أضواء
حصة محمد آل الشيخ :قبل حركة مفتي الجهل جهيمان كان الغناء يصدح في البيوت، ويتلذذ الجميع بنغمات الموسيقى، فتنساب النفوس كعذوبة المنى في ليل الدجى الساطع بأنواره حاملاً على مجراته السهارى يبثهم في فضاء السماء يبنون قصور الأحلام بالحرية والخيال وروعة الرؤى، فتتعلق بأهداب النجوم نفوس تتقاسم الوجد وترسمه صورا بين الإقامة والسحابية،وبين الانغماس والضبابية، تنوع يزهو ويهدأ ،يدنو ويعلو، ويسبح بين شط وجزر في آماد لا تنتهي روعتها إلا على صحو أقلق الدجى فاضطر توقفاً،ليعود يهدأ من خلاله ويشرب الكأس من جديد.كان الغناء الموسيقي ينعكس رقة وجمالاً ويزهو المرء به طارحاً توترات روحه وظروفه بل وكان معيناً على الشفاء من العلل ،فيلقى الناس وقد هدأت روحه واستكان صفوه وتعالى نفس قابليته بهجةً،عالجت الموسيقى ما لابس داخله فغسلت درن نفسه وثياب قلبه وألبسته حلة الحب والبشر والصفو، وسمت رقة الإحساس لديه فعفا وأحب وانضوى تحت ظلال السكينة واللين واللطف، والحكمة المنساقة عبر أبيات شاعر رقيق نقلها فنان حساس على وتر رنان تشنف له الآذان وتستسيغه الأذهان وتألفه الأفئدة.ومنذ تلقينا تعليمات جهيمان وتم تفعيلها بخروج جنود”الغفوة” المرعبة والقاتلة للجمال والإحساس ،أسكنت النفوس مشاعر الكره وأمرت بإيقاف ناموسٍ طبيعي عبق كالسحر،لتختفي موسيقى العزف ،وتهبّ كاسيتات الصراخ المسكون بالويل والثبور على من يمارس لهو الطبيعة ويلهو ببراءة الغناء ويستمع لآلة العزف والأوتار، ليجبرونا على تخيل العالم مجردا من لغته.إن تجريد العالم من الموسيقى شبيه بتجريد الكرة الأرضية من الهواء والماء، وسيمفونية المطر ولمس الزهر وشم العبير وإلف القمر ووشوشة النسيم،وسحر الأمل. يقول نيتشة” الحياة بلا موسيقى تعب ومنفى”ويعلن بيتهوفن أن”الموسيقى أعلى من كل حكمة وفلسفة”،لنتخيل أنفسنا نستمع لمعزوفة على عود زرياب الذي أضاف لأوتار العود وتراً آخر ،رقق به جفاة العرب وأعادهم لألق الحياة ورونق الطبيعة. إن القوانين الموسيقية اكتشفها الإنسان من الطبيعة ،فهل ارتكبت الطبيعة حراماً؟! هاهي تسرح وتمرح بلا آنكٍ يصب على الشجر ولا مسخ يصيب الزهر ،ولا خسف للأنهار ولا انهيار للجداول والبحار؟!!الحياة مسرح موسيقي عظيم ،فعندما تتوقف الأنهار عن الجريان وتكف الأرض عن الإنبات بلا موسيقى هامسة لمولدها، ويطرد الليل أقماره ونجومه التي تعزف نغمات الأحلام تصبح الحياة خرساء.لنحيي أسرار النغم لهرم الأغنية السعودية محمد عبده في المقال القادم. [c1]*عن / جريدة ( الوطن ) السعودية[/c]