الخبر بين الشك واليقين
عبدالله علون[c1] وقفة أخرى[/c]رغم ان قصيدة الآنسي، ماخوذة من من حيث الفكرة من بائية ابي الطيب المتنبي ، التي يرثي بها اخت سيف الدولة ، الا انها تختلف عنها من حيت المعالجة اي من حيث اسلوب الشاعر الانسي في النظر الى حادثة الموت ، وظروف الحادثة وملابستها.فقصيدة المتنبي، تقف عند حدود الخبر وتدور حوله ولا نتجاوزه الى السبب ،اوالى الضروف المحيطة باخت سيف الدولة ورغم تكذيبة لخبر الموت الا انه لايصور شخصية الرسول الذي تقل له خبر موت اخت سيف الدولة فقط يكتفي بالتعبير عن وصول الخبر اليه ، ولم يصدقه ، ثم يمضي في امتداح المؤبنة واخيها.اما الانسي فانه يقف اولا عند حوادث الدهر وحقائقه المحزنة والمفرحة في آن، واول هذه الحقائق هو امل الانسان في الحياة بصرف النظر عما ادا كان هذا الامل محدوداً بتعليلاته لخبر موت الشقيقين محسن وقاسم ، ووقفته بين التكذيب والتصديق ، او كان هذا الامل هو القدر الذي ساق الشقيقين ، محسن وقاسم الى مصيرهما الغير متوقع، وهو الهلاك او كان هذا الامل هو طموح الانسان الى تحسين احواله المادية والروحية، والعيش برخاء وامان...؟ومن هذا الامل، الذي قد لايكون خطراً، ينتقل الى تصوير فجاجة الرسول الذي قال خبره بصورة فجأة، ومضى دون ان يعرف احد اين مضى..؟وهو يشير بهذه العبارة او تلك الى مصير الاخوين ، على انه مصير مأسوي، ولم يكن لهما خيار فيه سوى السعي القدري ، وسعيا ساقهما الى الهلاك ، وقد كانت هذه المعالجة اولى الفوارق بين مرثية المتنبي ومرثية الآنسي.ثم ان الانسي، يستخدم لغته بصورة عامية، تختلف عن لغة المتنبي وعن بحره الشعري ، وسنقف اولاً عند اللغة فهي تشكل اهم الفوارق بين قصيدة المتنبي وقصيدة الشاعر عبدالرحمن الانسي.[c1]باك ولم يعد:[/c]في قصيدة ( في الدهر العظات والعبر) الفاظ غريبة كثيرة مثل ( باك) و( سرى) و( نشر) وكلمات مثل ليش ، والعثاكيل، والتعاليل، والخطى ، و( حين) والفعل( استاتي) الذي يفيد الطلب.فالفعل الماضي ( باك) هو من اللهجة التهامية، الذي عين ذهب ولم يعد والفعل ( نشر) مرادف له ، ولكن إذا كان فعل باك، يقال لكل الاوقات ، فان الفعل نشر محدود بوقت الصباح فالنشور هنا يعني الذهاب مبكراً، وهو عكس الفعل ( سرى) الذي يعني السفر ليلاً.اما كلمة ليش، في قوله ( ليش تجهر) فيعني لماذا تقول الخبر بهذه الصورة المرتجلة، والمقتضبة بالقول، اما كلمة ليش ، فهي كلمة مركبة من اداتين، واسم ، فالاداة الاولى هي حرف التعليل وهو اللام، والثانية اداة الاستفهام التفسيرية ( أي) واما الاسم فهو( الشيء) والكلمة في صورتها الاصلية هكذا ( لأي شيء) اي لماذا تجهر بالخبر ولا تتلطف بقوله.والعثاكيل ، جمع عثكول، كما يقول الشارحان، وهو عراجين النخل، اما التعاليل في قوله ( بالتعاليل) فهو جمع ( تعليل) والتعليل مصدر لايجمع لكن الشاعر جمعه للضرورة الشعرية.والخطى في قوله ( فأعجب للخطى والحفر) هي جمع خطوة رسمها الشارحان، بالف ودلك خطا وقد يكون الخطا من الناشر .لكن الخطى هنا كناية عن مساعي النسان التي تسوقه الى الهلاك والحفر جمع حفرة وهي كناية عن النهاية القدرية والغير محسوبة ، فقد ذهب الشقيقان ، محسن وقاسم الى نهاية ماكانت محسوبة حتى جاء خبرهم بالموت ويسميه الشاعر الهلاك ( الحين).والحين في قوله ( وابك مابدا لك لجين) يعني الهلاك للشقيقين محسن وقاسم اما الفعل استاتي، فهو مشتق من الفعل ( أتى) وهو تصريف يفيد الطلب، لكنه هنا يعني مادمت على قيد الحياة والى ان يتوفاه الله.