في دراسة حديثة عن البطالة هي الأولى من نوعها في اليمن
عرض / بشير الحزمي كشفت دراسة حديثة عن البطالة في اليمن صدرت مؤخراً عن المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وتعد الأولى من نوعها في اليمن عن أن فئة الشباب ذكوراً وإناثاً تعتبر أكثر الفئات العمرية تضرراً من الآثار الناتجة عن البطالة. فقد وجد أن أكثر من (75.6%) من إجمالي العاطلين ينتمون إلى الفئة العمرية (29-15) سنة ويتفاوت معدل البطالة لهذه الفئة العمرية بين الحضر والريف حيث بلغ في الحضر (74.1%) وارتفع في الريف إلى( 81%) وبلع عند النساء (78.3%) مقابل (74%) للرجال. وأظهرت نتائج الدراسة التي نفذت في ثماني محافظات هي (شبوة، عدن ، لحج ، المهرة ، حضرموت ، الضالع ، تعز ، أمانة العاصمة) وجود علاقة توازي بين العمر والبطالة وبينت أن البطالة تقل مع التقدم في سلم الهرم العمري وتزيد في المستويات الأدنى في سلم العمر حيث أظهرت الدراسة أن عدد العاطلين في الفئات العمرية (29-15) عاماً في عينة الدراسة المكونة من (5600) أسرة موزعة بالتساوي بين الحضر والريف في المديريات المختارة عشوائياً في تلك المحافظات قد بلغ (1277) عاطلاً بنسبة بلغت (75.6%) وهي نسبة تشكل الغالبية العظمى من عينة العاطلين بينما بلغ عدد العاطلين في المرحلة العمرية (60-30 فأكثر) (414) عاطلاً وبنسبة بلغت (24.5%) . كما أظهرت نتائج الدراسة الميدانية أن معدل البطالة السافرة طبقاً للبيانات المسحية بلغ (15%) حيث وصل لدى الرجال (12.6) وارتفعت عند النساء إلى ( 23.1%) لكن البطالة الناقصة وهي حالة العمل غير الدائم التي يعمل كثير من الناس فيها بعض أيام الأسبوع أو يعملون بصورة مؤقتة أو موسمية بأجر أو بدون اجر عملت على رفع البطالة العامة إلى نسبة بلغت (25%) كما أظهرت نتائج الدراسة ايضاً أن البطالة في الريف هي أكثر تفشياً من الحضر حيث بلغت في الحضر طبقاً للدراسة (19.2%) مقابل (8.1%) في الريف. وبينت نتائج الدراسة أن جزءاً كبيراً من الموارد البشرية التي يمكن الاستفادة منها ظلت خارج قوة العمل النشطة وأكثرها من النساء اللاتي فضلن التفرغ للأعمال المنزلية حيث بلغت نسبتهن في الحضر (47.3%) مقابل (51.9%) في الريف ثم يأتي الطلاب ونسبتهم (29.7%) وجاء المتقاعدون والمسنون كفئة ثالثة ونسبتهم نحو (8.8%) واحتلت مجموعة المكتفين وغير الراغبين في العمل المرتبة الرابعة بنسبة (4.5%) ثم جاء اخيراً المعاقون بنسبة (3.3%). وكشفت نتائج الدراسة ايضاً عن أن معدل البطالة يتصاعد كلما ارتفع الفرد في مستوى التعليم فكان معدل البطالة بين خريجي التعليم الأساسي قد بلغ (12.7%) وارتفعت النسبة لخريجي الثانوية فأكثر لتصل إلى حوالي (60%). وأوضحت نتائج الدراسة تجلي صورة فداحة القهر الاجتماعي للبطالة تجاه المرأة الشابة والمتعلمة بصورة اكبر حيث بلغت نسبة بطالة النساء الأميات(4.9%) و (11%) لمن تعلمن القراءة والكتابة و (31%) للحاصلات على التعليم الثانوي و (44%) لخريجات التعليم لما بعد الثانوي والجامعي. وأشارت نتائج الدراسة إلى أن حجم القوى العاملة النسوية قد تضاعف بمعدل أربع مرات خلال عقد من الزمن تقريباً إذ ارتفع عدد القوى العاملة من النساء من (151) الفاً طبقاً لتعداد 1994م إلى (596) الفاً طبقاً لمسح ميزانية الأسرة (2006-2005) بمعدل نمو سنوي قدره (13.3%) مقابل (4.7%) للرجال . ومقابل ذلك التصاعد في معدلات تشغيل