بسبب تكرار البث والتوقيت الخاطئ في أول أيام العيد
عواصم / متابعات :قال خبراء في العلوم السياسية إن انتحار عدد من الأطفال والفتيان في دول مختلفة شنقاً بعد تنفيذ حكم الإعدام في الرئيس العراقي السابق صدام حسين لا علاقة له بالوعي السياسي, وإنما بالرغبة في التقليد وبالتوقيت الخاطئ لتنفيذ الحكم, فيما أرجع متخصصون في علم الإجتماع والصحة النفسية هذا السلوك إلى "التماهي في شخصية الأب القاسي" أو إلى الحالة الرمزية التي اكتسبها صدام طوال سنوات عديدة بصرف النظر عن صواب أو خطأ مواقفه السياسية.وقال الخبير في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بجريدة الأهرام المصرية د. عمرو الشوبكي في أحاديث نشرها موقع "العربية.نت" إن سبب الظاهرة في الأساس نفسي و"لا أرى أنها تعكس أن الأطفال متعلقون بصدام أو باعتقاد ما أنه فارس أو شهيد للعروبة".واستبعد الشوبكي أن يكون هناك أبعاد أيدولوجية أو سياسية في الوعي الجمعي تدفع الأطفال للانتحار من أجل صدام, ووضع الظاهرة في إطار المشهد الذي تم بثه بشكل متكرر والتوقيت الخاطئ لتنفيذ عقوبة الإعدام وهو جزء من الخطأ الجسيم الذي ارتكبته الحكومة العراقية التي جعلت من الإعدام مشروع انتقام وثأر وليس مشروع عدالة, ومن الممكن أن يكون هذا بالإضافة إلى السب والتشفي أكثر تأثيراً في الفتيان الذين لم يتحملوا هذه اللحظات القاسية.وأوضح أن مشهد الإعدام بكل ما يحمله من قسوة جاء في يوم العيد وهو يوم فرح للأطفال, فبدا هذا قاسياً وصعباً عليهم خصوصاً أنهم لم يعتادوا رؤية هذه المشاهد في يوم العيد مما خلق حالة من الفزع والهلع الداخلي, فحتى مشاهد طلقات الرصاص التي تبثها محطات التفزيون لا تستغرق أكثر من ثوان بعكس مشهد الإعدام الذي بدا فيه صدام صلباً واستمر فترة غير قصيرة وتكرر عشرات المرات.وحول مسؤولية وسائل الإعلام, قال إنها لو لم تبث هذه المشاهد لكان الأمر جريمة مهنية, فالبث كشف واقعاً مؤلماً لما يُسمى العراق الجديد وهو واقع قائم على الثأر والانتقام, مشيراً إلى أن ما صدمه شخصياً هو حدوث هذه المشاهد وليس بثها.ومن جانبه, قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت الدكتور عبدالله الشايجي إن الموضوع ليست له أبعاد سياسية وإن انتحار هؤلاء الأطفال أو الفتيان سببه الرغبة في التقليد وحب الفضول خاصة أن إعدام صدام تمت تغطيته بشكل مكثف ومتكرر الأمر الذي ولد لدى أطفال رغبة في معرفة ماذا سيحدث للشخص عندما يوضح حبل حول رقبته.وأضاف أن الموضوع لا علاقة له بشخص صدام ولو كان شخص آخر هو الذي اُعدم وبُثت عملية الاعدام بهذه الكثافة لتصرف أطفال بالطريقة نفسها, موضحاً أن ما حدث لا يدل على إعجاب بصدام وإنما مجرد حالة من الفضول نتيجة تكرار البث الإعلامي خاصة أن الأطفال يحبون التقليد كما يقلدون "سوبرمان".وطالب الأهالي بأن يبعدوا أبناءهم عن هذه المشاهد وأن يتابعوا ما يشاهدون وأن يقوموا بتوعيتهم بمخاطر هذا النوع من التقليد, مضيفاً أنه قام بتنبيه أبنائه بعد أن سمع بأخبار الانتحار, وإنه لا يعارض تنفيذ عقوبة الإعدام حتى لو كان علنياً إذا كان القصاص عادلاً.وأوضح أن دول الاتحاد الأوروبي ألغت عقوبة الإعدام بينما تطبقها 38 ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي عقوبة موجودة في الدول العربية وبالتالي فإن لكل دولة نظامها والأمر يعتمد على ما في قوانين ودستور كل دولة.