مساء الأربعاء ربما عند الثامنة لا ربما أقل بدقائق أو أكثر.. الهواتف المنهالة من كل الزملاء.. حركة غير عادية.. وخبر أفجعني وشل قواي “نجيبة فعلت حادثاً كبيراً، ثم تلاه خبر مؤكد “ نجيبة ماتت”.. هاتف يرن وآخر يغلق ثم يعاود..تراكمت أكوام المكالمات والحقيقة الماثلة أمامي.. أنك رحلتِ.. بل ولن تعودي.. كيف.. لا تهم التفاصيل؟؟!!ماذا أفعل؟ أين عبد الرزاق؟ ابحثوا لي عنه.. مكالمة أخيرة من الأستاذ سيف صالح ابلغته الخبر.. وقام بالمهمة كاملة.. ثم عاد ليلتها ليؤكد لي حقيقة أنك رحلتِ ولن تعودي.وسرى الخبر ليلتها.. وكلمات تطن في أذني الحادث.. ماتت.. وضعت في الثلاجة.. انتظار قدوم أختها من صنعاء.. سرى الخبر سريان النار في الهشيم وتجاوز عدن وتخومها.. إلى صنعاء.. قعطبة .. الخارج..وأتت صنعاء.. وقعطبة ورجالاتها واكتظ عشك الزوجي الجميل بالناس رجالاً ونساء رغم كل هذه الجموع بدا العش مهجوراً لأن عصفورته قد طارت.. إلى أين.. لا أدري.. تركت أليفها فارقت صغارها..!! يا وجعي لأنك لن تعودي.الصحف والتعازي ومجالسه ورجاله ونساؤه.. كباراً وصغاراً.. التشييع، الجنازة.. الدفن.. ذلك كله يزكي ويؤكد الحقيقة المرة التي يغص لساني بها ويلتهب صدري اشتعالاً أنك رحلتِ ولن تعودي.. لن تعودي تملئي الدنيا ضجيجاً.. «هون» السيارة تستعجلين نزولي من شقتي.. الهواتف المستعجلة تهاتفيني دائماً مستعجلة.. وعتابات على كل صغيرة وكبيرة بحساسية إنسانية مفرطة.. وأحياناً ضحكات رنانة بقي صداها في خاطري وابتسامة المحيا.. وبريق السن.. وبراءة الشغب.. كلها معك رحلت..حملت هموم الأسرة باكراً حيث رحلت والدتك.. أصبحت أماً وأنت وردة في مطلع الصبا لم تتفتح أكمامها بعد.. ورعيتهم بعينيك وقلبك وفرحت بهم عند أعراسهم.. ثم أشرفت على مرض الأب لسنين بحرص ورعاية حنونة.. حتى رحل وكنت معك في كل هذه المحطات.. فلان مرض من الأسرة وفلانة ستلد لا أستطيع تركها وو...!!سلسلة من المشقات والهموم حملها كاهلك الغض.. ما أروعك وما أروع بطولاتك في معاركك مع الحياة..!!بعد كل هذه العطاءات.. فجأة رحلتِ والكل ما زال بحاجة إليك يا أم جهاد.. جهاد لم يكمل السابعة من العمر بعد.. بربك لماذا رحلتِ.. لتؤلمي قلبي الذي هراه الألم وأهرمته الفواجع.. لم يبق منك سوى صفحة أمامي تحمل سطور النعي وأنت بابتسامتك المشرقة تطلين فوقها.. ليتك تعلمين مابنا من جراح لفراقك..أقصى الأماني لقلبي البائس المكلوم أن تبلغي أعلى درجات النعيم عند الباري في سمائه.
أخبار متعلقة