قصة قصيرة
ياسر عبدالباقيلن نغادر المكان إلا و رؤوسنا مرفوعة.هذا الصوت أعرفه لا يمكن أن أنساه قوي رنان توقفت ودخلت مكتباً كبيراً مكتظاً بالموظفين وقف أمامهم رجل ضخم الجثة وبيده ورقة يلوح بها إلى أعلى كلما صاح وكانوا يصفقون له في حرارة صاح سوف نحارب إلى آخر موظف ودوي التصفيق بحرارة..وقفت أراقبه لم يتغير إنه كما هو رجل قوي قيادي فصيح بارع في الإقناع حتى لو كان على خطأ يقنعك بطريقة عجيبة دون أن تشعر بأنه ليس على صواب هو المتحدث الأول والأخير.هاهو الآن يقف أمامي لم يتغير سوى بضع شعرات بيضاء قال العين بالعين و..ابتسمت رآني عيناه حادتان خرجت كنت أعرف بأنه يراقبني سألت نفسي: لم الرجل أحيانا لا يتغير في عقله وشكله؟ التقيت به أول مرة قبل خمس عشرة سنة في مركز ثقافي كعادته يحب التجمعات حوله بعض الزملاء شدني صوته وثقافته.يتكلم عن الأدب والشعر لم أعرف في ذلك الوقت أنه شاعر وقفت أمامه أستمع إليه تكلم كثيراً وسيجارته لا تغادر يده أو فمه لكل سؤال لديه جوابه يستمتع في الكلام وكنا نحن نستمتع به اكتشفت أنه مغرور بكبريائه وثقافته ألقى علينا قصيدة طويلة قال إنها للقيروان لم أعد أذكر كلماتها لكنها تركت شيئاً جميلاً في نفسي لم أعرف كم مضى من الوقت ونحن حوله.لكل بداية نهاية وفجأة سكت تفرق الجميع من حوله وذهبت لكن صوتاً هامساً لحقني قائلاً:- يا أنت .. يا آنسةالتفت إليه كان واقفاً أمامي بجسده الكبير قلت:كيف عرفت أني آنسة؟قال: أناملك الرقيقة لا تزينها الذهب. - إذن ماذا تريد؟- جذبني مظهرك .. وجهك الحزين و.. برودة عينيك.ابتسمت بسخرية وقلت:لا يخدعنك وجهي الحزين أو برودة عيني وذهبت كعادته كان يحب أن يكون أول المتحدثين وآخرهم سمعته يقول:تلك القصيدة كانت لك.أخبرتني صديقتي أن الرجل كان يأتي يومياً إلى المركز على غير عادته وفي آخر مرة سأل عني التقيت به مرة أخرى في المركز كان وحده جالساً يبعثر أصابعه في أوراق كتاب شاهدني تعمد أن يتجاهلني عيناه تتلصصان وكأنهما تفتشان جسدي.التففت أنا من حوله رفع رأسه قليلاً يبحث عني أدار رأسه إلى الخلف رآني واقفة أمامه ارتبك قليلاً لكنه كان ذكياً استطاع إخفاء ارتباكه قال لا مبالياً.لم أنت واقفة خلفي.قلت: كنت أبحث عنك.- عني؟- نعم لقد أخبروني أنك تبحث عني منذ أكثر من شهر.كان هذا الحوار القصير هو بداية تعارفنا تكلم كثيراً عن نفسه أخبرني أنه متزوج وغير سعيد بزواجه أكثر أوقاته يقضيها خارج البيت في المراكز الثقافية أو المقاهي هرباً من زوجته ومشاكلها التي لا تنتهي وأخبرني ذات مرة أنه معجب بي وأن هدوئي يثيره يتفنن في الكلام معي ومغازلتي كنت أنصت إليه في اهتمام وأحياناً أخرى بشك رجل يجيد الكلام وامرأة تجيد الإنصات هذا حالنا في أغلب الأحيان لكني كنت أعرف متى يكذب الرجل ومتى يقول الحقيقة يستمتع في الحديث معي وهذا ما لاحظته رغم أنه حاول إخفاء ذلك كثيراً كرر مرة أخرى قصيدة القيروان قال لي كان القيروان قد خصني بقصيدته.مشكلة بعض الرجال أنهم يعتقدون بالكلمات وحدها قادرون على نصب مصيدة للنساء باسم الحب كتب لي رسالة وقصيدة قال: قصيدة لم أكتب مثلها ولا أظن أني قادر على أن أكتب مثلها كان ينتظر مني جواباً لكن الجواب لم يأت ولا أظنه سوف يحصل على الجواب لأني كنت قد رحلت.هاهو بعد خمس عشرة سنة لم يتغير مازال يحب التجمعات والقيادة.لحقني إلى الممر صاح: يا سيدة.. انتظرته تقدم نحوي وراح يحدق في وجهي وقال: - لم تتغيريقلت : بلى لقد أصبحت سيدة كان وجهه مرهقاً تعباً قلت: - مازلت تحب القيادة وتجيد الإقناع.- آه لقد تقاعد المدير السابق وقد سمعنا أنهم سوف يحضرون لنا مديرة امرأة تحكمنا.قلت: لا بأس مارأيك لو نتكلم في مكتب المديرة.- لماذا؟ - ستعرف ومشيت لم أسمع خطواته خلفي كنت سعيدة لأني كنت المتكلمة الأخيرة.