سئل (حمزاتوف) العظيم عن حاله فقال: “عار على المرء أن يقول إنه معافى في مجتمع مريض” ونحن ننتمي لمجتمع يتقبل كل شيء ما عدا المفيد ويصدق كل شيء ما عدا الصدق .. مجتمع أنجب “الحراك” الذي يستطيع إشعال الوطن .. لكنه أعجز من أن يشعل شمعة .. فهو مقيد بحدود الماضي وماضي الماضي .. بحدود المنطقة والقبيلة .. مقيد بحدود الأفكار التي تجعله أقرب ما يكون إلى التوحش منه إلى الإنسان .. وأقرب ما يكون إلى سكوت الموت منه إلى الحراك .. أو كما يقول المتنبي:“وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسادهم قبل القبور قبور”.إنه مقيد بحدود المناطقية حتى ولو انتقلت إليه كل الحضارات أو انتقل إليها .. يعيش في عصر المعلومات التي يأتي بها (جوجل) “قبل أن يرتد إليك طرفك” .. ولكنه لم يتكيف بعد أو أنه لم يكتسب المناعة .. فالحدود ومحل الميلاد والأصول هي الثالوث المقدس عند الحراك .. أما (الأصول) فقد أستخدمها النازيون لتنقية الدماء الآرية .. والخوف - عند تنقية الدماء الحركية - كل الخوف أن يغدو مصير (حافة دبع) و(حافة القريشة) مماثلاً لمصير (صبرا) و (شاتيلا) بسبب (الأصول الشمالية) العبارة المقوسة للعطاس الذي ما إن فقد ما فقد حتى بدأ ينبش المقابر الجماعية التي خلفها .. كدب شتوي جائع .. فهو يستثمرها للبحث عن مرتكبين “من أصول شمالية” وعن ممولين من أصول أخرى. لكن شرف الغاية - كما يقال - من شرف الوسيلة .. وأما الحدود فقد رسمها الحراك حتى ولو كلفت كل الساكنين .. مع الاختلاف أن الأسود ترسم حدوداً لمملكتها بالتبول فقط .. وليس بالقتل وفقاً لمحل الميلاد .. كما حدث في حبيل جبر .. أما محل الميلاد فقد جعل الحراك لا يختلف عن الرجل البدائي الذي كان الميلاد عنده أشد رعباً من الموت .. فكان يذهله أن يرى المرأة وقد ولدت .. فقدسها .. حتى أنه في “عيد الخيام” كان يقدم كقربان لـ”الربة المقدسة” .. فيذبح تحت قدميها .. أما الحراك فيستطيع بالتعبئة العنصرية أن يقدم شعباً بكامله قرباناً للمناطقية التي آمن بها كأي عقيدة منزلة .. وبالتالي فإن أشد الفتاوى الإرهابية قد تنسف شارعاً .. أما الفتاوى المناطقية فقد تنسف وطناً بمن فيه..وإذا كان لكل جريمة دوافع اجتماعية أو حتى سياسية .. فإن جريمة حبيل جبر المرتكبة بدم أزرق بحق موطنين لاذنب لهم ولا جريمة .. فإنها تعيد التاريخ إلى (86) مع أن التاريخ - كما يقال - لا يكرر نفسه وإذا فعل فهو في المرة الأولى يصنع دراما جسيمة (86) أما في المرة الثانية فيصنع مهزلة (2009)..والمهزلة أن يظل الماضي يلاحقنا مثل لعنة الفراعنة .. أن يظل محل الميلاد سبباً للقتال .. وتجريم الإنسان .. أن يظل العدو هو كل من لا يولد حيثما يتكاثر الحراك .. أن تظل حرية الجريمة بديلة عن حرية الحياة وعن حرية الكلمات .. أن تظل السلطة عند كل من يفقدها تساوي الوطن والإنسان .. والمصلحة تساوي الوحدة (ليس بالنسبة لأي معارض فقط) أن تظل الهواية تساوي الهوية الوطنية والإنسانية .. أن يعود المرتكبون لإرتكاب ذات الجرائم ضد الإنسان دونما (لا هاي).. أن يظل العطاس وأقرانه فارين حتى من أي حوار وطني .. أن يعيد الحراك التاريخ بممارسة هواية الصيد عند القتلة .. كما حدث في حبيل جبر .. وبتكتيك آخر غير وضع الكراتين الناسفة عند أصحاب المحلات .. وغير إحراق المحلات .. وغير تثوير الضحايا عن طريق قتل الجيران بالهاون .. كما حدث في الحرب الأخيرة .. وإنما عن طريق إغراء الضحايا بالمناسبات السارة بعد صداقة وعيش وملح وحقد وحلاوة وقات .. وعلى حساب الضحية .. تماماً مثل (الرسامة) عند الأئمة .. وأذا طلب أحد الضحايا الصلاح قبل إرتكاب المهزلة .. شتم المعبود .. ولكن:
أخبار متعلقة