أقواس
الآثار كنوز مادية لاتقدر بثمن ، لأنها تحكي حضارة شعبنا اليمني للقديم في مختلف عصور التاريخ قديمه ووسيطه وحديثه ، وتروي أمجادة العظيمة وماضيه المزدهر، كما أن كل قطعة أثرية قديمة مهما صغر حجمها تحتل أهمية بالغة ، ومكانة حضارية علمية في مسار تاريخ البلد وتقديمه وتطوره في كل حقبة من حقب التاريخ.فالآثار والمعالم التاريخية الأثرية شاهد عيان لها وصلنا إليه في صنع حياتنا الماضية من إبداعات راقية سواء فيما يخص ببناء السدود وقنوات الري ، والصهاريج ، والفن المعماري الفريد والعامر بنقوشه الرائعة ، أو تشييد القلاع المحصنة فوق الجبال والحامية حمى الوطن من الغزاة الأجانب.ولهذا ينبغي على المواطن أن يعي هذه المسألة ، وأن بدوره الوطني في حماية المعالم الأثرية التاريخية ، والايفرط فيها بإهمالها أو الاستيلاء عليها، أو محاولة طمسها ، أو سرقة ماخف حملة وبيعه للسياج الأجانب. فمثل هذه الآثار واللقيات الأثرية تمثل ذاكره الشعب الجماعية لمرويان تاريخ حضارته القديمة سواء ماقبل التاريخ الميلادي أو ما بعده وفي عصوره المختلفة. ولاشك أن كل ألوان تسرب الآثار ، بالقطع والجملة ، قد تمت في غياب الوعي بالتاريخ القومي من جهة ، ونمو الفقر والضعف السياسي من جهة أخرى، وكانت نتيجتها أننا أصبحنا نرى آثارنا في متاحف غيرنا وبخاصة تلك القوى الاستعمارية الغازية لبلادنا من أحباش وفرس وأتراك وإنجليز التي أخذت ما أخذت من آثارنا الثمينة، بالإضافة إلى بعثات الاستكشاف والتنقيب التي كانت - في الماضي - تظل إلينا بحثاً عن الآثار المدفونة في بطون الأرض ، فتحصل على نصيب الأسد من تلك الآثار المكتشفة ، نتيجة جهلنا بها وقلة وعينا بأهميتها ، وكأن هنا هو العقاب الذي نستحقه على وعينا وشدة فقرنا، وضعفنا ، فهل من سبيل اليوم لاستعادة ما فقدناه ؟ ألم تتحرض متاحفنا الوطنية في عدن بعد الحرب المشؤومة عام 1994م للنهب من قبل أناس لايقدرون قيمة كل قطعة أثرية محفوظة في المتحف ، وبسط أيديهم عليها ، وبيعها للأجانب بأبخس الأثمان ، ولكن تم استعادة بعضها بجهد جهيد بعد استعانة الدولة بمنظمات دولية بهذا الصدد. ولكن ، حتى تتم عودة الغائب من آثارنا المنتشرة في متاحف العالم لابد أن الحرص على الحاضر منها في متاحفنا ، والحرص على الآثار ليس معناه تكديسها في متاحفنا التي أصبحت أقرب إلى المخازن من شدة اكتظاظها بالمعروضات ، وأنها معنية إقامة المتاحف اللازمة لها، وصيانة معروضاتها من عوادي الزمان ، وتلوث البيئة . وهذه الصيانة أصبحت ضرورة حتمية في عصر التلوث الذي نعيش فيه، ولاسيما بالنسبة للآثار التي تعيش في الهواء انطلق مثل الصهاريج والقلاع كقلعة صيرة - مثلاً - والمعالم والمباني الأثرية الأخرى. ومن جهة أخرى يعني الحرص على حماية الآثار أن ننشر بين الناس الوعي بصيانتها ، وهذا الوعي الشعبي بالآثار أهم في الحقيقة من الوعي الرسمي، لأنه يعصم من أضرار كثيرة مثل السرقة والتلوث .نحن محتاجون لشيء من الهوس لحفظ آثارنا ومعالمنا التاريخية والإسلامية الأثرية ، وخلق الوعي لدى كل مواطن يمني ، لأن مساحة تاريخنا معروفة ، وآثارنا أكبر من أن توصف بمبنى أثري أو بقطع أثرية قليلة فقط. وبالمناسبة ، فإني أود في هذه العجالة أن ألفت انتباه الجهات المعنية بالآثار إلى وجود صهاريج ما بين الجبال المحاذية لقرية الخيسة في الاتجاه الغربي منها ، وهي شبيهة بصهاريج الطويلة ، ولكن نتيجة للإهمال وعدم القيام بصيانتها منذ سنوات طويلة، فقد ردمت قيعانها من كثرة الرواسب الوحلية والأثرية المكدسة عليها ، الأمر الذي أفقدها معالمها الأثرية ، وهي بحاجة ماسة إلى تضافر الجهود لإزالة كل ما علق بها من تلك الرواسب المتراكمة لكي يتم إعادة جاهزيتها شأنها في ذلك شأن صهاريج الطويلة ، فهل يمكن القيام بهذا العمل؟ أرجو ذلك.