نحن نسأل .. وعبد الوهاب يجيب !!
موسيقار الأجيال الراحل محمد عبد الوهاب كان إذا تكلم فهو كما يغني.. فهو ينتقي الكلمات مثلما كان ينتقي النغمات.. عباراته كانت كلها "شياكة" و" أناقة" ونابعة من خبرة خبير وحكمة حكيم.إذا عدنا إلى كلمات عبد الوهاب سنجد أنّه خبير في تشخيص الداء، وخبيرًا أيضًا في وصف الدواء، كان كما القبطان الذي خبر عباب البحار والمحيطات.. وبوصلته دائمًا وأبدًا في الاتجاه الصحيح.. وها نحن نضع أسئلة لكلمات وإجابات قالها عبد الوهاب :فعبد الوهاب قال : أصبحت عصبيًا.. أصبحت حزينًا لأنّه لا يوجد الآن ما يطربني!!ونحن مثله .. لا يوجد الآن ما يطربنا.. ولكن ما الذي أدى بنا إلى هذا الحال؟عبد الوهاب يقول : كان الجمهور في الماضي يستمع للغناء بأذنيه .. وأما الآن فهو يستمع بيديه ورجليه!!وإذا قلنا : هل العيب في الجمهور .. أم أنّه في المغني؟عبد الوهاب يقول : المطرب العظيم والمستمع العظيم يقومان بجهدٍ متساوٍ.. الأول حينما يغني، والثاني حينما يسمع!!نسأل نحن : هل المشكلة تكمن في أنّ الألحان كلها متشابهة وركيكة؟يقول عبد الوهاب : قمة الفن أن يوصل الملحن عمل الكلمة إلى المستمع بما أسبغه عليها من صدق اللحن!!وإذا قلنا : ألم يصبح لدينا مطربون ومطربات؟عبد الوهاب يقول : هناك مطربون ومطربات موجودون لقدرة مواهبهم وإعجاز أدائهم، وهناك مطربون ومطربات موجودون لا لشيء إلا لأنّه لا يوجد غيرهم!!نقول عنه للأستاذ : صف لنا الفنان زمان، وما وصلنا إليه الآن؟عبد الوهاب يقول : فن الغُناء كالعملة.. كان في السابق ذهبًا.. وفي الحاضر صار ورقًا!! في هذا الزمن تغني الراقصات، وترقص المغنيات!!نسأل نحن : والعلاج يا أستاذ عبد الوهاب؟عبد الوهاب يقول : إذا أردنا النهوض بالأغنية فينبغي لنا أن نحرص على أمانة الكلمة، وأمانة اللحن، وأمانة الأداء.نقول نحن : وإذا لم تكن هذه الأمانة متوافرة الآن بالنسبة للجميع؟بهدوءٍ شديد يقول عبد الوهاب : الفن الرفيع، خلق رفيق تحول إلى فن رفيع.. والفن الرفيع ينبت ويزدهر في رقي رفيع وخلق رفيع، كما قال هاملت "أكون أو لا أكون.. تلك هي المشكلة"!!عبد الوهاب في كلماته الأخيرة وصل بنا إلى لب المشكلة وهو الخلق الرفيع الذي يعتبر بمنزلة التربة التي ينمو فيها الفن الرفيع.. فهل فهمنا المشكلة؟!