في نبذة عن فقيد الوطن والتربية والثقافة والأدب.. الأديب الراحل الأستاذ عبدالله فاضل
جبران صالح شمسان زيدمقدمة: فقد الوطن اليمني والعربي علما من أعلام الفكر والأدب والنقد ومشعلاً من مشاعل التربية والتعليم والثقافة وهو الأستاذ الكبير عبدا لله فاضل فارع وذلك في قلب شهر نيسان - أبريل الماضي . وهنا أقدم للقارئ الكريم هذا التعريف والسيرة الموجزة عن الأديب الراحل رحمه الله.[c1]الفقيد.. تعريف موجز[/c]الفقيد عبدا لله فاضل فارع زيد عرف باسمه الأول والثاني كاسم مدوي له ثقله الكبير في عالم التربية والتعليم والثقافة والفكر والأدب والنقد؛ على مستوى الوطن اليمني وفي جزء كبير من الوطن العربي (الكويت- ليبيا - مصر - سوريا - تونس ) كما عرف في بعض البلدان الناطقة بالانكليزية ( بريطانيا - استراليا - والولايات المتحدة )أستاذاً كبيراً وتربوياً قديراً ومعلم أجيال, مثقف ثقافة عالية, جمع بين الثقافتين العربية الإسلامية من جانب والثقافة الغربية من جانب آخر ؛ يتحدث معك كأحسن ما يكون عليه المثقف العربي من رجال القمة في الأدب و الثقافة في النصف الثاني من القرن العشرين ويرطن بالانكليزية بلهجة أهلها دونما لكنة عربية وكأنه واحد من جهابذة الأدب الانكليزي المعاصر وهذا ما افتقدناه في اليمن. وبإمكانه محاورة أي مسئول أو شخص من أي بلد مهما كان مركزه في أي بلد ناطق بالانجليزية وكأنه من مواطني ذلك البلد؛ هذه هي ميزته في عصر بدت فيه الثقافة بين صعود وهبوط تخوض صراعا مع الحياة المعيشية, وتجد في حديثه نكهة السخرية ونبرة الألم مما وصل إليه حال العرب ولكن ترى الابتسامة المشرقة لا تكاد تفارقه وهو يصوب ناظريه نحوك أثناء حديثه وتحدثه؛ وهو لم يفقد روح الثقافة والأدب وشباب الذهن والنضج العقلي وروح الجد والعلم والمثابرة والبحث والاطلاع فقد ظل ذهنه شابا حتى الأسابيع الأخيرة من حياته, فقد كان يروي لي في آخر زيارة لي زرته فيها وهو على فراش المرض في الثالثة والثمانين من العمر- ولم يكد ينته من تناول الدواء المقرر له- حكاية من حكايات التاريخ العربي الإسلامي عن الحجاج بن يوسف الثقفي.[c1]الطفولة والدراسة[/c] ولد الفقيد في 15 ديسمبر من العام 1926 في منزل متواضع في مدينة الشيخ عثمان - عدن, قسم ج, لأبوين يمنيين حيث كان والده موظفا في مكتب محكمة الشيخ عثمان ولا أزال اذكر بزته البيضاء الرسمية مزينا بعمامة حمراء خاصة بهذه الوظيفة, وقد كان وجهه يدل على الجد والصرامة برغم بساطته وتواضعه. وكانت والدته ربة بيت مثالية حريصة على سعادة زوجها وتربية ابنها الوحيد. وكان يشدني إلى التردد على المنزل أثناء طفولتي في الخمسينات عدد من الأرانب البيضاء والديوك الرومية التي كانت الأم تعنى بتربيتها لمجرد الرغبة في ذلك. نشأ الفقيد منذ طفولته محبا للدرس والتعلـّم, وعرف عنه الجد والمثابرة في الدرس و القراءة في وقت لم تصل فيه الكهرباء إلى المنزل برغم ظهورها في عدن قبل ميلاده بسنوات خمس؛ لذا كان معتمدا على وسيلة بدائية في الإضاءة, سراج محلي صغير بفتيل يعمل بالجاز, ومع ذلك فإن هذا لم يمنعه من الإبداع والتفوق في دراسته في عدن ثم فيما بعد في الخارج. لم تتوفر له الظروف والإمكانات والوسائل التي توفرت للجيل الذي تلاه فقد نعم جيلنا نحن بمعظم الوسائل والأدوات الحديثة التي تعين على الحياة وعلى الدراسة بينما حرم جيله من كثير منها ولكنه كان جيلا ورعيلا مبدعا. تفوق الفقيد في دراسته الابتدائية في المدرستين الحكوميتين اللتين درس فيهما قريبا من منزله.