وهناك عبارات مركبة تركيبا نحوياً محكماً ، ولكن دون الالتزام بالاعراب ، مثل قوله:[c1]1- عد في ماتقول النظر2- ما اكثر ملاذ الذليل3- في الممكن وفي المستحيل[/c]فالجملة الاولى فعلية- طلبية وتعليلية وتبني فعل الطلب ( عد) بناء نحوياً، فهو فعل مجزوم بحذف حرف العلة وهو اليا، والجملة توهمية فهو يطلب ( من طارق الشر) ان يتراجع عن قوله ويعيد فيه النظر.اما الجملة الثانية، فهي جملة تعجبية، باسلوب عربي محكم وتصدرها اداة ( التعجب ما) لكن فعل التفضيل اكثر ، لايعرب وانما يسكن.اما العبارة الثالثة، فهي جملة جار ومجرور، لكنه لايقيم للاسم المجرور اي علامة اعرابية، بل انه يسكن بعده الاسمين: الممكن والمستحيل.وهكذا فان لغة الشعر الحميني واساليب البناء النحوي لاتختلف عن اسلوب مذاهب العرب البلاغية ولكنها لاتقيد بالاعراب ، لكن تحرير الجمل من الاعراب يؤدي الى خلل كبير في الاوزان الشعرية ، كما يتجلى لنا في تحليل الشعر الحميني تحليلاً عروضياً ، وكما راينا ذلك في تحليل قصيدة ( طرب سجوعه وكرر).[c1] الاقتضاب والاضطراب:[/c]وهناك فارقان اساسيان ، بين مرثية المتنبي ومرثية عبدالرحمن الانسي، هذان الفارقان هما الوزن والقافية، فقافية المتنبي من القوافي الذلل، ومن نوع المتراكب ( ... ، فعل) هكذا ( النسب ، الكذب، الطرب، طلب.... الخ) وهي قافية معربة، وتنتهي الكسر ، والكسر اخف الحركات الاعرابية ، عكس حركات النصب والرفع او السكون فالسكون في القوافي المقيدة، يثقل القافية على القارئ فتكون صعبة على النطق.وقافية عبدالرحمن الانسي، هي مقيدة بقيود الشعر الحميني، اي انها من القوافي الحوش، وغير معربة، هكذا ( العبر ... البصر... الغرر، او الخلود، لايعود ، واللحود... الخ ) وهي قصيدة متنوعة القوافي ومتنوعة في حروف الروي، وتختلف من مبيتة الى اخرى، ومن موشحة الى اخرى، لهذا تاتي بقيود مثقلة على اللغة والوزن.اما قصيدة المتنبي فقد كانت من بحر البسيط هكذا.[c1]طوى الجزي/ رة حت/ ى جاءني/ خبرفزعت في /ه بآ/ مالي الى/ الكذبمفاعلن/ فعلن/مستفعلن/فعلمفاعلن/فاعلن/مستفعلن/فعل[/c]اما البحر الذي يستخدمة عبدالرحمن الانسي، فهو بحر المقتضب متداخلا بالرمل هكذا:مفعولات. مستفعلن/ فاعلاتن/ مفعولات مستفعلن.واذا كان البحر البسيط بقافيته المتراكبة يمتاز بالسهولة والانسياب فان بحر المقتضب بقوافية المقيدة، هو من البحور المضطربة ومن القوافي الحوش.لكن الفكرة الشعريه عند الانسي، مشبعة ، وهي تختلف من حيث الجزالة والاتساع عن فكرة المتنبي ، لكن الفكرة الجمالية مطروقة وليست معيارا للابداع وانما المعيار هو اقامة الوزن والصبغ والتصوير، وبلغة سهلة، وهذا مالا نجده في قصيدة الانسي بسبب الصنعة اولاً ، ثم بسبب اضطراب البحر ثانياً، ثم بسبب وعورة اللغة، وثقالة القافية ثالثاً.تتبني قصيدة الانسي، على نمط الموشح ، وليس على نمط العمود، وهذا النمط يقوم من حيث التقسيم على البيت ، والتوشيح، والقفل.والبيت عند الانسي، تنقسم الى ثلاثة اقسام، وهذه الاقسام هي الصدر والوسط والعجز، هكذا:[c1]في الدهر الع/طات والعبر" كم تكرر " في السمع الص/ حيح والبصر مفعولات / فان تفعلن" فاعلاتن " مفعولات/ فان تفعلن[/c]ومثل ذلك في التوشيح والتقفيل، وعلى ذلك تسير القصيدة بوزن مضطرب حيث تتكرر الزحافات الغير مستحبة، مثل التذييل في حشو السطورالاولى والاخيرة وفي وسط القصيدة.لكن وسط القصيدة الذي يقوم على تفعيلة الرمل( فاعلاتن) يجري بانسجام تام من اول القصيدة حتى نهايتها.، وهذا الاضطراب يرجع الى طارق الشر الذي اذاع الخبر بصورة مرتجلة وباقتضاب، اوبصورة مفزعة نجم عنها انزعاج الشاعر، واضطرابه، وعلى ذلك الخبر المرتجل ، ومنه، جاء البحر المقتضب بصنعة واضحة ومن هذه الصنعة جات وعورة اللغة ووعورة القافية والله اعلم.