تبنتهما زعيمتان أوربيتان في افتتاح المنتدى
دافوس / متابعات :بدأ المنتدى الاقتصادي العالمي الذي افتتح أعماله في دافوس الأربعاء الماضي بالاستماع الى رؤيتين متضاربتين حول كيفية حل مشكلات العالم قدمتهما زعيمتان أوربيتان هما رئيسة الكنفدرالية السويسرية ميشلين كالمي ري، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل .وفيما شددت الأولى على أن حل أزمات العالم يكمن في احترام حقوق الإنسان وفي الحكم الرشيد، ركزت الثانية بوصفها رئيسة الاتحاد الأوروبي ومجموعة الثماني على دور الاقتصاد بالدرجة الأولى. وقد قدمت كل منهما نظرة متضاربة حول كيفية إخراج العالم الذي وصفه رئيس المنتدى كلاوس شفاب قبل أيام "بالعالم المنفصم الشخصية أو المصاب بالشيزوفرينيا"، من الوضع القائم .وفي الوقت الذي شددت فيه الأولى على القيم الإنسانية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وإشراك الجميع بالليونة والحوار بدل العنف والقوة من أجل تحقيق ما أسمته "بإمكانية تعايش بني البشر"، تطرقت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل إلى اهتمامات بلدها والاتحاد الأوروبي الذي ترأسه حاليا وانشغالات مجموعة الثماني المتمثلة في إيجاد حلول لمشاكل اقتصادية مثل التزود بالطاقة وتحرير الاستثمارات وتعزيز العولمة في عالم يعرف بروز لاعبين جدد مثل الصين والهند. مداخلة الرئيسة السويسرية، استهلتها بالتساؤل "أين نحن من مسؤولياتنا في الوقت الذي يستهدف فيه أبرياء عن طريق تفجيرات الانتحاريين، أو عن طريق جيوش مجهزة بأسلحة تكنولوجية متطورة، وفي الوقت الذي تنتهك فيه حقوق الأطفال باستخدامهم كجنود، وفي الوقت الذي تعرض فيه التغيرات المناخية كرتنا الأرضية للخطر؟"، كما تساءلت "كيف يمكن للإنسان أن يجد سبيلا للتعايش في سلام وحرية وكرامة؟". الجواب على هذا التساؤل كما تراه وزيرة الخارجية السويسرية في "احترام حقوق الإنسان، ودولة القانون والحكم الرشيد، هذه القيم التي تعتبر من الأمور الأساسية لتحقيق سلام وأمن دائمين". وعن مفهوم الأمن قالت الرئيسة السويسرية: "إن التصور التقليدي للأمن كان يتمثل في ضمان أمن الدول من خلال حماية حدودها ومؤسساتها. أما اليوم فإن مفهوم الأمن عرف تطورا وأصبح يهتم بالدرجة الأولى بأمن الإنسان، أي المواطن العادي". لم تكتف الرئيسة السويسرية بتشخيص علل هذا العالم ومشاكل العلاقات الدولية السائدة فيه بل اعتبرت أن الحل يكمن في تعزيز الحوار مع الجميع، حيث قالت: "إن الأمل الكبير يكمن في إمكانية التوصل إلى حلول لها بصورة مشتركة وعن طريق تعزيز الحوار. ولكن هذا الحوار لن يكون ناجعا إلا إذا غيرنا من تصرفاتنا. فمجرد الحديث عن قيمنا المختلفة لا يعزز بالضرورة التفاهم المشترك بل العكس هو الصحيح إذ بإمكانه أن يعمق عدم التفاهم بتأكيد اختلافاتنا في المواقف". كما لم تفتها - كوزيرة خارجية - فرصة الترويج لعنصرين من دعائم السياسة الخارجية السويسرية وهما الحياد والمساعي الحميدة، إذ ترى "أن الوساطة السياسية أو الدبلوماسية يمكن أن ينظر لها من هذه الزاوية على أنها التطبيق العملي للتحلي بالمسؤولية". وقد استشهدت الرئيسة السويسرية ببعض النجاحات التي يجب أخذها كمثل يقتدى به " كون الانجازات السياسية لم تتحقق وتدعم إلا في المناطق التي عرفت تجمعات لدول لها نفس التوجهات والتي استطاعت أن تتجاوز العقبات الدينية والثقافية وتعهدت بالتطرق للمشاكل