(أنظر صورة المدرستين)كما أحدث ما لم يكن في حسبان الانجليز حينما تفوق على أقرانه الانجليز في الدراسة في لندن وكان ذلك تميزا وأمرا شبه مستحيل بالنسبة لغيره في تلك الظروف. وكان في صباه يحث أصحابه وأقرباءه على الدرس والدراسة يأتي إلى أبوابهم ويصطحبهم إلى معلم القرآن في الكتـّاب غير أوقات المدرسة ومنهم شقيق وشقيقة لأمي كانت ترافق أخاها - وهما من أخوالي - إلى ذلك الفقيه ليحفظ سورا من القرآن مطلع الثلاثينات من القرن الماضي حين لم يكن للبنات أن يتعلمن قبل مناداة لقمان بتعليم البنات وقبل صدور كتابه ’بماذا تقدم الغربيون؟‘ ولكنها بحسب ما روى لي الفقيد كانت سريعا ما تحفظ سور القرآن قبل غيرها من الصبيان لشدة ذكائها وهي مجرد مرافقة غير ملزمة بالدرس والحفظ وهي التي اقترن بها الفقيد في شبابه فيما بعد.[c1]العمل بالتدريس[/c] عاد الفقيد من لندن أواخر الأربعينات وعمل مدرسا في كلية عدن سابقا (Aden College) ثانوية عدن النموذجية حاليا في الشيخ عثمان وصرف له منزل هناك ضمن مساكن الكلية. وفي أوائل الخمسينات طلبته ليبيا للتدريس فتوجه إليها وبعد إنهائه العقد معها عاد ثم طلبته الكويت لنفس الغرض فتوجه إليها وعاد نهاية الخمسينات وقد اصطحبته في السفرتين قرينته المذكورة. وكانت تصلنا منهما الرسائل والصور من الكويت ويقرؤها خالي وكنت أرى الدموع في أعين الأرحام المنصتة إلى تلك الرسائل. عاد في أواخر الخمسينات, واستأجر منزلا في حي الهاشمي الشهير بالشيخ عثمان, قريبا من منازل والديه وأصهاره, ملاصقا للمنزل الذي استأجره الشيخ سنان أبو لحوم فيما بعد في العام 1960م. وهنا حظيت بشيء من التعليم والدرس على يديه في مادتي الانجليزية والعربية ولكن بوسائل وأساليب حديثة حرم منها جيله, فقدم لي المادة الانكليزية بواسطة اسطوانات الحاكي (الجرامافون) الذي لم يعد يستخدم الآن ولا نجده إلا في متاحف الموروثات الشعبية ودرست على يديه مبادئ النحو وجزءا من السيرة من عهد عبد المطلب بن هاشم في صباه ولمحة عن أصحاب المذاهب الأربعة وفتح لي ما يناسب سني من مكتبته الضخمة, وتحديدا السلسلات الخاصة بالأطفال ثم الأكبر سنا فالأكبر,ومنها سلسلات «سيف بن ذي يزن» و«عنترة بن شداد» وروايات جرجي زيدان في تاريخ العرب والإسلام والتي كانت لوحات أغلفتها الفنية أفضل مما هي عليه الآن وهي بريشة الفنان جمال قط. وسلسلات أخرى وكلها بطبعات حديثة وأنيقة رسوما وطباعة حينها, وكانت أول حكاية من الأدب العالمي المكتوب للأطفال سلمني إياها كأول قصة أقرؤها أو قرأتها في حياتي على يديه وهي قصة’ أطفال الغابة‘من سلسلة ’المكتبة الخضراء‘ المصرية وذلك في العام 1957م حين كنت في السابعة من العمر والتي لا تزال تصدر حتى اليوم ولكن كان إخراج الصور