مع الأحداث
انطلق قطار المصالحات العربية ، وشهدت الأروقة الدبلوماسية العربية خلال الأيام القليلة الماضية جولات وزيارات وتصريحات تصب جميعها فى تنقية الأجواء العربية ، والتخلص من حالة الاستقطاب التي وسمت العلاقات العربية - العربية طيلة الشهور القليلة الماضية ، والتي وضحت بشكل جلي إبان الحرب على غزة. وباعتقادي أن ثلاثة عوامل رئيسية قد دفعت الدول العربية للدخول فى جولة مصالحات ، أولها هو الإدراك العربي «المتأخر» بأن المستفيد الوحيد من الانقسامات العربية هي الأطراف الإقليمية بالإضافة إلى إسرائيل. وأن ما حدث خلال الحرب على غزة أوضح أنه كلما ازدادت حدة هذه الانقسامات كان ذلك على حساب المصالح والقضايا العربية. وثانيها ، صعود اليمين المتطرف فى إسرائيل تهديد ليس فقط للفلسطينيين وإنما للاستقرار فى المنطقة بوجه عام. وثالثها اقتراب انعقاد القمة العربية بالدوحة أواخر الشهر الحالي.وقد بدت الفترة الماضية كما لو كانت لحظة تاريخية أمام العرب، فإما الاستمرار فى سياسات الانقسام والاستسلام لمعادلة الممانعين والمعتدلين التي ملأت الفضاء «الإعلامي» العربي طيلة العامين الماضيين ، وما رتبه ذلك من تحديات وفجوات وسمت العلاقات العربية - العربية ، وإما وقف نزيف التقارب العربي والتعامل بواقعية مع الأزمات الملّحة فى المنطقة من منظور المصلحة المشتركة. لذا فقد وجد الممانعون أن ثمة فرصة جيدة يجب التقاطها من أجل إعادة التفكير فى مواقفهم وأوضاعهم ، وأدركوا أنه لا مفر من إبداء قدر من المرونة مع المعتدلين ، فى حين وجد المعتدلون أن الوقت قد حان لإنهاء القطيعة مع الممانعين ، والعمل على احتوائهم حتى لا ينفرط العقد العربي أكثر من ذلك. أي أن ثمة أرضية مشتركة قد توفرت فى النهاية للجمع بين الطرفين.بيد أن السؤال هو: هل ستنتهي لعبة المحاور ومعادلات الممانعين والمعتدلين فى المنطقة؟ وهل سيستطيع الطرفان أن يتجاوزا مصالحهما الضيقة وعلاقاتهما المعقدة مع الأطراف الإقليمية لدفع المصالحة العربية قدما؟ واقع الأمر فإنه من المبكر التكهن بحدوث اختراق فى العلاقات العربية - العربية، والانطلاق نحو الاتفاق على رؤية موحدة لمعالجة القضايا العربية والإقليمية. وباعتقادي أن ثمة اختبارات جدية تنتظر المصالحة العربية ويمكن الإشارة إلى ثلاثة منها أولها يتعلق بالمحاكمة الدولية التي تجرى بخصوص التحقيق فى اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، والتي بدأت جلساتها فى لاهاي قبل أيام قليلة. وهذه القضية تمثل تحدياً جدياً لمدى صلابة العلاقات السعودية - السورية، نظراً لما تنطوى عليه القضية من حساسية لدى كلا الطرفين. وثانيها، الانتخابات النيابية التي ستجرى فى لبنان فى السابع من يونيو القادم، وهي تمثل اختباراً حقيقياً لميزان القوى في الساحة اللبنانية. أما القضية الثالثة فهي مسألة دمج حركة حماس، وهي قضية بالغة الأهمية والتعقيد. فهل سيقبل المعتدلون العرب دمج حماس فى التفاعلات العربية - العربية؟ أم سيتم الاكتفاء بحركة فتح وزعيمها محمود عباس؟ وهل سيسعى العرب لدمج حماس في المجتمع الدولى أم سيستمر الحصار الدولي علي حاله؟ وهي قضية من شأنها إعادة الجميع إلى المربع الأول. ولسوء الحظ فقد تم تجاهل حماس نهائيا خلال المؤتمر الدولي الذي عقد قبل أسبوع بمدينة شرم الشيخ للبحث فى مسألة إعادة إعمار غزة، مع أنها الطرف الرئيسي المهيمن على القطاع. والأكثر من ذلك أن أصل الخلاف بين المعتدلين وحركة حماس ليس بسبب ما قامت به هذه الأخيرة حين استولت على قطاع غزة بالقوة قبل عامين، وإنما بالأساس فى الخطاب السياسي للحركة، وخياراتها الاستراتيجية فيما يخص العلاقة مع إسرائيل. فحماس تتبع منهجاً يكاد يكون مناقضاً لذلك الذي تتبعه كتلة المعتدلين فى العلاقة مع إسرائيل. فحماس تتبع منهج الرفض التام لأي علاقة مع تل أبيب ، فيما يشبه بقاء خيار المقاومة كأساس للعلاقة ، فى حين يري المعتدلون أن السلام خيار استراتيجي لا يجب العدول عنه.المصالحة العربية إذا ليست مجرد تبادل القبلات والكلمات المعسولة، بقدر ما هي تبادل للرؤى والأفكار والقدرة على اتخاذ قرارات جادة وجريئة، لا تستهدف فقط تحقيق المصلحة العربية المشتركة من منظور واقعي، وإنما أيضا الحد من التدخلات غير العربية. ولعله من المفيد أن يتم تشكيل لجنة متابعة دائمة تكون مهمتها نزع «الألغام» التي قد تعوق العلاقات العربية - العربية، وذلك حتى لا تعود الكرة من جديد ونجد أنفسنا محاصرين بين «ممانعين ومعتدلين».[c1]*عن / (الوطن) العمانية[/c]