الأسماك في بلادنا.. قراءة في تصريحات رسمية
طالعتنا صحيفة (14 أكتوبر) الغراء، يوم الإثنين الموافق 6 أكتوبر 2008م في عددها (14253) الصفحة الثامنة بموضوع يتحدث عن الإنجازات في القطاع السمكي.. وقد عودتنا الصحيفة على نشر العديد من المواضيع والتقارير الاقتصادية المتنوعة لمختلف قطاعات الدولة، ومنها القطاع السمكي الذي يعتبر ثاني مورد للدخل القومي بعد قطاع النفط.من خلال تتبعنا للتقارير الصادرة عن وزارة الثروة السمكية في الصحف الرسمية والأهلية أو الحزبية على حد سواء؛ نجد أن هناك ضعفاً شديداً في صياغتها من الجانب الاقتصادي والإحصائي، وتخبطاً عشوائياً في الأرقام. فلا تستطيع التمييز بين الحقيقة والوهم أو بين الخطأ والصواب.. وينتاب المرء شعور وكأن الوزارة لا تمتلك كوادر مؤهلة وكفؤة متخصصة في علوم الإدارة والاقتصاد خصوصاً من أصحاب الخبرة في المجال ذاته. وإلا كيف نفسر ظهور تلك التقارير والمواضيع المتحدثة باسم الوزارة ؟ مع علمنا أن القطاع السمكي غني جداً بكوادره المتنوعة الاختصاصات، ما يميزه عن باقي القطاعات الاقتصادية الأخرى، والمؤهلات من المعاهد المتوسطة مروراً بالبكالوريوس والماجستير وانتهاءً بالدكتوراه وجلَّهم ذوو كفاءات عالية، يفتقدون إلى من يثق بقدراتهم ويعطيهم فرصة إثبات كفاءاتهم على مستوى القطاع ويخرجهم من حالة الإهمال والتهميش.. وأُصدِق الكلم إن قلت إن ما يؤلمني كثيراً، باعتباري منتسباً إلى القطاع السمكي وإلى هذه الوزارة العريقة والواسعة، أن أصادف وأقرأ مثل هكذا تقارير تنشر على صدر صحفنا و” بمانشيتات “ عريضة وهي خاوية الموضوع، ضعيفة البناء، ركيكة القواعد.. ولا أرى أحداً يتحرك قيد أنملة، أقلها من باب الغيرة أو للتنبيه فقط، وكأنك في مقبرة ولا حياة لمن تنادي..ما من أحد يستطيع أن ينكر ما يُعتمل و يتحقق في القطاع السمكي وخصوصاً البنية التحتية (القاعدة المادية الإنتاجية)، وإعداد الدراسات التي وُضعت لأجلها، والجهود المبذولة من قيادة القطاع بإشراف مباشر من معالي وزير الثروة السمكية تنفيذا للمصلحة العامة وفي مقدمتها مصفوفة فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وتطبيقاً لبرنامجه الانتخابي، في التطوير للإسهام في زيادة الدخل القومي، وتوسيع المنشآت، وتشغيل الأيادي العاطلة وغيرها.. إن أي إنجازاتٍ إن لم يتم عكسها على الورق بنحوٍ اقتصادي، إحصائي وتنظيمي صحيح في هكذا مواضيع أو تقارير، تنشر في صحفٍ رسمية، فإن معانيها ستبدو وكأنها مجرد تقارير إنشائية لا لون لها إلا تحسين برواز صورة مكتملة ولكنها غير متقنة.. ومن المعروف أن هدف التقارير الاقتصادية هو تكميل “الصورة” وإظهار محاسنها وجعلها أقرب إلى الحقيقة؛ وما البرواز إلا مكملاً خارجياً للصورة يمكن الاستغناء عنه.. فالتقارير الاقتصادية يجب أن تكون مختصرة، مركزة، شارحة لأرقام حقيقية دقيقة وموجزة تعطي مدلولاً يستفاد منه وأن تكون بعيدة عن الهفوات والأخطاء التي لا مجال لها في الاعتذار عنها..لقد وردت تصريحات صحفية لمعالي وزير الثروة السمكية، في سياق ذلك الموضوع المنشور بأن هناك إنجازات قد تمت “ كاستحداث عدد من القطاعات التخصصية في ديوان الوزارة، وإنشاء هيئة للأبحاث السمكية وبناء دور ثالث لمبنى الوزارة..”