فيها أجمل وأفضل بكثير مما هي عليه اليوم. أما أسلوب تلك القصص فهو غاية في الصقل والجمال, ولو أن لغتها كانت تبدو قوية علينا إلا أننا كنا نفهمها. وكان والداي رحمهما الله يحثاني ويدفعان بي إلى التردد عليه للتعلم والدرس على يديه كلما واتت الفرصة ويوحيان لي بأنه النموذج الذي يجب أن أقتدي به في علمه وأدبه ومكتبته, وكان يكن لهما احتراما كبيرا وأما شقيقة أمي وهي السيدة قرينته فلم تكن تبخل بشراء مجلات الأطفال المصرية الأسبوعية لي والتي كان لها دور في صقلنا ونجد المتعة والفائدة في متابعتها وهي توازي مسلسلات الأطفال التلفزيونية اليوم, حينما لم يكن التلفزيون قد ظهر في عدن, ولم يظهر فيها إلا في العام 1964 قبل أي منطقة أخرى في الجزيرة العربية. وعند تأسيس جامعة عدن وتشكيل أول نواة لها كان الفقيد أول عميد لها وذلك في العام 1970.[c1] منتدى الفقيد الأدبي الثقافي[/c]انتخب الفقيد كأول أمين عام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في أول مؤتمر للأدباء والكتاب اليمنيين في الوطن بشطريه سابقا في النصف الأول من السبعينات وهو المؤتمر الذي عقد في عدن وانتخب فيه الشاعر عبدا لله البردوني رئيسا له والذي ربطته علاقة حميمة بالفقيد, وكان منتداه الأدبي والثقافي يقع في الطابق الأرضي من منزله في حي خور مكسر بعدن؛ يؤمه الأدباء والمثقفون من مختلف المناطق اليمنية, ولما كان طابقه الأرضي مملوءا برفوف ودواليب الكتب كأكبر مكتبة خاصة عرفت في الوطن, اضطر فيما بعد إلى تحويل المنتدى واستقبال الضيوف في الدور الثاني من المنزل. واذكر في حديثه لي عند زيارتي له قبل الأخيرة في أكتوبر 2007 وكان في تمام الصحة, وكان غرضي من الزيارة أن أودعه لسفري إلى الولايات المتحدة وأن آخذ برأيه ونصحه ومشورته حول الحياة والتعامل هناك؛ وأثناء حديثه عن المكتبة والمنزل قال أنه يرى أن تكون ابنته الوسطى قائمة على المكتبة والمنزل كمعلم من معالم عدن. [c1]الفقيد والشعر[/c]وقد كانت باكورة إنتاجه الشعري في شبابه مجموعة قصائد بعنوان ’الأناشيد الحائرة‘ ذكر ذلك في مقابلة أجرتها معه إذاعة عدن في العام 1968م وحين سألته عنها في منتدى الباهيصمي بالمنصورة - عدن,في أمسية أقيمت على شرفه أجابني بأنه قد أهملها أو صرف النظر عنها. ولكن له ديوان آخر هو (دوامة الهباء) ولعله مخطوط أو قيد الطبع, وكان الفقيد من بين الشعراء البارزين الذين القوا قصائد الاحتفاء بالاستقلال في يوم الاستقلال نفسه في 30 نوفمبر عام 1967 من تلفزيون عدن كلطفي أمان وغيره. وله قصائد مغناة غناها له الفنانان محمد مرشد ناجي (بروحي وقلبي) واسكندر ثابت (بيني وبينك يا حبيب إشارة). وأشهر ما أنتجه في مجال الأدب ترجمته لمسرحية ’عسكر ولصوص‘ لكاتب أسترالي نشرت له ضمن سلسلة ’المسرح العالمي‘ التي تصدر في الكويت. ولا يزال الخطاب الذي ألقاه في اتحاد الأدباء عند الاحتفاء بتشكيله في عدن, خطابا يرن في آذان من سمعوه. وأذكر أنه في الثمانينات من القرن الماضي نشر قصيدته (مملكة الغربان) في مجلة شهرية تصدر في عدن استخدم فيها الإسقاط وقرأها لي بنفسه. وكان من بين أصدقائه إلى جانب