لا شك في أن التغيير هو سنة الحياة وجوهرها - وعنصر أساسي ملازم للحياة،بل وللوجود ككل،ولولا التغير واستمرار دورة الأفلاك ما رأينا تغير الأحوال وتبدلها،ومع أن التغيير قد يكون أحياناً إلى الأسوأ فإنه يرتبط في الأغلب في ذهن الإنسان بإحراز التقدم،كما أنه يشير ضمناً إلى رفض الواقع والتمرد عليه والرغبة في الوصول إلى الأفضل.ولقد كان مفهوم التقدم في فترة من الفترات فلسفة للحضارة من منطلق إلى التغيير يؤدي بالضرورة إلى الإرتقاء بالشأن الإنساني.لقد أصبح من الأهمية بمكان الاقتناع بأفضلية التغيير البطيء المدروس الذي لا يقفز فوق الواقع اليمني وقيمه الاجتماعية وثوابته الوطنية،لأنه ثابت ومستمر.وانطلاقاً لما حل بنا من تجارب فكرية وتحولات اشتراكية اعتباطية مفاجئة في السبعينيات من القرن الماضي تجاوزت خصائص المجتمع اليمني وظروفه الاجتماعية وثقافته وقيمه الأخلاقية والإنسانية وثوابته العقدية والوطنية بقصد التغيير السريع في بنية الحياة الاجتماعية وفي مجرى التحولات الفكرية والثقافية والتنموية،والمناداة بالثورة على نسف كل الموروثات القديمة المتأصلة في تقاليد وقيم المجتمع اليمني وثقافته الوطنية والحضارية،ولم يكن هناك من يؤمن بإصلاح ما يمكن إصلاحه من تلك الأوضاع الموروثة تاريخياً عبر السنين بالتدرج والتمهل،ولذلك لم نحصد سوى الريح،بل جلبت لنا المتاعب والويلات ما كنا في غنى عنها.وما تلك الحرب الأهلية ونتائجها المأساوية في13يناير1986م إلا خير دليل يؤكد على ماوقعنا فيه من أخطاء فادحة في مسار توجهاتنا الاشتراكية وعقيدتنا السياسية الجارفة من تجاوز حقيقة واقعنا اليمني وخصائصه الاجتماعية والثقافية في التغيير السريع مما أوقعنا في مطبات سياسية خطيرة ومحظورات اجتماعية الأمر الذي أدى إلى تغييب الديمقراطية،والاقتناع بأسلوب الحوار الوطني،وتقبل الرأي والرأي الآخر،في تسوية تلك الخلافات السياسية والتنظيمية،والتسليم بالعودة إلى الحق وإصلاح ذات البين،والقيام بإصلاحات جذرية تتماشى مع سياسة الانفتاح في علاقاتنا الدولية مع دول الجوار والعالم بما يخدم مصالح الوطن العليا والمواطنين.وعندما نعود لنستخلص دروساً من تلك المأساة التي كانت في بداية تمزقنا الوطني والسياسي والاجتماعي،وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك - أن جسمنا لم يكن في بعض أجزائه سليماً ولا محصناً،فانفلت شيطان(الحرب الأهلية)البشع في أجزاء متعددة من هذا الجسم،بأسماء وشعارات مختلفة،ولكن بنفس الآلية،وبنفس الأسلوب.وإن كان ثمة دروس مستفادة من تجربتنا السابقة الدامية،فهي كالتالي،بحيث نضعها دائماً نصب أعيننا:1- احترام التنوع وحق الآخر في القول والتعبير في إطار الواحد،فالتنوع موجود في أقطارنا العربية،ويمكن أن يكون مصدر إثراء وانفتاح حضاري إن تمت صياغته بشكل ديمقراطي سليم،لأن تجاهل هذا التنوع ومحاولة إلغائه أو القفز عليه يقود حتما إلى حرب أهلية تبدأ كلامية ثم تنتهي بالسلاح.2- إن تغييب العامل الخارجي مثله مثل إهمال الداخل،خطأ فادح ينطوي على مخاطر جمة،فلا عداء ولا تبعية للخارج مع إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار.3- أثبتت التجربة بين الفرقاء المختلفين والرفقاء المناضلين في الخندق الواحد بكل وضوح أن لا رابح في الحرب الأهلية،بل كل الأطراف خاسرة والخاسر الأكبر هو الوطن،كما أظهرت الحرب أنها تبدأ بصراع بين متناقضين،وتنتهي بصراع أكثر شراسة بين متنافسين من الجماعة الواحدة؟،فهي تلتهم نفسها بنفسها.4- تكشف الحروب الأهلية بوجه عام إنها تبدأ في ميادين الثقافة والتربية والإعلام وتتخذ لها متاريس دفاعية قبل أن تبدأ في الميدان العسكري،وهذا يؤكد أن ثقافة الفتنة تولد قبل أن تولد الفتنة نفسها،فالرؤية الأحادية للهوية كثيراً ما تنطلق من جهل لتقود إلى جهل أشنع.5- أن التوازن بين الدولة والمجتمع المدني يعزز آليات الدولة،والتوازن في العلاقات مع الجوار يعزز التعاون من دون تعالٍ أو أطماع.6- ليس هناك أفضل ولا أرقى من أسلوب الحوار الوطني الموضوعي الصادق في تسوية الخلافات السياسية بين الفرقاء في القضايا الوطنية والسياسية،شريطة الإيمان بقيمة هذا الحوار والاقتناع بنتائجه المثمرة،والمدعومة بحجج دامغة ومنطقية لصالح الوطن واستقراره وتقدمه.7- علينا أن نستوعب درساً مهماً من حروبنا الأهلية السابقة هو أن لا حل بالاعتماد على قوة أجنبية في حل مشاكلنا الصعبة التي قد تعانيها بلادنا(فلا يحك جلدك مثل ظفرك)كما يقول المثل الشعبي.8 أن الحروب الأهلية لا تخلف إلا الدمار والخراب،وتمزق وحدة القوى الوطنية الداخلية،وتخلف تركة مثقلة من المخاوف والقلق والتوتر في نفوس الشباب.9- لا يوجد شيء أسمه حسم عسكري في معالجة الحروب الداخلية،فالحسم وإن تم فهو مؤقت لأنه يبذر في التربة الوطنية بذور حربٍِ أخرى.ترى،أليس من حق الأجيال علينا أن نجنبهم تلك الجروح التي نزفت طويلاً من جراء الحروب الأهلية،وأن يستوعبوا دروسها القاسية،بحيث لا يكررون أخطاءها في المستقبل؟أرجو ذلك من كل قلبي.
|
اتجاهات
التغير البطيء خير من السريع..لماذا؟
أخبار متعلقة