تواجه المرأة المثقفة أعباء عديدة في المجتمعات العربية. فمازالت نظرة المجتمع العربي للمرأة بشكل عام وللمرأة المثقفة بشكل خاص تتسم بقدر كبير من الدونية وعدم التقدير. ودائما ما يتم الحديث في الكتابات العربية عن المثقف العربي، بما تنطوي عليه هذه الكلمة من توصيفات كثيرة.. مثل المثقف الثوري أو المثقف اليساري أو المثقف الليبرالي أو المثقف الإسلامي، إضافة إلى تلك التوصيفات التي ترتبط بالجانب الأخلاقي المرتبط مباشرة بالممارسات اليومية مثل المثقف الانتهازي أو الوصولي أو المنافق أو المرتبط بالسلطة.وترتبط هذه التوصيفات مباشرة في الأدبيات العربية بالمثقف الرجل اللصيق بالسلطة وبالمكاسب المرتبطة بها، بدون أن تتضمن المرأة المثقفة والأدوار المختلفة التي تقوم بها. ولم يعد ذلك التركيز على المثقف الرجل صالحا الآن في ظل تلك الأعداد الغفيرة من المثقفات العربيات.فواقع الثقافة في العالم العربي يكشف عن أعداد متزايدة من المثقفات العربيات في كافة المجالات مثل التدريس الجامعي والكتابة الصحفية والإبداع الفني والأدبي ومجالات النشاط السياسي والحقوقي المجتمعي. وتحتاج وضعية المثقفة العربية إلى العديد من الدراسات التي يمكن من خلالها الوقوف على مدى التقبل الاجتماعي لها ولممارساتها المختلفة.فالصورة التي يرسمها المجتمع في العالم العربي للمرأة بشكل عام هي تلك المرأة الوديعة الساكنة الهادئة بالغة الحياء والخضوع للهيمنة الذكورية والمجتمعية. وهي صورة تتعارض بدرجة أو أخرى مع بديهيات الثقافة القائمة في جوهرها على التغيير والنقد والتمرد. من هنا فإن المرأة المثقفة، وبشكل خاص تلك التي ترغب في التعبير عن ذاتها والخروج عن الأطر الاجتماعية الراكدة والمتعارف عليها، تواجه العديد من الأعباء والمشاق.فهي تواجه نسقا اجتماعيا رافضا لخطابها الناقد، ولا ينبع هذا الرفض في جوهره من ضعف خطابها وقلة حيلته، بقدر ما ينبع في الأساس من تصور قاصر لها بوصفها امرأة تحمل كيانا بيولوجيا مخالفا لكيان الرجل وتصوراته المهيمنة.وحتى إذا ما تم استحسان خطابها فإنه يتم توصيفه بكونه خطابا أفضل من خطاب الرجال أنفسهم. لا يتم تقييم المرأة المثقفة هنا بمرجعيات مجتمعية عامة تشمل الجنسين، بقدر ما يتم تقييمها واستحسانها بالقياس لوضعية الرجل ومستوى أدائه.فالمرأة الجيدة تضارع الرجال وتتجاوزهم، وربما تحرجهم بما تقوله، من حيث أنها استطاعت أن تقول ما لم يستطيعوا قوله؛ فهي امرأة بألف رجل كما يقول العامة. وتواجه المرأة المثقفة واقعا مزدوجا من حيث الانبهار بما تكتب أو تقول أو تصرح من ناحية ومن حيث رفضه والحط من شأنه من ناحية أخرى.فالبعض يسعده ما تقول المرأة المثقفة ويتداوله لكنه لا يقبل الاقتراب أو التعامل مع ذلك النوع من المثقفات من ناحية أخرى. كما أن البعض الآخر قد يسعده ما تقول بدون أن يعلن عن ذلك صراحة، ناهيك عن تأييده لها. وربما تظهر تلك الازدواجية الحادة بالنظر لوضعية الكثير من المثقفات اللاتي لا يقبل المثقف العربي الاقتران بهن، ناهيك عن فشل العديد من تلك الارتباطات.