ترجمة مدرس/ طارق السقافكلية التربية/ صبر/ قسم اللغة الإنكليزيةكان تشالرز وماري من عائلة فقيرة، ولكن الفتى تشارلز (1775 – 1834) كان قد تحصل على فرصة للتعليم أفضل من أخته الكبرى ماري (1764 – 1847)، وكان أسلوبه في الكتابة أفضل، وقد ساعدته وظيفته ككاتب في شركة مرموقة لتصدير البضائع من الهند في تحسين مستوى أسلوبه في الكتابة، ونتيجة لمقالاته الأدبية والشخصية ذات المستوى الرفيع في الصياغة أصبح كاتباً معروفاً. كما كان صديقاً لعدد من الأدباء المشهورين في عصره مثل شاعر الرومانسية الأول الإنكليزي الكبير وليم وردزورث وكذلك الشاعر كالاردج. أما أخته ماري فقد كان من الواضح أنها مثقفة ثقافة غير عادية بالرغم من مستوى تعليمها المتواضع بالمقارنة مع أخيها. وقد عملت كخياطة للسيدات، كما أنها كانت تعاني من بعض المشكلات العقلية بالوراثة التي سببت لها الكثير من المآسي، ففي إحدى المرات ارتكبت ماري جريمة دون وعي منها وذلك لقتلها والدتها، وقد عمل أخوها الكثير لمساعدتها، فقد قرر بعد تلك الواقعة الأليمة أن يعتني بأخته ويتكفل بها وتعهد بأن يكون مسؤولاً عن تصرفاتها وذلك حتى ينقذها من تمضية بقية حياتها في مستشفى للمختلين عقلياً، وقد وفى تشارلز بوعده قائلاً : " إنها أختي وصديقتي ولن أتخلى عنها أبداً جنباً إلى جنب أشترك الاثنان في تأليف الكتب القصصية الخاصة بالشباب وكذلك الشعر، ولكن أشهر كتاب عكفا على صياغته هو كتاب " حكايات من شكسبير " عام 1807م، وهو عبارة عن مجموعة من المسرحيات للمسرحي الإنكليزي العظيم وليم شكسبير ولكنها بصورة قصصية أكثر تبسيطاً من تلك اللغة التي دأب شكسبير على كتابتها قبل أكثر من خمسمائة عام والتي كانت – بالرغم من جمالها الأخاذ – صعبة بالنسبة للقارئ العادي. ففي بداية القرن التاسع عشر برزت وبقوة فكرة عبقرية شكسبير وأنه أعظم شخصية أدبية في تاريخ الأدب العالمي كله وتتجلى عظمة هذه الشخصية الأسطورة بأنها في جميع أعمالها الأدبية تغوص وبعمق في أعماق الشخصية الإنسانية وتحلل هذه النفس تحليلاً أدبياً مثيراً للدهشة، وكان تشارلز من مؤيدي هذه الفكرة بل إنه كان يعتقد بأن عظمة شكسبير تتجلى بوضوح في الأثر العظيم الذي تتركه أعماله لدى القارئ لمسرحياته أكثر من مشاهدها على المسرح ومن هنا ظهرت الحاجة عنده لإعادة صياغة أعمال شكسبير بصورة قصصية سردية مبسطة حتى يطلع عليها العامة.في تلك الفترة كان من النادر جداً أن تشاهد مسرحيات شكسبير دون تحوير أو تحريف، وبالتالي فإن القصص التي كتبها كل من تشارلز وأخته ماري كانت قريبة جداً من المسرحيات الأصلية للمسرحي العظيم، بل انه في بعض الأحيان كانا يقومان باقتباس عبارات من النص الأصلي، وفي أحيان أخرى يقومان بحذف بعض العبارات التي يريان بأنها معقدة وصعبة الفهم للجمهور. وهذه المسرحيات التي قاما بصياغتها وتحويلها إلى قصص كانت : العاصفة، الليلة الثانية عشرة، وحلم ليلة صيف، جعجعة بلا طحين، كما تهواها، تاجر البندقية، ماكبث، حكاية شتاء، الملك لير، ترويض الشرسة، روميو وجولييت، هاملت أمير الدانمرك وأخيراً عطيل.يميز هذا الكتاب – حكايات من شكسبير – وبصورة مباشرة الشخصيات الخيرة من الشخصيات الشريرة، بمعنى أنه يصور صراع الخير والشر بصورة مباشرة بدلاً من التركيز على تفاصيل دقيقة لما تفعله كل شخصية، كما أن شخصيات القصص موضوعة بصورة مباشرة للقارئ ولا مجال فيها للتخمين فمثلاً في قصة " تاجر البندقية " يتم وصف شخصية شايلوك اليهودي بصورة مباشرة مثل ( عديم الرحمة، قاسي القلب، ومتحجر الفؤاد ) بينما وصف بطل القصة التاجر أنطونيو بجميع صفات الطيبة والكرم، كما أن طريقة وصف شخصية اليهودي شايلوك وما يقابلها في شخصية التاجر أنطونيو انعكاس لعلاقة اليهود بالمسيحيين في ذلك العصر التي صورها شكسبير ببراعة فائقة.كما أنه من الطريف القول بأن بعض شخصيات هذا الكتاب تخدع الشخصيات الأخرى بطرق عديدة، منها مثلاً أن تتظاهر شخصية بصفات بعيدة عن صفاتها الحقيقية كما في ( تاجر البندقية، كما تهواها، الليلة الثانية عشرة )، وفي أحيانٍ أخرى عن طريق خطة جماعية لمجموعة شخصيات تخدع شخصيات أخرى كما في (جعجعة بلا طحين)، وفي أحيان أخرى تستخدم فيها السحر إما عن طريق قوى بشرية كما هي الحال في شخصية بروسبيرو في (العاصفة) أو عن طريق قوى خارقة غير بشرية في سبيل الخير كما في ( حلم ليلة صيف ) أو في سبيل الشر كما في (ماكبث). كما أن بعض نهايات قصص هذا الكتاب تنتهي نهاية سعيدة وبعضها الآخر ينتهي بنهاية مأساوية، ولكن في جميع الأحوال تظهر الحقيقة جلية في نهاية كل قصة وتمتاز أيضاً بعودة الحق والعدل، وهذه من ضمن أهداف تشارلز وماري لامب أثناء كتابتهما لقصص هذا الكتاب الرائع بحيث أراد أن يعلما الشباب – من خلال هذا الكتاب – أنه مهما طغى الخداع وساد الغش في المجتمع فإن الحق والعدل سوف ينتصران في النهاية.وبدوري سأحاول – إن شاء الله – ترجمة قصص هذا الكتاب برؤية مختلفة حتى يتسنى للقارئ معرفة طبيعة فكر هذا المسرحي النابغة شكسبير، وأتمنى من الله أن تنال ترجمتي إعجاب القارئ واستمتاعه.
|
ثقافة
تشارلز وماري لامب وحكايات من شكسبير
أخبار متعلقة