهم انّها بنت جسر العقبة أو شقت نفق عدن![c1]الهوامش :[/c](1) Gavin. R . J : Aden under the British Rule 1839 – 1967.(London : C . Hurst & company, 1975) p .99(2) إف . إل بليفير : تاريخ العربية السعيدة، ترجمة سعيد عبدالخير النوبان وعلي باحشوان (عدن، دار جامعة عدن، 1999م) ص 22.(3) القاسمي، سلطان محمد : الاحتلال البريطاني لعدن (دبي، مطابع البيان، 1991) ص 531.(4) الهمداني، الحسن بن أحمد :صفة جزيرة العرب (صنعاء، مكتبة الإرشاد، 1990) ص 306.(5) المقدسي شمس الدين : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم (لندن، مطبعة بريل، 1909) ص 85.(6) ابن المجاور، يوسف : صفة بلاد اليمن (لبنان، شركة دار التنوير، الطبعة الثانية، 1986م) ص 108.(7) برايان دو : عدن في التاريخ (عدن، إدارة الآثار، سبتمبر 1965م) ص 3 – 9.
|
فكر
باب عدن هو النفق.. " قضي الأمر الذي فيه تستفتيان "
أخبار متعلقة