الدكتور غانم الشاعر محمد سعيد جرادة والذي كان كثير المزاح معه, وعبده سعيد الصوفي الذي اشترك معه في إعداد وتقديم برنامج أدبي في الستينات من إذاعة عدن (بريد الأدب)ومحسن بريك وسعيد الجريك وعبده حسين أحمد وآخرون. وفي فترة صراع الأقلام الأدبية نهاية الخمسينات وأوائل الستينات كانت له صولات وجولات خاضها مع بعض الأدباء والكتاب المحليين؛ ولعله قد كان له خلاف طريف ولطيف مع بعضهم في بعض الحالات ومنها مثلا مع الشاعر الكبير والصحفي علي لقمان صاحب جريدة ’القلم العدني‘ برغم الصداقة والعلاقات التي كانت تربطهما؛ ولكنا نجد الفقيد يقرأ بصوته قصيدة علي لقمان في حفل تأبين والده الرائد لقمان وذلك في مايو 1966م الذي نقلته وسجلته إذاعة عدن. لقد كانت العلاقة بين ذلك الرعيل من الأدباء علاقة حميمة تسمو فوق الخلافات, فهم وإن اختلفوا في قضية أو موضوع ما, لا يلبثوا أن يعودوا إلى أصفى مما كانوا عليه فيما بعد؛ كان الأدباء في عدن حتى الخمسينات والستينات يشكلون أسرة واحدة, تختلف ولكنها سرعان ما تلتقي.[c1]الفقيد.. مكتبته وتعامله مع الكتب[/c]كان الفقيد مرجعا في تاريخ عدن الحديث والقريب وله معرفة بأسرها وإلمام بأحوال عدن وأهلها وعموم اليمن. لا يرد زائرا ولا سائلا في أمر أو مناقشا في موضوع. وهو يميل إلى شيء من السخرية الضاحكة من شدة البكاء أو الألم. وأما مكتبته العامرة فقد ظل يكونها ويقتنيها منذ شبابه فهو لم يقتنها من عدن والتي بدأت أول مكتبة فيها لبيع الكتب في العام 1890 (مكتبة الحاج عبادي) وحسب وإنما أثناء سفراته, من لندن وليبيا والكويت واستراليا والولايات المتحدة وسوريا وتونس - حيث كان يعمل في هذه الأخيرة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة للجامعة العربية - ومن مصر أيضا؛ وكان عنده أهم وأفضل وأثمن ما يأتي به من الخارج حينما يعود إلى أرض الوطن هو الكتب, وكان سريعا ما يقرأ الكتاب ويقوم بالتعليق عليه, دون أن يخدش الكتاب خدشا واحدا بالقلم أو غيره, ودون أن يتسخ الكتاب, وأشد ما يغضبه أن يصاب الكتاب بلوثة ولو خفيفة من التراب أو غيره فالكتاب عنده له حرمة كبيرة لذا تجد كتبه التي تعد بالآلاف نظيفة لا زالت على حالها وكأنه اقتناها منذ عهد قريب. وهو حريص على اقتناء وقراءة آخر ما أصدرته أهم دور الكتب وهو مشترك في بعض المكتبات والدور تصله الإصدارات التي يرغب فيها أولا بأول. كما تصله الصحف المحلية وبعض الخارجية بانتظام. واذكر أنني زرته في مطلع التسعينات وكان قد أصيب بحمى وأراد أن يرسلني إلى كريتر - عدن فظننت أنه يريد إرسالي لشراء دواء له مخفض للحرارة وإذا به يطلب شراء مجلة أمريكية ويصر على إعطائي قيمتها من النقود. كان ذلك في الطابق الثاني من منزله حيث كان سريره ومكتبه. وحينما انتقل بمكتبه وسريره إلى الطابق الأرضي في السنوات الأخيرة بعد رحيل شريكته ومربية الجيل أم أولاده السيدة خولة معتوق من أولى المعلمات في عدن والتي كانت تقف معه ووراءه طوال حياتها وحياته, فإنك تجد مكتبه قريبا من مكتبته, وفي جانب من الغرفة سجادة الصلاة والذي يلفت النظر هو ترتيب آخر ما صدر من الكتب والصحف