رحلتي مع المسرح
[c1]حواءتسبق (أبولو) الى لقاء الفتاة [/c]وقفنا في نهاية الحلقة السابقة رقم (208) المنشورة في صحيفة (14أكتوبر) الغراء يوم الأربعاء 3/5/2006م. عند دعوة (أبولو) لحاشيته للنزول الى الأرض حيث دار الفتاة ، ويخرج الجميع وتخرج معهم الحورية الجميلة حبيبة الشاعر المنبوذ ، ويبدأ المشهد في الغرفة المظلمة من نفس المنزل المهجور الذي أوت اليه عشيقة الشاعر ، وتظهر الفتاة وقد تقرحت عيناها ، وتغيرت سحنتها ، وهي تذرع الغرفة طولاً وعرضاً ، وتتحدث الى نغسها قائلة : زعموك مجرمة وفي أعمالهم * ماليس تمحوعاره الأمواج * نسبوا إليك أثامهم فكأنما * هم في الطهارة كوكب وهاج * كلٌ يلوِّث راحتيه وينثني * لايردعَنَّ ضميره إحراج * لا تطمئن الى خداع متيم * قلبي ! فليس لما دهاك علاج * [c1]صحوة ضمير :[/c]من هذا الحديث مع النفس الذي انطلق به لسان الفتاة يؤكد لنا المؤلف علي لقمان يرحمه الله أن الضمير لا يموت في الإنسان ، وأنه مهما ارتكب من ذنب صغيراً كان أو كبيراً ، يظل الإحساس بالذنب يؤرقه ، والإصرار على أن يدفع عن نفسه تهم الآخرين وعيبهم عليه يشغله دوماً حتى آخر لحظة من حياته ، ويستمر في الدفاع عن نفسه وتبرئتها والقاء اللوم على الآخر حتى لو انقطعت صلة الناس به وأصبح منبوذاً بسبب جرم ارتكبه وشانوه عليه ..[c1]ثم تسمع الفتاة حركة متقدمة نحوها فتقول :[/c]أحس خطى ؟ من ترى قادماً ؟ * وأسمع همهمة لا تقف * إذأ شبح الموت ؟ ياليته * أم الشرف المنقضي ؟ ام صدف * أم الولد أنبعثت روحه؟ * أم الفن كالسارق المحترف * (تتحسس قلبها) : أم القلب يخطو إليّ كما * يسير إمرؤ مجرم يعترف * أم الوهم أم ندم لم يزل * إذا ماتناسيته لايكف * تقاذفني في الظلام الخطوب * ولم يبق شيء يعيد الشرف * (يشتد الخطو ويقترب فتقول ): يقترب الصوت، ياليته الموت ! * ( ترى شبحاً آدمياً فتفزع وتحاول الأستفادة فتصيح ) : واولداه ! فاجأ الأعداء **ويا نصيري أنت لي الرجاء **وهنا تكون (حواء قد سبقت ( أبولو) وحاشيته لمقابلة الفتاة ، فتسمع حواء تقول ساخرة منها): لوعاش أيقظه صوت تبينه ** وقد تجنبك الأعوان في القسم * لكن قضى فقضيت العمر واحدة ** وكان ما كان من وجد ومن ألم **[c1]الجدل المتجدد عنصر هام في المسرحية :[/c]ولما كان الموضوع الجيد لقصة أو مسرحية لا بد أن يكون متماسك الربط ، متواصل الجدل ، فقد بنى المؤلف علي لقمان يرحمه الله -(علاقة تصادم) بين (الفتاة) و(حواء) فنجد هذه العلاقة التصادمية تثور حينأً ، وتهدأ حيناً ، والحق أننا نجد في هذا (البناء التصادمي ) عملاً جذاباً للقارئ / المشاهد يستجيب للقواعد الفنية للمسرحية ..ويستمر الحوار بين الفتاة وحواء التي تكيل لها الإتهامات بسخرية لاذعة ، وتعيرها لقتلها وليدها هروباُ من العار ، ولما تقول لهاحواء : قتلتهِ هرباً من عاره فاذا ** بالنار ضِعف، وبالأهوال في رصد ** وتنهار الفتاة وترد بثورة:( قتلته هرباً كي لا يقال له ** هذا اللقيط الشقي التائه الأبدي )** وفي هذا البيت الذي وضعه لقمان على لسان الفتاة اشارة الى ما دأب عليه الناس عندنا في التعريف بالمتبنى من الأطفال الذين تتخلص منهم الأسرة حتى وان رغبت الأم الإبقاء عليه فهو عار لا بد أن ينمحي بالقتل أو برميه عند بوابة مسجد ليجد من يتبناه ، ولكن الصفة تبقى ما عاش البريء المسكين يعيش بين الناس الذين يرون العيب في الآخر وكأنهم مبرؤون من كل عيب ..