ومن جهته, قال منسق المركز اللبناني للأبحاث المجتمعية عبدو قاعي إن التماهي مع " الأب القاسي" حتى في طريقة الموت ظاهرة ليست حديثة وهي موجودة بعمق النفس البشرية, موضحاً أن صدام كانت له صورة الأب القاسي لدى البعض.وأضاف أن الأب قد يبدو في صورة قاسية جداً لدرجة أن الشخص قد يأخذ هذه الصورة ويتماهى معها في طريقة الموت, وأنه توجد حالياً "حرب صور تخلينا من قدراتنا الإنسانية", وأن الأطفال والفتيان في مرحلة المراهقة يتأثرون بهذه الصور وهو أمر يحدث كثيراً في البلدان التي يزداد فيها الطغيان.وأشار إلى كتاب "العبودية المختارة" للكاتب الفرنسي إتين دي لابويسيه وحلل فيه أبعاد النفس البشرية التي تجعل الشخص يختار العبودية حتى في صورة الأب, وإلى أن الإنسان في أعماق ضميره غير الواعي يشعر أنه قد يتملك غيره كما يتملكه هذا القائد الديكتاتور. وأكد أن العصر الذي نعيشه غير عادي على كل المستويات وفيه شحنات عاطفية تملكت النفس البشرية وتؤدي إلى سلوكيات اجتماعية غير عادية, و"نعيش فترة عدم توازن قيمي تؤدي إلى أشكال معينة من التعبير, وأن الجميع مسؤولون عن هؤلاء الأطفال والفتيان الذين انتحروا.ودعا إلى إعادة بناء المجتمعات بعد أن أخطأ الجميع شرقاً وغرباً, ففي الشرق سادت الديكتاتوريات وفي الغرب لم تستعمل الديمقراطية في المجال الصحيح ودعموا تشريد الشعب الفلسطيني ووصل الجميع شرقاً وغرباً إلى مرحلة صعبة جداً.وقال أستاذ الطب النفسي في جامعة بيروت العربية د. جمال حافظ إن صدام كان رمزاً ليس بالمعنى الإيجابي أو السلبي ولكن بالمعني الكيفي فالأطفال يسمعون عن صدام منذ سنوات بصرف النظر عن الصواب أو الخطأ في تصرفاته أو سياساته, فقد ظهر صدام أحياناً بصورة سلبية (المجرم) وأحياناً أخرى بصورة البطل القومي وهذه الرمزية تترك أثاراً في نفسية الطفل.وذكر أن ما يزيد من تأثير الحالة الرمزية أن الأطفال في العالم العربي لا يجدون في الغالب من يوفر لهم التربية النفسية, فالطفل يسمع من الكبار ومن التلفزيون عن صدام الأمر الذي شكل حالة رمزية دفعته لتقليد العمل الذي حدث (الشنق), متمثلاً في عقله الباطن فكرة الفداء, وكأنه مفدي لهذا الإنسان, وأن الناس ستتحدث عنه كما تحدثت عن الرمز (صدام).وأضاف أنه يوجد عامل آخر وهو رد الفعل الناتج عن ما سمعه الطفل من تنديد باعدام صدام بهذه الطريقة خاصة أن التنديد لم يقتصر على الدول العربية بل امتد إلى دول غربية وحتى بريطانيا انتقدت ماحدث, وبالتالي جاء الانتحار كرسالة إلى من يهمه الأمر بأن إعدام الحالة الرمزية لها أبعادها ومنها انتحارهم.وأشار حافظ إلى أن ما قاله بعض المحللين لعب دوراً في زيادة ارتباك الشارع العربي الذي يعيش حالة متناقضة بعد أن شعر كثير من الناس أن الهدف من محاكمة صدام هو إعدامه وإبراز الإعدام بطريقة معينة, وإلى أن صدام أصبح رمزاً ليس بمعنى المثال الذي يجب أن يحتذى به, لكن بالمعنى الرمزي الآني في وقت تفتقد فيها الأمة لرموز, وبذلك جاء رد الفعل من الطفل.وقال إن البعض عبر عن رمزية صدام بمقالات أو تعليقات أو مجالس عزاء أما الصغير البرئ فعبر عن ذلك بتقليد الرمز شنقا.وأكد أن مايحدث في العراق منذ دخول الأمريكيين بغداد والفوضى التي تشهدها البلاد وغياب البرامج الجديدة لايمكن أن تفرز إلا العنف ثم العنف, خاصة أن كثيراً من المواطنين العرب تحت قهر الأنظمة, وأنه إذا كان البعض يرى العراق كمشكلة سياسية وعسكرية أو نفطية فإن الحالة العراقية من زاوية التحليل النفسي في حاجة إلى جيلين أو 3 أجيال لكي تعود إلى الوضع الطبيعي كشعب يعيش مع بعضه البعض على أن يبدأ العمل على علاج هذا الوضع من الآن.