مع الأحداث
يظهر أن المرأة لا تريد الكف عن إغاظة الرجل، ومشاكسته، ومناكفته، وحشر نفسها في صفوفه، لتؤكد له أنها قادرة على منافسته في كافة مجالات الحياة العملية التي ظلّت أمداً طويلاً حكراً عليه، وأنها تستطيع تحقيق مكاسب في أرضيّة مجتمعها، إن أتيحت لها الفرص لتستعرض قدراتها، وتُثبت ذاتها. وقد ساهم البث الفضائي وشبكة الإنترنت والعولمة بمفهومها الواسع، في تقليص المسافات، وإزاحة الحواجز، وفي كشف الغطاء عن مطالب المرأة العصرية، لتطلع عليها عن كثب كافة مجتمعات العالم.أحداث كثيرة وقعت في السنوات الأخيرة كانت المرأة بطلتها الفعلية، وسواء اختلف الناس حولها، بين مستنكرين ورافضين لبطولاتها، وآخرين مُشككين في نقاوة أهدافها، وصفاء نواياها، إلا أن المرأة نجحت في لفت الأنظار إليها، مرسلة للجميع رسائل مفتوحة، أنها مستمرة في طريقها إلى نهايته، لإثبات ذاتها وحفظ كينونتها، وأنها تملك الإرادة والقوة لتحويل دفة المستقبل لصالحها.هل صحيح ما يُردده البعض، من أن المرأة تضطّر أحياناً إلى القيام بتصرفات استفزازية، تنعدم فيها العقلانية، وتبتعد عن تعاليم الدين، رغبةً في تحجيم سلطة الرجل، والاستيلاء على مواقع القيادة؟! الجميع يتذكّر السيدة «آمنة ودود»، أول امرأة أمّت صلاة جمعة مختلطة في نيويورك، ومطالبتها بحق المرأة في الإمامة، رغم استنكار مجمع الفقهاء في نيويورك لما قامت به! وكثيرون أثارت حنقهم، ونددوا بتصريحات الوزيرة المغربية «نزهة الصقلي» التي طالبت بحجب صوت آذان صلاة الفجر لما يُسببه الصوت من إزعاج للسياح الأجانب. ومؤخراً لفتت الأنظار المحامية المصرية «مريم عيّاد» التي أعلنت احتجاجها على قرار رفض انضمامها لسلك القضاء، وأنه قرار تعسفي يخفي تمييزاً عنصرياً كونها مسيحية الديانة، رغم رأي العديد من الفقهاء بعدم جواز تولي المرأة لمنصب القضاء! ولا يُمكن إغفال القائمة الطويلة المتضمنة أسماء لمناضلات عربيات ومسلمات، من ناشطات حقوقيات وكاتبات فضّلن العيش في الغرب، معلنات صراحة أن الاضطهاد الذي كنّ يُعانينه في مجتمعاتهن باسم الدين، وتكبيل حركاتهن بقوانين الأعراف والتقاليد، وخوف بعضهن على حياتهن بعد تكفيرهن وصدور فتاوى بقتلهن، كانت سبباً مباشراً لخروجهن من أوطانهن!هذه العواصف التي تهب كل يوم في كافة الأقطار العربية والإسلامية، تكشف من جهةٍ الواقعَ المخجلَ الذي غدت تحيا فيه المرأة العربية والمسلمة، ويدل دلالة مباشرة على أن التزمّت والتطرّف أصبحا يفترشان أرضية أغلبية هذه المجتمعات، وأضحيا اللغة الدارجة في التخاطب تجاه كل ما يخصُّ شؤون المرأة! ويُظهر من جهة أخرى حتّى وإن شطحت بعض النساء في مطالبهن أو خرجن عن المألوف الدارج في أحاديثهن، الجرأةَ التي تتمتع بها المرأة، وجسارتها في الوقوف في وسط الميدان بمفردها تتلقى السهام المسمومة بجسدها، وتصميمها على المضي قُدماً دفاعاً عن حقوقها، مهما كانت العواقب وخيمة، والدروب محفوفة بالمخاطر! بعثت لي فتاة خليجية برسالة، تُخبرني أنها عادت للتو من بريطانيا بعد أن حصلت على شهادة في تخصص متميّز مطلوب. أخبرتني أنها منذ عودتها وهي تتلقى خيبة تلو خيبة! فمجتمعها ما زال موغلاً في نظرته المتعصبة للمرأة! وأن سنوات التحصيل قد ذهبت هباءً، وأنها صارت تشعر بالغبن والاضطهاد، لأن الرجال يُسيطرون على كافة الوظائف البارزة! وأن كل ما كان يصل لمسامعها عن تغييرات جذرية في وطنها كانت ليّاً للحقائق، وأن القشور الخارجية فقط هي ما تمَّ إزاحته، أما الباطن فقد زاد تعتيماً!لا أدري ماذا أقول! فالأصوات النكرة، والشرائح المعارضة، صارت أكثر قسوةً في ردود أفعالها تجاه ما تقوم به المرأة، وتزداد شراسةً يوماً بعد يوم، كلما ألْفت النساء يُصبحن أكثر تمرداً وسعياً للتغيير! لكن إذا كانت فِرَق الرقص الشرقي الرجاليّة في مصر، أصبحت تُزاحم الراقصات من النساء في مهنة قديمة ارتبطت طوال الوقت بأنوثة المرأة، فلماذا تبقى المناصب التي احتكرها الرجال آلاف السنين مقتصرة عليهم؟! لماذا لا ندع التاريخ يحسم القضية؟! ألم يعد المناخ العام يتطلّب تجديداً للمواقع؟! ألا يستلزم الوضع السائد تعديلاً في القوانين، وتحديثاً لنصوص الشريعة؟!عن/ صحيفة ( الاتحاد ) الاماراتية