الواقعية وإيجاد حلول لها". كما اعتبرت كالمي ري أن "وسيلة الإقناع يجب ان تكون الليونة بدل القوة العسكرية"، مقدمة بعض الأمثلة التي توصل لها العالم في الآونة الأخيرة مثل "المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان ومعاهدة حظر الألغام المضادة للأفراد" ومذكرة بأن هذه الآليات "تم التوصل إليها عن طريق تحالف دول من مختلف أنحاء العالم تتقاسم القيم الأساسية بخصوص المعايير الدنيا التي يجب أن تقوم عليها المجتمعات البشرية". من ناحيتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ألقت خطاب الافتتاح مباشرة بعد الرئيسة السويسرية ركزت على دور الاقتصاد سواء في التحولات التي يعرفها العالم اليوم أو في الحلول التي يجب العمل من أجل تحقيقها. التحولات تراها المستشار الألمانية في أن قواعد اللعبة في المجال الاقتصادي لم تعد فقط بين أيدي الشركاء التقليديين بل انضم إليهم لاعبون جدد مثل الهند والصين. واستشهدت بتقارير مؤسسة بروغنوز السويسرية التي تنبأت في أحدث الدراسات الصادرة عنها بأن الصين ستصبح في العام 2009 القوة الاقتصادية الأولى في العالم بعيدا أمام ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وإذا كان البعض ينادي بإعادة النظر في العولمة، فإن المستشارة الألمانية ترى أن "مسار العولمة هو مسار تحرر"، مستشهدة بقولة للرئيس الأمريكي بنيامين فرنكلين مفادها أن "من يضحي بالحرية لضمان الأمن، سيفقد الاثنين معا". الحرية تراها - باعتبارها رئيسة حالية للاتحاد الأوروبي - تتجسد في "تحرير قطاعات مثل الطاقة والخدمات"، وهو أمر تعتبره من أولويات الاتحاد تحت رئاستها. كما ترى أن التحديات التي تواجه البلدان الأوروبية تتمثل في "تحقيق نظام تجاري حر وعادل - استقرار الأسواق المالية - الحماية من الإرهاب الدولي - ضمان التزود بالطاقة - التحكم في التغيرات المناخية وأخيرا معالجة موضوع الفقر". وبوصفها رئيسة لمجموعة الثماني، ترى ميركل أن الأولوية تتلخص في "النمو الاقتصادي والمسئولية"، أي تحقيق النمو الاقتصادي عبر طرق منصفة وتحمل المسئولية في الالتزام بتلك القواعد. وأشارت المستشارة الألمانية في كلمتها إلى أن الحل يكمن في "مزيد من التحرير للاقتصاد العالمي"، وعددت الآليات المساعدة على ذلك مثل "تعزيز تحرير قطاع الاستثمارات والمساواة في معاملة الاستثمارات الداخلية والخارجية" و "القضاء على الفوارق من خلال تعاون مجموعة الثماني"، وضربت أمثلة على ذلك في مجال صرف العملة أو في مجال التزود بالطاقة. إضافة إل ما سبق هناك "التخفيض من مخاطر الأسواق المالية وتعزيز شفافيتها" و " إعطاء دعم لحماية البيئة بتحسين وسائل التزود بالطاقة وبضمان طرق التزود"، أما الحوار الذي تقترحه باعتبارها رئيسة لمجموعة الثماني فسيكون "مع البلدان الصاعدة اقتصاديا مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا"، على حد تعبيرها. وحتى لا تترك خطابها مقتصرا على اهتماماتها كألمانية وأوروبية ورئيسة لمجموعة الثماني، تطرقت السيدة ميركل إلى وضع القارة الإفريقية وقالت: "إن السؤال المطروح هو: كيف يمكن إدماجها في الاقتصاد العالمي؟". لكن المستشارة الألمانية لم تقدم اقتراحات عملية حول كيفية إدماج القارة السمراء مكتفية بالتعبير عن الأمل في أن يتم "تعزيز المسئولية في التعامل مع الموارد الطبيعية، وتعزيز إمكانية الأفارقة في حل نزاعاتهم وفي ترسيخ الإستقرار".