النساء فقد ارتفع معدل البطالة بين النساء من 10.6%) عام 1994م إلى (46.4%) طبقاً لبيانات مسح ميزانية الأسرة وهو معدل يفوق المعدل الذي بينه مسح العينة بمعدل الضعف. ولفتت الدراسة إلى أن نسبة النساء خارج القوى العاملة تمثل (72%) من إجمالي السكان خارج القوى العاملة مقابل (28%) للرجال ودللت نتائج الدراسة على هذه الأوضاع التي تعانيها النساء بنوع الوظائف التي تزاولها المرأة. وإشارت نتائج الدراسة إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة النمو السكاني أفضيا إلى ضيق فرص العمل وقلتها أمام الداخلين الجدد إلى سوق العمل حيث لم تتوافر الخبرة ولا التعليم المناسب الذي يلبي احتياجات السوق. وكشفت نتائج الدراسة عن بقاء مشكلة الأمية واستمرارية تنامي أعداد ضحاياها يضاف إليهم أولئك الذين يحسنون مجرد القراءة والكتابة حيث بلغوا جميعاً نسبة تزيد على (28%) من إجمالي العاطلين. وأظهرت الدراسة أن أعلى نسبة لمن لا يحملون أي مؤهل تعليمي في عينات العاطلين كانت في أربع محافظات هي ( شبوة ، الضالع، حضرموت، المهرة) وكانت نسبة الأميين الذين يقرؤن ويكتبون في المهرة(56.2%) وحضرموت (48.9%) وشبوة (42.9%) والضالع ( 34.9 %) . ويتضح من ذلك أن هذه المحافظات لم تحظ في الماضي بالاهتمام اللازم برغم انخفاض كثافتها السكانية. وأظهرت نتائج الدراسة أن نسبة اسر العاطلين التي لا تتوافر لها مستويات الحد الأدنى من المعيشة قد بلغت متوسطاً قدرة (27.4%) وعليه يمكن اعتبار هذه النسبة هي المؤشر على حالة الفقر في اسر العاطلين. وكانت تلك الأسر المحرومة من الخدمات وفقاً لنتائج الدراسة هي تلك الأسر التي لا تتوافر لها خدمات الشبكة العامة للمياه بلغت (22.2%) والأسر التي لا تستخدم الغاز في مطابخها بلغت (17.8%). وبينت الدراسة أن حالة العزلة التي يعيشها العاطلون عن العمل قد تسببت في ضعف روابط الانتماء الاجتماعي ، وان البطالة قد أدت إلى بروز حالات اليأس والعجز والضجر وعدم الرضى عن النفس والمحيط الأسري والاجتماعي والشعور بتدني الذات وهذا يؤثر بدوره في تحقيق مبدأ المواطنة. وأوضحت نتائج الدراسة انه ونظراً لعدم وجود قاعدة بيانات دقيقة وشاملة حول البطالة فان هذه الدراسة تشكل البداية الحقيقية لبناء قاعدة معلوماتية حول البطالة. واستنتجت الدراسة أن عدم التوازن في توزيع المشروعات التنموية قد أدى إلى انعدام أو ضعف فرص العمل ومحدوديتها خاصة في المناطق الريفية. وفي المدن الثانوية ومن ثم إلى زيادة أعداد العاطلين عن العمل فيها. وكشفت الدراسة عن تزايد نسبة الفقراء في الأحياء المهمشة والمعدمة التي تتسم بالفقر وانخفاض مستوى الخدمات والتي تكون عادة مواقع لاستقطاب العاطلين عن العمل لجذبهم في القيام بأعمال غير مشروعة أو غير مقبولة اجتماعياً.وأشارت الدراسة إلى وجود علاقة واضحة بين ارتفاع نسبة الفقر وبين البطالة وتبرز هذه العلاقة بشكل واضح في المناطق الريفية.[c1]توصيات ومقترحات[/c]وتوصلت الدراسة إلى جملة من التوصيات المهمة في مجالات عدة أهمها مجال السياسات التشريعية حيث طالبت الدراسة بتطوير قانون الاستثمار لتشمل بعض نصوصه وأحكامه نصوصاً صريحة تؤمن للعاطلين عن العمل فرص الحصول على العمل اللائق والمجزي.