أضواء
شهدت دول الخليج في الفترة الأخيرة عدة محاولات لعمليات إرهابية كبيرة، منها محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية السعودي للشؤون الأمنية، بينما تواصلت في الكويت التحقيقات مع ستة أعضاء في الشبكة الإرهابية التي خططت لتفجير معسكر «عريفجان» الأميركي ومبنى أمن الدولة. فشل العمليتين الإرهابيتين والقبض على مزيد من الخلايا الإرهابية، تطور يثير عدة تساؤلات حول استمرار التطرف والإرهاب في دول الخليج، رغم كل الجهود التي بذلت والأموال التي أنفقت في محاولة لمعالجة المشكلة والقضاء عليها من جذورها. لقد انصبت جهود دول الخليج على الجانب الأمني للمشكلة بملاحقة الإرهابيين ومتابعة تنقلاتهم والقبض على خلاياهم السرية، لكني أعتقد أننا فشلنا في تحقيق التغييرات والإصلاحات المطلوبة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أو التعليمي أو غيرها... لقد تحدثنا كثيراً عن أهمية الحوار والانفتاح الحضاري على الآخر، وإطلاق الحريات، وطرح الثقافة البديلة التي تركز على الدين وكأن الأنظمة في سباق مع الجماعات الدينية في دروشة مجتمعاتنا... لكن الجماعات المتطرفة، مثل «القاعدة» وحلفاءها، ما انفكت تستغل الأيديولوجية الدينية لتبرير إرهابها ولتوفير غطاء أيديولوجي لمحاربة الحداثة والتطور والغرب. والآن، هل يمكن لنا أن نخرج بآليات عملية تبعدنا عن التطرف والإرهاب؟ منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، عقدت في الخليج والوطن العربي والعالم مئات بل آلاف المؤتمرات والندوات والمحاضرات، وتم تأليف آلاف الكتب والدراسات والمقررات، وبرزت العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية التي تحاول التوصل إلى حل لإشكالية التطرف والعنف والإرهاب في منطقتنا والدول العربية والإسلامية والدول المتقدمة، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات وسن الكثير من القوانين الأمنية لمحاربة الإرهاب واجتثاثه من جذوره. لكن كل الجهود العربية والدولية لم تقض على المشكلة، بل ازدادت وتيرة التطرف والحروب الأهلية، وامتد العنف إلى كل من الصومال واليمن، وتزايدت وتيرة الصراع والإرهاب في كل من العراق وباكستان وأفغانستان، كما أن الاضطرابات السياسية في إيران الإسلامية مهدت الأرضية لعودة التطرف والإرهاب للمنطقة وشجعت بعض شبابنا على الانخراط في العمل «الجهادي». جهود الدول المتقدمة في حصار الإرهاب داخل بلدانها نجحت نسبياً، وهذه الدول تركز اليوم على محاربة الإرهاب في باكستان وأفغانستان والعراق... لكن ماذا عن بلداننا الخليجية؟ لماذا عاد الإرهاب إلى دولنا؟ هنالك أسباب كثيرة أهمها فشلنا في تغيير المناهج، وفشلنا في تشجيع الثقافة العصرية البديلة، والأهم من كل ذلك كوننا بقينا ندور حول العموميات دون أن ندخل إلى التفاصيل في معالجة المشكلة. والأمثلة على ذلك كثيرة نورد منها قضية انخراط الشباب الخليجي في العمل «الجهادي» بأفغانستان وباكستان والعراق... وقد تم اعتقال كثير منهم في هذه البلدان، وتم ترحيلهم إلى السجون الأميركية، لاسيما سجن جوانتانامو الشهير، حيث قضى ويقضي بعضهم عدة سنوات بدون محاكمة، وقد طالبت دول الخليج بمحاكمتهم أو إطلاق سراحهم... وتم في العام الماضي إطلاق سراح البعض منهم بعد أن تعهدت حكومات بلدانهم بإعادة تأهيلهم ومراقبة سلوكهم.. لكن ماذا حدث بعد ذلك؟ أعرف أن «المجاهدين» الكويتيين الخمسة الذين أُطلق سراحهم، غادر ثلاثة منهم الكويت للعمل «الجهادي» في العراق واليمن حيث قتل اثنان في العراق والثالث في اليمن. من المسئول إذن عن مقتل هؤلاء الشباب؟ هل هم الأهالي أم الحكومات أم السياسة الأميركية؟ والسؤال الأهم: كيف يمكن التعامل مع نتائج السياسات الخاطئة للدولة العظمى؟ وهل لدينا في الخليج سياسات بديلة؟ الحقيقة المرة التي لا تود بعض الحكومات الاعتراف والإقرار بها، هي أن أسس التطرف والإرهاب والمغالاة في الدين موجودة في بيئتنا المغلقة على نفسها، وفي مناهجنا التعليمية، وفي خطب أئمة مساجدنا ومشايخنا الذين ينتسبون للإسلام السياسي.[c1]*عن/ صحيفة ( الاتحاد) الإماراتية [/c]