والمجلات أولا بأول. والغرفة غاية في النظافة لا تجد ذرة من تراب حتى القواميس الضخمة التي يستخدمها في نشاطه وأبحاثه التي لا يكل منها ولا يمل وهو يشارف على الثمانين. فتشعر بقدسية وجلال المكان. وهو حتى هذه السن والسنوات حريص وصارم وحازم مع طلابه في الجامعة في قسم الدراسات العليا فرع الترجمة, حريص على إجراء الامتحانات والتصحيح وإعطاء المشورة والإشراف أو المساعدة للبعض في بعض الرسائل الجامعية غيور على العربية حريص على التاريخ والأمانة التاريخية ومدققفي الانكليزية, وقد كان آخر عمل له هو مستشار لرئيس جامعة عدن. ومكتبه منظم فهو حريص بنفسه على ترتيب مكتبه فلا تجد آخر الإصدارات مكدسة بل مرتبة بشكل عمودي بحسب قراءته لها وحسب تواريخ وصولها إليه. وكنت أحدث نفسي في كل زيارة أين نجد مثل هذا الرجل «الظاهرة» في اليمن اليوم؟ مكتب كهذا, لرجل في هذه السن وفي اليمن؟ وهناك شخص ودود من أصدقاء الفقيد وتلاميذه (سعيد) يأتي أسبوعيا ليساعده في صيانة المكتبة و إعادة ترتيب بعض الرفوف والدواليب فهو يعنى بالمكتبة الكبيرة وإعادة ترتيبها بحسب الحاجة وإدخال بعضها في صناديق أو إخراج بعضها منها أومن كراتين وصيانتها من أي عامل قد يضر بها مثل الأتربة أو النمل الأبيض أو غيره. [c1] الفقيد والسياسة[/c]سألته في العام 1965 في مكتبه وهو يعمل وكيلا لوزارة التربية والتعليم في مدينة الشعب سؤالا بريئا وساذجا ولكن كان مباشرا لم يتوقعه مني: «لماذا لا تتدخل في السياسة؟», فأجاب: لأنها ترفعك وتحطك, تنقلك إلى البعيد وتعيدك. وقد قصد أنها كالموج الصاخب الذي لا يؤتمن. وفي العام 1977م زاره أحد الرؤساء في منزله طالبا منه أن يعمل معه كمستشار فأجابه بلطف لم يخل من سخرية كامنة: «أنت الآن رئيس ومقامك كبير وتعرف كل شيء ولست بحاجة إلى مستشار أو من يشير إليك!». وأذكر من ضمن أحاديثه عن السياسة في أمسية رمضانية في مركز حنبلة للتوثيق عام 1973, قوله عن علاقة الصهاينة بالأمريكان في ظل اللوبي الصهيوني هناك: «إن الرئيس الأمريكي عندما يجلس مع أحد أولئك الصهاينة فإنه يجلس معه جلسة الشعور بالتودد والإجلال والحياء نحو الطرف الصهيوني, هذا هو حالهم.» وقد قضى الأستاذ الفقيد فترة في الولايات المتحدة الأمريكية. والفقيد لا يغضب إذا اختلفت معه في الرأي بل يحاول أن يقنعك بأسلوبه المرن؛ وأذكر أننا أختلفنا معه أنا وابنة الدكتور محمد عبده غانم ذات مرة في رأي حول وضع معين في عدن أواخر السبعينات, ولكنه تقبل ذلك بصدر رحب. وكانت تربطه علاقة صداقة طويلة العمر بالشاعر الدكتور محمد عبده غانم كما كانت حرم الدكتور غانم وهي ابنة الرائد محمد علي لقمان المحامي صديقة حميمة لقرينة الفقيد عبدا لله فاضل.[c1]الفقيد ودوره الوطني مع الشيخ سنان أبو لحوم[/c] من إسهامات الفقيد الجديرة بأن تروى موقفه ودوره مع الشيخ سنان أبو لحوم الذي كان معارضا للإمام ويرسل مجموعات مسلحة من عدن لهز عرش الإمام أحمد بين عامي 1960 - 1962 وقد ذكر في الجزء الأول من مذكراته وفي صفحة 110 و 131 دور الفقيد في إخفاء الأسلحة بسرعة ومهارة عندما كانت الشرطة تداهم المنزل للتفتيش عن الأسلحة وآلة النسخ. فقد توافق أن سكن الشيخ سنان في منزل من ثلاثة طوابق ملاصق لمنزل الفقيد. حيث كان يتم النقل السريع عبر الجدار المشترك لسطحي المنزلين لآلة السحب وكمية الأسلحة لإخفائها في كل مرة كان يطرق رجال أمن المستعمرة باب الشيخ سنان بغرض التفتيش كونه متهماً بالوقوف خلف تفجيرات ضد الإمام أحمد في شمال الوطن.