وفي المجال الاقتصادي أوصت الدراسة بأن توجيه السياسات العامة للحكومة بحث المؤسسات الحكومية المعنية على إعداد الخطط والبرامج والمشروعات الاقتصادية والاجتماعية للحد من البطالة، وتوفير خدمات البنى التحتية وتحسينها، وتوفير برامج التنمية المتكافئة من خلال رسم السياسات اللازمة لضمان عدالة توزيع الخدمات بما فيها فرص تشغيل الشباب كوسيلة وقائية وعلاجية لمعالجة ظاهرة البطالة والتخفيف من ظاهرة نزوح الشباب من الأرياف إلى المدن.وفي المجال الاجتماعي أوصت الدراسة بإيجاد فرص عمل لائقة للشباب من الجنسين وحث الهيئات والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية على تنفيذ البرامج والمشروعات الاجتماعية التي من شأنها أن تسهم في مكافحة البطالة، وتحسين مخرجات التعليم الجامعي والفني وبرامج التدريب المهني وجعلها ملبية لاحتياجات سوق العمل، وتنفيذ سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية للعاملين المعرضين للفصل التعسفي وللعجز المهني، ووضع أنظمة حماية اجتماعية للعاطلين عن العمل. وفي مجال المسوحات والدراسات الاجتماعية والاقتصادية أوصت الدراسة بإجراء المزيد من الدراسات التحليلية والتشخيصية حول ظاهرة البطالة وأسبابها للوقوف على أبرز العوامل التي تحيط بها لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لمعالجتها، وإعداد مسوحات وطنية شاملة حول ظاهرة البطالة لتكون الأساس الذي ترتكز عليه الحكومة في رسم السياسات وإعداد الخطط والبرامج والمشروعات التنموية، وتنفيذ الدراسات الاجتماعية والاقتصادية التي تساهم في الكشف عن الجوانب الخفية التي تخلفها هذه الظاهرة التي من شأنها أن تولد المزيد منه التطرف والإرهاب والجريمة والعنف.وفي مجال البناء المؤسسي وبنا القدرات أوصت الدراسة بتطوير البنى المؤسسية للمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الرامية إلى معالجة البطالة وجعلها أكثر استجابة لتلبية احتياجات العاطلين، والاستعانة ببعض الخبرات الوطنية والعربية والدولية الناجحة التي وفرت فرصاً وخيارات وبدائل لتشغيل الشباب العاطلين، والاتجاه نحو توسيع الآفاق المعرفية والتقنية والتأهيلية لهذه الأجيال في التعليم، والعمل على تعزيز الاستثمار وتشجيعه بتوفير كافة الشروط اللازمة لقيامه، والاهتمام بتشجيع قيام المشروعات الصغيرة والمشتركة بين الشباب من أجل تخفيف البطالة وتقليص الاعتماد على الدولة في توفير الوظائف.وأكدت الدراسة ضرورة تصميم إستراتيجية لمكافحة البطالة تشترك فيها مراكز صناعة القرار من المؤسسات الأكاديمية المتخصصة، والعمل على سرعة تصميم برامج عملية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لمكافحة البطالة في أوساط الشباب، ودعت الدراسة إلى سرعة النظر في برامج التعليم القائمة وسرعة هيكلتها مع التركيز على برامج التعليم المهني والفني على أن تكون تلك البرامج هادفة مستخلصة من دراسات عن متطلبات سوق العمل.[c1]منهجية وأهمية وأهداف الدراسة[/c]يذكر أن هذه الدراسة التي اعتمدت في منهجها على استخدام منهج التحليل الاجتماعي المتعدد الأبعاد والمتنوع في أدواته البحثية لأنه يتيح النفاذ إلى عمق الظاهرة وامتداداتها التي تهدد سلامة النظام الاجتماعي وتمثل الدراسة الوطنية الأولى من نوعها التي تتوخى استكشاف أسباب تنامي ظاهرة البطالة والقيام بمحاولة استشراف ما يمكن أن تفضي إليه من آثار ونتائج حاضراً ومستقبلاً وتقديم تصورات واقعية لكيفية معالجة المشكلة، وقد هدفت الدراسة إلى المساعدة على فهم كيفية تطوير القدرات الاستيعابية لسوق العمل اليمني ومن ثم معالجة البطالة السائدة من خلال استكشاف ديناميتها ومراقبة اتجاهاتها العامة خلال الفترة الممتدة حتى 2025م.