[c1]الفتاة تثور في وجه حواء :(ثم تقول الفتاة صارخة وهي ممسكة بشعرها ) : [/c]ما ضر لو أنني أبقيته ذخراً **فكان بهجة قلبي في الدنا وددي !**أجل أنا قد ركبت الإثم .. ( فتقول لها حواء ) أسوأه .. قتلتِ ..( الفتاة ) : من ؟! (ثم لنفسها وقد غلبتها الحقيقة ) :لا ! أنا أفنيته بيدي**من يغسل الدم من كفي؟ ما أحد ** ولا البحار وما فيها من الزبد* (الفتاة تصرخ ) : والموت ؟ * (حواء مقاطعة ) : لا تتوارى فيه مأثمة * بل تصبح العظة الكبرى إلى الأبد ** (الفتاة مستمرة في ثورتها ) : من أنت ؟ قولي ! أروح أنت أم شبح * أم أنت جنية من جنة البلد ! قد قيل لي انما التاريخ تسمية * لغير شيء ( حواء ساخرة: ) لتجني لذة الجسد !..ويمضي بنا الشاعر علي لقمان في حواره الذي صاغه بحنكة واقتدار وأداره بين (الفتاة ) التي انتبذت العالم خزياً واستحياء وندما من فعلتها وتهورها باستسلامها لدغدغة الشاعر الأثيم وترنمه بحبها ، وتأنيباً وحسرة على جريمتها ووأدها لوليدها ، وتنهار الفتاة كلية أمام حواء التي تنال منها بالتأنيب قائلة : يا ليت ألهمك التجلد في الهوى ** عقلاً رشيداً في الحياة سليم ** أغراك حين رأى جمالك فتنة ** رجل بتضليل النساء عليم ** فمنحته أغلى اللآلئ جوهراً ** حباً وإعجاباً وذاك عظيم **وينال هذا القول والتأنيب من الفتاة أشد اللوم،فتسأل (حواء) وقد اعترتها حالة جنونية: بالله قولي لي ألم تتأثمي **يوماً ولم تعطي الحبيب عطاء ؟* كل له ذنب وان لم ينفضح ** يلقى به ما يستحق جزاء ** لا يعلم التاريخ ما أخفيتِه ** من حادث قذر السمات وراء ** أيجوز أن يجني الرجال فيسلموا من حكمه وتمزق العذراء ؟!ويستمر بينهما الحوار ،حواء مهاجمة لائمة كأنها قد خلصت من الأدران خلوص اللؤلؤ المكنون ، والفتاة تحاول أن تدفع عن نفسها كل اللوم الذي تواجهها به حواء ،ولو بدفع بعضه ، حتى يصل بهما الحوارالى بعض التقارب والتسليم للأقدار ، وتقول الفتاة لحواء :كم قد جنيت وهل أصابك مثلما **قد نالني من غير عون مسعف **(وترق لها حواء فتقول ): كل جانِ وكل صاحبِ عيبٍ ** يتمنى لو ان الأنام عيوب ** ثم تهم الفتاة في حالة غضب شديد أن تثب لتبطش بحواء، فتسقط على الأرض فاقدة الشعور.. وهنا يكون الشاعر علي لقمان قد بلغ ما أراد أن يبلغه من تصوير الواقعة التي وقعت فيها الفتاة ، وانه قد أصاب المحزً وجسد لكل فتاة وكل فتى عاقبة التردي في الهوى المردي الى أعظم الذنوب وأكثرها بشاعة ، والى ما يمكن أن تودي اليه من قتل نفس بريئة استجابة لنزوة طارئة ، وحب عابر .. والى اللقاء في الحلقة القادمة مع أبولو وحواريه وموقف كل من هذه القضية المأساوية ..[c1]Staghid 209[/c]