[c1]بعض من أقوال الأدباء فيه بعد رحيله:[/c] قال صديق طفولته وصباه الدكتور حسين الحبيشي:«كان الأستاذ عبدا لله فاضل عملاقا بقامة الوطن». وقال الدكتور المقالح:«ولا أشك في أنه عندما يحين الوقت ويبدأ الوطن في كتابة لوحة الشرف الكبرى التي تضم أسماء المناضلين الأوائل في سبيل التحرر من الاحتلال, فإن اسم عبدا لله فاضل سيكون في المقدمة». ويقول الأديب هشام علي:«كان منتداه برلمانا للمثقفين وساحة لحرية الرأي والتفكير.»ويقول الأستاذ محمد مثنى: «الفقيد عبدا لله فاضل فقيد الوطن أولا قبل أن يكون فقيد الفكر والثقافة والأدب والسياسة معا؛ أن جيل الفقيد هو جيل النباهة, جيل الفكر والثقافة والنضال والمسئولية, جيل الحساسية المرهفة والتطلعات العذبة الجميلة والشاقة المريرة معا في رؤية يمن موحد متقدم ومجتمع ينعم بالحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة, وبها مجتمعة يتلمس خلق مجتمعه المدني الحضاري.» [c1]كلمة أخيرة[/c] بفقدان الفقيد بلينا بخسارة كبيرة من الصعب تعويضها لقد فقدنا الرجل الظاهرة, فقد ترك الفقيد فراغا كبيرا يصعب ملؤه. ولم يحزن أولاده أوأحفاده الذين كان يكن لهم عطفا عظيما لن ينسوه وقد تأثروا بفقدانه, أو أهله ومحبوه ومريدوه بل حزن الوطن بأسره. إننا نرى فيه نموذجا يجب أن يحتذى به, و نرى أن الوطن في ظل سباق العصر مع العلم والتقدم في أمس الحاجة إلى هذه النماذج التي تحترم نفسها وتحترم الآخر وإنه لا يوجد من يقارع هذا الغرب العملاق إلا هذه النماذج النزيهة والواثقة المعتدة والمعتزة بنفسها, الغنية بوعيها وثقافتها وعلمها واطلاعها؛ ونجد أن الغرب نفسه يحترمها لأنها تجاريه في طريقة تفكيره ولكنها بخلاف رغبته تتنبه إلى ما يحيكه وتقرأ المستقبل ولا تنغمس في الفتات أو الملذات حتى تضعف أمامه. فأين نحن من هذا. رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته والهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
سكن الفقيد ملاصق لسكن الشيخ السنان الركني الأبيض ذي الشرفتين بين عامي 1960 - 1962 حيث كان يتم النقل السريع عبر الجدار المشترك لسطحي المنزلين لآلة السحب وكمية الأسلحة لإخفائها في كل مرة كان يطرق رجال أمن المستعمرة باب الشيخ سنان بغرض التفتيش كونه متهم بوقوفه خلف تفجيرات ضد الإمام أحمد في شمال الوطن.
الشيخ سنان أبو لحوم كان للفقيد أسهام وطني معه
أول مدرسة حكومية بنيت مع إقامة حي الشيخ عثمان مطلع القرن الماضي وهي أول مدرسة درس فيها الفقيد وواقعة حتى اليوم أمام محكمة الشيخ عثمان قسم التوثيق بالقرب من مركز الشرطة
الفقيد في تونس مع المرحومة السيدة التربوية حرمه أم مازن ووراء كل عظيم امرأة
الفقيد يتحدث إلى مجموعة من الأدباء في عدن أواخر أيامه