نادرة عبد القدوسيسأل الكاتب المعروف " السيد يسين" في مقالة له كتبها في جريدة الاهرام المصرية " في نهاية القرن المنصرم" بعنوان تحرير المواطن في زمن العولمة منتقداً الاتجاهات السائدة في الخطاب العربي المعاصر حول العولمة وابرزها الموافقة الكاملة على العولمة والدعوة الى الانغماس فيها بدون تحفظ او الرفض المطلق لها على اساس انها شر خالص : " ما دور السياسي والمثقف الذي ينبغي ان يلعبه في مواجهة العولمة وخصوصاً هؤلاء الذين يتبنون موقفاً متوازناً منها؟"ويجيب عن تساؤله في هذا المضمار قائلاً : " ان دور المثقفين والباحثين لاينبغي ابداً ان يقف عند حدود معارضة العولمة من ناحية ، او قبولها كحتمية تاريخية لامفر منها من ناحية اخرى ، كما هو الحال في الخطاب الفكري السائد وانما لابد لهم ان يخوضوا في صياغة بدائل مقترحة سياسية واقتصادية وثقافية لاجراءات العولمة المتعددة".وذهب السيد يسين الى انه بدلاً من الخوف من العولمة ، لابد من ان نمتلك أدواتها ولماذا لاننهض بسياسات العلم والتكنولوجيا في الوطن العربي خصوصاً اذا كانت العولمة نتاج الثورة العلمية والتكنولوجية؟ ولماذا لانطبق اساليب الرشاد الاقتصادية في ادارة الاقتصادات القومية؟ ولماذا لانقوم بتحديث حقيقي وجذري لمؤسساتنا السياسية والاجتماعية والثقافية ؟ ولماذا لانضع استراتيجية متكاملة للنفاذ الى الرأي العام العالمي لابراز وجهة نظرنا النقدية في العولمة ، وتوضيح وضعنا الاقتصادي وتاكيد حقوقنا الشرعية في تنمية بشرية متكاملة ، لايمكن ان تتم بغير اعادة صياغة عديد من الاجراءات العولمة ، وخصوصاً في المجال الاقتصادي ويخلص السيد يسين الى ضرورة " التفاعل الايجابي الخلاق مع العولمة وعلينا ان نستثمر فرصها في النهوض القومي الشامل ، وفي الوقت الذي نواجه فيه تحدياتها ومخاطرها بقلوب جسورة وارادات قوية" .والحقيقة ان عدداً كبيراً من المثقفين العرب فهم العولمة من جانبها الآخر ، وهو الاندماج الكلي في ثقافات الاخرين وتذويب الهوية العربية ذات الفكر المتوازن المستند على قيم دينية متجذرة نابعة من اخلاقيات انسانية عظيمة.ويتجلى هذا الانخراط الكلي في الجانب السيئ من العولمة بحجة معايشة العصر ومواكبة تطوراته ، في مختلف ميادين الفكر والفن بمختلف اشكاله حيث نجد الاسفاف في شكل ومضمون الاغنية العربية وفي طريقة ادائها كما يتجلى وبدرجة اساسية في تناولات عدد من المثقفين لقضايا فكرية وسياسية حاسمة في حياة الشعوب العربية مما يجعلنا نطبق عليهم المثل القائل : " ملكيون اكثر من الملك".وتنعكس آثار المهرولين من المثقفين والساسة العرب الى موضة العصر" العولمة" في استحداث مايسمى : بمنظمات " المجتمع المدني" وهو المصطلح الجديد الذي يُعد احد نتاجات العولمة واضافة جديدة الى مصطلحاتها الكثيرة تبعاً للقطب الواحد المصدر لها وترجمتها حرفياً كما هو الحال مع مصطلح العولمة نفسه (GlOble).و" المجتمع المدني" المتداول اليوم والدخيل على اللغة العربية هو ترجمة حرفية لكلمة ( civilian socity)ويعني الاحزاب السياسية والاتحادات العمالية والنقابات المهنية والجماعات التطوعية غير الحكومية.واهم تطور أحدثته العولمة في هذا المجال ان المجتمع المدني بمؤسساته المختلفة لم يعد حبيس حدود الدولة القومية ، بل انه تشكل في العقود الاخيرة مايمكن تسميته مجتمع مدني عالمي يعنى بأمور الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الانسان ، ويستحدث نماذج جديدة في مجال التنمية الشاملة والرعاية الاجتماعية للمواطنية .وفي هذا الاطار تشكلت وتتشكل كل يوم بل كل ساعة منظمة او مؤسسة جديدة في مختلف الاصقاع وبالذات في الوطن العربي الذي ينظر اليه من قبل الآخرين ( المتقدمين) كأرض وشعب بحاجة الى تنوير وتثقيف واتباع مايملى عليه.. بل ينظر اليه اليوم كمصدر اساسي للارهاب.ولنسأل انفسنا كمثقفين وكمراقبين وكمواطنين عرب من المتسبب في جعل وطننا العربي ( إمّعه) كرجل اعمى بحاجة الى من يقوده ويرشده الى الطريق الصحيح؟لن اجيب : بأنه رجل السياسة او الحكام العرب فقط .. ذلك لان المسئولين يتحملها بدرجة اساسية المثقفون العرب الذين يفرجون بصمت على هرولة وطنهم الى الهاوية دون حراك ... ولايحركون ساكناً امام مجريات الامور.. والاسباب شتى سنأتي على ذكرها في مقال آخر لان للحديث بقية..
|
ثقافة
تحرير المواطن في زمن العولمة
أخبار متعلقة