. إلا أنها في الأصل لا تعتبر إنجازات كونها، في لغة الإدارة، نشاطات تكميلية لأهداف الوزارة ومهامها، قد تكون ضرورية، ولكنها لا تمثل الهدف الرئيس الذي من أجله أُنشئت وزارة الأسماك أو أي وزارة كانت أو مرفق يخدم مصلحة معينة لتحقيق هدف معين.. فمن أهم الأهداف الرئيسة، من وجهة نظرنا وباختصار، التي غفل عنها من أعدَّ الموضوع أو أخطأ في تقديرها هو تأمين احتياجات المواطنين من الأسماك وغيرها من الأحياء البحرية الأخرى.. وبفقد هذا الهدف كأساس واقعي؛ فإننا لا نراه قد تحقق في السنوات القليلة الماضية أو يتحقق في وقتنا الحاضر، رغم أنه قد قيل في مقدمة الموضوع: “ إن تطور القطاع السمكي خلال السنوات القليلة الماضية ساهم في توفير الأمن الغذائي للمواطنين..”!! فأين هو الأمن الغذائي ونحن نلمس الغلاء والارتفاع في أسعار الأسماك، وندرتها في الأسواق المحلية؟.. كما يتبين من صياغة الكلام والأرقام أن من تولَّى تلك المهمة لم يستطع التفريق في مسألة توفير الأمن الغذائي بين ما هو للمواطن المستهلك داخل اليمن وبين ما هو للمستهلك من غذائنا خارج حدود اليمن!!. ذلك أن ما يتم تصديره إلى الخارج هو الأرخص والأجود بكثير مما يتم تداوله في السوق المحلية ! وقد تطرقنا إلى ذلك في مقالات سابقة..ومن وجهة نظري أرى إن الوزارة تكون قد بالغت كثيراً في قولها: “ إن ما يوجَّه للاستهلاك المحلي من الأسماك الطازجة والمعلبة يصل نحو 70% من إجمالي حجم الأسماك المصطادة سنوياً،وهو ما حقق ارتفاعاً في مقدار نصيب استهلاك الفرد من الأسماك بلغ مع نهاية 2007م إلى 8 كيلوجرامات..”. وبدوري أتساءل: إذا كان هناك ارتفاع في المقدار مع نهاية2007م ، فكم ياترى كان نصيب الفرد قبل ذلك؟ وكيف تم الاستدلال على ذلك الرقم الصعب!؟ إن هذه المبالغة، التي سنشرحها بعد، إنما مرجعها إلى ذلك “الفقر” الذي تعيشه الوزارة في الكادر الاقتصادي الكفؤ “الحلقة المفقودة”، وقد أشرنا إلى ذلك مراراً، الكادر الذي لا يخلط الحابل بالنابل ولا يجمع بين الأسماك الطازجة التي تستهلك مباشرة بعد اصطيادها، عادة من صيادي التعاونيات السمكية، وبيعها في الأسواق المحلية وبين تلك المعلبة التي يمكن خزنها لمددٍ طويلة دون استهلاكها أو بيعها حتى بعد التصنيع!..وبالتالي لا يمكن جعلها ضمن نسبة مئوية واحدة كمؤشر لقياس الاستهلاك المحلي، أو كرقم يساوى به نصيب استهلاك الفرد من الأسماك؛ فضلاً عن أنه لم يحدد في ظرف كم مدة يستهلك فيها الفرد تلك الثمانية كيلوجرامات؟ هل في السنة؟ أم في الفصل؟ أم في الشهر؟!! فإن كان المواطن، المغلوب على أمره، يتناول 8 كجم من الأسماك في السنة؛ سيكون مقدار نصيبه يومياً20 جراماً فقط، وهي لا تكفي لإطعام دجاجة..!! حتى إذا تم تقليص أيام تناول السمك إلى ثلاثة أيام في الأسبوع، مع أننا قلنا إنه أمن غذائي، فإن النتيجة ستكون 50 جراماً وهي لا تُفرق عن الأولى في التغذية.. أما إذا فرضنا أن الـ 8 كجم هي استهلاك الفرد في الشهر الواحد؛ فإن ذلك سيكون مبالغاً فيه. لأن ذلك لا يحدث حتى في أكثر دول العالم شهرة برفاهية المواطن، الإنسان، فيها؛ حيث سيصبح نصيبه اليومي أكثر قليلاً من ربع كجم (266 جراماً تقريباً)..لا أود أن أكون متطفلاً على بعض العلوم، إلا أن ما لدي من معرفة متواضعة عن أن الإنسان يحتاج إلى غذائه من اللحوم ما مقداره 100 جرام، سواء لحوم حمراء أم بيضاء، وما زاد عليها فإنه يذهب مع الفضلات.. فإن سلَّمنا بذلك، وأن استهلاك الفرد الواحد من السمك ثلاثة أيام في الأسبوع؛ فإنه سيستهلك 1200جرام في الشهر، بما يساوي 14 كجم ونصف تقريباً في السنة.. قد ينقص الرقم عن ذلك وقد يزيد عليه؛ فذلك يعتمد على الطبيعة الجغرافية للمناطق والتركيبة السكانية لها وعاداتهم وأنواع أطعمتهم وغيرها من العوامل المؤثرة على تحديد مقدار الاستهلاك أقل أو أكثر فيما عدا أن يكون الاستهلاك السنوي للفرد في اليمن 8 كيلوجرامات فهذا ما لا يستوعبه عقل راجح ..[c1]* استشاري تنظيم الإدارة بكالوريوس قانون عام [/c]