فالنظرة التي تنطوي عليها الذكورية العربية بالنسبة للمرأة تبرز في أشد تجلياتها وضوحا عند التعامل مع المرأة المثقفة، حيث تبرز أشد المقولات تخلفا، مثل رفض دخول المرأة في الشأن السياسي، أو الكتابة الإبداعية الصادمة للواقع الاجتماعي، أو المشاركات في الأنشطة والممارسات السياسية المباشرة. وفي هذا السياق يحمل الواقع الاجتماعي رؤى شديدة التخلف تنادي بعودة المرأة للبيت وعدم تدخلها في الشؤون الرجالية الأكبر من حجمها وموضوعاتها البيولوجية القاصرة من وجهة نظرهم.إن دخول المرأة حقل الممارسات السياسية على وجه الخصوص، وخصوصا المرأة ذات الأهداف والمبادئ النبيلة والجادة يفضح بدرجة كبيرة المجتمع الذكوري. فهي من خلال خطابها النقدي للواقع الاجتماعي والسياسي تفضح مستويين بالغي الأهمية، أولهما النظام السياسي المهيمن، وثانيهما واقع المثقفين الذكور، وارتباطهم بالنظام السياسي واستفادتهم منه.فالمرأة لم تسهم في فساد المشهد الثقافي والسياسي مثلما أسهم الرجال، ويعود ذلك إلى حداثة التحاقها بتلك المجالات في الكثير من الدول العربية. فهي لم تتلوث بعد بالدرجة نفسها التي أصابت البنية الذكورية، إلى الحد الذي يمكن معه القول إن الفساد في جوهره ذكوري أكثر منه أنثوي.من هنا فإن المرأة تقتحم الواقع الاجتماعي والسياسي بنقاء يفتقده المجتمع الذكوري. وهو الأمر الذي يؤدي في الكثير من الأحيان إلى ذلك الرفض الحاد والعدواني لما تقول به وتحث عليه. كما إن المرأة مازالت في الكثير من الأنظمة العربية بعيدة عن التعرض لآليات القمع ذاتها التي يتعرض لها الرجال،وهو الأمر الذي يوفر لها حصانة مسبقة تساعدها على قول ما لا يستطيع الرجال قوله. ورغم ذلك فالمرأة قد أصبحت بحكم أنشطتها وممارساتها الزائدة والمتواصلة أكثر عرضة هذه الأيام لذات القمع الذي يواجهه الرجال.وإذا كانت بعض الأنظمة العربية تمارس قمع وسجن النساء، فإن البعض الآخر لم يصل لهذه المستويات القامعة، وهو الأمر الذي يحمد لها، ونتمنى أن تستمر عليه. ومن أبرز الجوانب الاجتماعية رفضا للمرأة المثقفة تلك التي تأتي من ذويها وأقربائها.فالزوج لا يقبل بزوجة ترتاد أقسام البوليس أو تذهب للمعتقلات، كما أن الأسرة تدين الابنة التي تشارك في التظاهرات أو تكتب رواية تنتقد من خلالها الواقع الاجتماعي، ناهيك عن الكتابة التي تفضح من خلالها البنى الباترياركية المهيمنة. حيث يتم تحميلها وزر أفعالها بدون أن يتم توجيه أية اتهامات للواقع الاجتماعي أو للسلطات المتنفذة.لقد أصبح وجود المرأة المثقفة أمرا واقعا يصعب تجاوزه أو التقليل من شأنه أو الحط منه، وعلى المجتمعات والأنظمة العربية أن تقبل ذلك وتشجع عليه وتتفاعل معه. كما أن على المثقف الرجل أن يقبل ذلك الوضع أيضا وأن يعي أنه والمرأة المثقفة على السواء في قارب واحد ومسيرة واحدة، إما أن يصلا معا أو.... [c1]عن / صحيفة (البيان) الإماراتية [/c]
أعباء المرأة المثقفة
أخبار متعلقة