[c1]مشكلة الدراسة[/c]يشار إلى أن الدراسة قد أرجأت المشكلة إلى ارتفاع نسبة معدلات الزيادة السكانية واختلال التوازن بين النمو السكاني ومعدل النمو الاقتصادي واتساع دائرة الفقر بالتزامن مع تصاعد مخيف للبطالة ويعزز ذلك ارتفاع نسبة التسرب من التعليم وزيادة في الأمراض والطلاق وفي سوء التغذية وفي زيادة الجريمة وانتشار الإرهاب وثقافة العنف. وفي الاختلال بين زيادة الجريمة وانتشار الإرهاب وثقافة العنف. وفي الاختلال بين مدخلات التعليم ومخرجاته وعدم قدرة أسواق العمل على استيعاب الخريجين في ضوء ضعف واضح في الاستثمارات وفي المشاريع الإنتاجية وتراجع متوسط دخل الفرد وزيادة نسبة الإعالة الأسرية.غياب مؤسسات الرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي وإعادة التأهيل والتدريب هي من المشكلات التي تزيد من ارتفاع معدل البطالة في المجتمع. كما أن سوء توزيع مشروعات التنمية على المستوى القطاعي والجغرافي ضاعف كثيراً من وجود الاختلالات الديمغرافية بين الحضر والريف وبين الاقتصادات الزراعية والحديثة الناشئة.وتشير بعض التقارير الرسمية إلى ارتفاع معدل البطالة بين فئة الشباب إذ تصل نسبتها إلى (18%) مرشحة للزيادة حيث تصل أعداد الخريجين إلى حوالي (188) ألف شاب وشابة ولا تستطيع المؤسسات الاقتصادية للمجتمع توفير فرص عمل كافية إلا بمقدار (16) ألف وظيفة فقط، فضلاً عن أن هناك أنواعاً أخرى من البطالة تزيد من مخاوف تداعياتها الاجتماعية في وجود أشكال متعددة للبطالة كالمقنعة أو المستترة أو الناقصة أو الموسمية، ويزيد الأمر سوءاً ما كشف عنه المؤتمر الرابع للسياسات السكانية الذي خلص إلى أن السلوك السكاني لأفراد المجتمع يؤثر بصورة بالغة في التغيرات التي تطرأ على الظاهرة الديمغرافية للنمو السكاني في اليمن حيث يساهم في توسيع مشكلة البطالة. [c1]اهتمام في برنامج الحكومة[/c]وكانت الدكتورة/ أمة الرازق علي حُمد - وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل قد أكدت في تقديمها للدراسة أن ظاهرة البطالة التي تواجه اليمن قد وجدت اهتماماً واضحاً في برنامج الحكومة الأمر الذي دفع بالعديد من المؤسسات إلى تناولها بشكل أو بآخر في برامجها وخططها إلا إنه لم يأخذ الطابع العلمي الذي يمكن من خلاله تقديم رؤية لمعالجة حقيقية تعكس واقع هذه الظاهرة وآثارها.وقالت إن المركز اليمني للدراسات الاجتماعية وبحوث العمل قد اتجه إلى إعداد وتنفيذ هذه الدراسة الميدانية لتسليط الضوء عليها بوصفها موضوع الاهتمام.وأكدت الأخت/ فاطمة مشهور - القائم بأعمال مدير المركز اليمني للدراسات الاجتماعية إن البطالة ظاهرة موجودة في أغلب المجتمعات البشرية، ورغم كونها مشكلة اجتماعية فإنها ترتبط بشكل عام بحالة الدورة الاقتصادية للدول وللركود الاقتصادي العام عند حدوث أزمات اقتصادية مؤقتة.وأوضحت أن هذه الظاهرة قد تزايدت في بلادنا في السنوات القليلة الماضية بعد إتباع الحكومة سلسلة من الإجراءات منها سياسة التكيف الهيكلي والخصخصة وسياسة الإصلاح المالي والإداري ما أبرز هذه الظاهرة وتأثر فئة الشباب بها على نحو خاص ولذلك فإن اهتمام الحكومة في برنامجها بدراسة ظاهرة البطالة يأتي بلاشك من أهمية الظاهرة نفسها وما يترتب عليها من آثار جسيمة ذات مساس ببنية المجتمع.