لا تزال المغارة التي شهدت ولادة بنات أفكار ابن خلدون، الواقعة في مدينة فرندة بولاية تيارت غرب العاصمة الجزائرية، شاهدة على كتاب “المقدمة”، وأولى الأفكار عن عصبية الإنسان العربي التي أبهرت العالم في علوم السياسة والاجتماع والعمران.فعندما شرع عبد الرحمن بن خلدون في تأليف “المقدمة” كان مطاردا من ملوك تلمسان، ما دفعه للجوء إلى المغارة التي تبعد 350 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية للحفاظ على حياته.وكما صمدت نظرياته عدة قرون، بقيت المغارة التي احتضنت “الأب الروحي” لعلم الإجتماع صامدة في جنبات قلعة بني سلامة، التي تنتصب في مكان مرتفع يسمى اليوم “تاومغزوت”.يوجد على باب المغارة شخص يحرس المكان من عبث الغرباء، ما ساعد في محافظة المغارة على وهجها رغم عدم وجود شواهد وآثار، لكن السكان المحليين بفرندة وما جاورها يعرفون كلهم أن المغارة هي “بيت” عالم الاجتماع ابن خلدون.[c1]مصدر إلهام “المقدمة”[/c]ويحكي سكان فرندة بتيارت بافتخار عن إقامة ابن خلدون بينهم مدة 4 سنوات كاملة (1379-1375 ميلادية)، قضاها في كتابة الجزء الأول من “المقدمة” وكتاب “العبر”.وخلال تلك المدة حظي ابن خلدون بحفاوة بالغة من سكان قلعة بني سلامة الذين منحوه قصرا، لكنه آثر الخروج إلى المغارة، التي حملت اسمه فيما بعد، بحثا عن الإلهام والسكينة.ويعرف القليلون أن ابن خلدون استقر في قلعة بني سلامة هرباً من ملوك تلمسان (أقصى غرب الجزائر) الذين أرسلوه في مهمة نحو بسكرة، والحقيقة أنهم أرادوا به كيدا، وهو ما جعله يتوقف في تيارت، وتحديدا في بني سلامة، التي لقي فيها الحماية والضيافة. [c1]المغارة من الخارج [/c] وكانت المغارة مكان خلوته المفضل على مدى أربع سنوات، هربا من عيون ملوك تلمسان، بحسب ما كشف عنه الدكتور عمار محمودي، أستاذ الأنتربولوجيا واللسانيات بجامعة تيارت.والظاهر أن “نفسية ابن خلدون المضطربة هي التي أثرت فيه وساهمت في ميلاد كتاب “المقدمة” الذي يحكي في بعضه عن علاقة الحاكم بالمحكوم”، بحسب المتحدث.ويقول محمودي، الذي يتكفل بتنظيم زيارات دورية لمغارة ابن خلدون، إن الشغوفين بفكر هذا العلامة يأتون لزيارة هذه المغارة “وتجدهم لا يكلّون من أخذ الصور التذكارية داخل المغارة وفي قلعة بني سلامة حيث أقام”.ويأتي الطلبة من جامعات أوروبية يدرسون علم الاجتماع الخلدوني، وكذلك يقصدها باحثون من سوريا ولبنان، فضلا عن طلبة المدارس الجزائرية.وقد راسل المحمودي السلطات لتحويل مغارة ابن خلدون إلى “مركز تاريخي وسياحي” يكون بمثابة قبلة الباحثين عن آثار العلامة ابن خلدون.