أبوح لكم
عبد القادر خضرصرّح الفنان اليمني اللامع أحمد فتحي قبل سنوات :إنّ الناس قد انصرفوا إلى الفنون السهلة المعلبة عبر الكاسيت والفضائيات.. والهوايات الجميلة تختفي وتتلاشى كما يختفي ضوء النهار الجميل!!باهتمام بالغ.. تابعت مشوار الفنان أحمد فتحي الموسيقي .. لأنّ أحمد فتحي هو واحد من عددٍ قليلٍ جدًا من الفنانين اليمنيين المثقفين والدارسين موسيقيًا، يشكلون أمل الأغنية اليمنية في الخروج من عنق الزجاجة التي تعيش فيها وتجعلها تدور حول نفسها دون أن تتقدم خطوات إلى الأمام!!والواقع .. أنّ بدايات أحمد فتحي الفنية كانت تسير في هذا الاتجاه، خصوصًا بعد أن تعامل مع قصائد لكبار الشعراء كالدكتور عبد العزيز المقالح، والشاعر إبراهيم صادق والصديق الأديب محمود الحاج وغيرهم... وقدّم هذه القصائد من خلال الحان رائعة وأداء راقٍ ومتطور.وما زلت أتذكر أول لقاء لي عندما أتصل بي الموسيقار الراحل أحمد قاسم تلفونيًا يطلب مني المجئ ليعرفني / بفنان المستقبل/ كما أطلق عليه آنذاك، كان ذلك في منتصف السبعينيات وكنت أعد وأقدم سهرة الألحان في تلفزيون عدن، وقدمت فتحي والفنانة الرائعة فتحية الصغيرة في سهرة من أجمل السهرات التي قدمتها.. وقد أحسست أنّ أحمد فتحي صوتًا ولونًا جديدين في الأغنية اليمنية، خصوصًا وأنّه كان لديه طموحات كبيرة في مواصلة دراسته الموسيقية في القاهرة.بعدها جمعتني بالصديق الفنان أحمد فتحي جلسات ولقاءات وسهرات فنية عديدة.. وقد كنت خائفًا عليه وهو متحمسًا لتقديم بعض الأغاني الصنعانية بتوزيع موسيقي جديد بعد إدخاله لبعض الآلات الموسيقية الحديثة.. ومن حُسن حظه أنّه نجح في تجربته تلك، ساعده في ذلك النجاح قدرات الفنان الكبير (أبوبكر سالم بلفقيه) الصوتية، وشعبيته الكاسحة التي تجعل الجمهور يعجب بأي عمل يؤديه!وقد أستطاع أحمد فتحي أن يخلق له جمهورًا بين الشباب بالذات، يحفظ كل أعماله، ويشتري كل الكاستات التي تنزل له إلى الأسواق، بل أصبح له تلاميذ يقلدون عزفه وأدائه الغُنائي، ويلحنون على طريقته.. وأنا أحب أن أُطلق على أحمد فتحي لقب (فنان الشباب).. وقد كان أحمد فتحي يستحق بأعماله الغنائية وتجديداته الرائعة كل هذا الإعجاب والحب.. ولكن!ولكن.. في الوقت الذي توقعنا أن نسمع من أحمد فتحي أعمالاً أفضل من سابقاتها نظرًا لتطوره ونجاحه واحتلاله لمراكز متقدمة ومرموقة بين كبار فنانينا اليمنيين وفناني الجزيرة والخليج والعالم العربي، فاجأنا أحمد فتحي في الأعوام الأخيرة بأعمال شعبية وتراثية رددها معظم فنانينا صغارًا وكبارًا، وكان واضحًا أنّها أعمال تجارية هدفها الكسب السريع ومجاراة بعض فناني الجزيرة والخليج الذين يلجأون إلى الأعمال الغُنائية اليمنية عندما يحسون بإفلاسهم وباتعاد الجمهور عنهم!!إنّ عودة إلى تصريح أحمد فتحي الذي يؤكد فيه أنّ (الناس انصرفوا إلى الفنون السهلة) يؤكد لنا أنّ أحمد قد استجاب لنداء تجار الكاستات الذين يبحثون عن الفن التجاري السريع، مطرب وعود وألحان مشهورة وإيقاعات وأغاني شعبية مستهلكة وخفيفة، وجمهور يستمع إلى الأغنية بقدميه وهو يرقص أو يصفق أو يغازل الفتيات الجميلات اللواتي يقمن بحركات مثيرة وملابس خليعة، دون أن يهتم بالمطرب ولا بما بما يقوله.. لأنّ تلك الأغاني لا تصل إلى أذانهم ولا إلى وجدانهم ومشاعرهم.!!ومع كل هذا .. فإننا واثقون من أنّ أحمد فتحي لن يواصل السير طويلاً في طريق الغُناء التجاري.. وحتمًا سيعود فتحي إلى ذلك الطريق الصعب وتلك الألحان العظيمة والكلمات الراقية التي تعودناها منه، لأنّ هذا هو طريقه الحقيقي والأصيل.. وليجعل من نجم نجوم الغُناء اليمني (أبوبكر بلفقيه) وفنان اليمن الكبير (الدكتور عبد الرب إدريس) ومن أستاذه الموسيقار الراحل (أحمد قاسم) وأغانيهما العظيمة والخالدة، نموذجًا يقتدي به!!