كمال محمود علي اليماني :الثاني من مارس يوم شؤم في تاريخ الأدب اليمني المعاصر، إذ في مثل هذا اليوم من العام قبل المنصرم ، داهم الموت شاعرنا الكبير والجميل محمد حسين هيثم ، وهو الشاعر الذي حفر اسمه في ذاكرتنا ووجداننا ، وأتخذ لنفسه مكانا في قلوب محبي الأدب عموما ، والشعر على وجه الخصوص .وفي ذكراه الثانية أهدي روحه الطاهرة والشفيفة هذه الأسطر القليلة التي أحاول من خلالها ، أن أعلق على بعض إبداعاته ، وإن كنت متهيبا من الولوج في محاولة كهذه ، فالهيثم على بساطة روحه ، وشفافيته مع الناس ، إلا أنه في شعره لايكون في الغالب كذلك ، فشعره حمـّال أوجه ، لما فيه من إيحاءات ودلالات تختلف الأفهام في إدراك مكنوناتها ، والوصول إلى بغيتها ، وهي المرة الأولى التي أفعل فيها فعلتي هذه ، ربما لإحساسي أن مقصود الهيثم في ديوانه الأخير (( على بعد ذئب )) لم يصل إلى الناس كما أراد له ، لاسيما وأن قامتين كبيرتين هما الشاعر اليمني الكبير عبدالعزيز المقالح ، والشاعر والناقد العراقي الكبير أيضا حاتم الصكر ، قد إتفقا على رؤية واحدة لمدلول الذئب في ذلكم الديوان ، فتأثر القراء برؤيتهما ، والتبس عليهم الأمر ، وتلبدت سماء الفهم بغيوم فهمهما ، لذا فإني أجد نفسي أعرض رؤيتي التي أعارض فيها بحب هذين الكبيرين ، فإن كنت مصيبا فبها ، وإن كنت مخطئا فحسبي أنني أحييت كواحد من محبي شاعرنا الراحل هيثم ذكراه الثانية .ولقد راى الأستاذ عبد العزيز المقالح في المقدمة التي رافقت الديوان ، كما فعل من بعده الأستاذ حاتم الصكر، أن الموت في ديوان (( على بعد ذئب)) مرمز بهيئة حيوان مقترن بالموت كثيراهو الذئب ،كبديل رمزي ينوب عن الوجود الحقيقي ، وتصوير الموت في هيئة الذئب له مايسنده في شعرنا العربي ، ولعل أقرب مايستدعيه الذهن هو قول جميل صادق الزهاوي :الموت ذئبٌ يخطف الأطفال من بين الحجور غير أنني أبتعد كثير عن مثل هذا الرمز ومدلوله ، وأزعم ، وأكاد أجزم على ماأزعم ، أن هذا لم يكن مقصود الهيثم الرئيس ، هذا إذا سلمت أنه قد كان مقصوده أصلا ، فالذئب كما هو معروف ليس كالسباع القوية مثل الأسد والنمر إذ فيه خسة وغدر وخيانة ، ومن خلقه الإحتيال والنفور .ولقد قال الشاعر قديما :والذئب أخشاه إن مررت بهوحدي واخشى الريح والمطراوهو حيوان لايتهجن ولايصبح أليفا كباقي الحيوانات المفترسةوهاك شاعر آخر يخاطب ذئبا كان قد رباه ، واستأمنه على أغنامه بدلاً من الكلب :أكلت شويهتي وربيت فينا فمن أدراك أن أباك ذيبوقد قال الفرزدق :وأنت امرؤ ياذئب والغدر كنتماأخيين كأن أرضعا بلبانوكل هذا وغيره كثير لم يكن ليغيب عن ذهن شاعرنا الراحل ( رحمه الله )حين اختار الذئب كرمز يوصل إلينا من خلاله مايريد أيصاله . ليس هذا فحسب ، بل إن قصيدته السابقة في الترتيب لقصيدة (على بعد ذئب ) التي أخذ الديوان إسمها ، لتفصح بشكل جلي مرماه من رمزية الذئب ، وأعتقد أن الهيثم قد تعمد وضعها قبل قصيدة ( على بعد ذئب ) مباشرة لتكون مقدمة تهيء القارئ لما سيتبعها ، فهي لم تات في هذا الموقع عشوائيا ، ولكنها جاءت بترتيب أو بتوصية منه ، إذ هي المفتاح الذي يفتح لنا ماأستغلق ، وأستعصى على الأذهان ، ولقد ذكرت لكم سلفا أن شعر الهيثم حمـّال أوجه ، وهوهنا قد وضع قصيدة ( الذئب على التلة) سابقة لأختها لفتح الباب لا على مصراعيه ، ولكن لتجعله مواربا بغية الوصول إلى أسر القصيدة التي تليها.ولقد جمع الهيثم في قصيدة ( الذئب على التلة ) عددا من الحيوانات والهوام ، التي تشمئز منها النفوس ، وتتقزز من منظرها ، وتكاد تجمع على حقارتها .فهنالك تجد السحلية ،والعقرب ، والضب ، والحرباء، والأفعى ، ثم الضبع والثعالب ،وعواء الذئب يتخلل كل هؤلاء.عوووووووووووووووو عووووووووووووووووومعلوم أن الذئب حين يخاف العجز ، يستغيث فيعوي عواءاً تتسامعه الذئاب الأخرى فتهرع لنجدته ومناصرته ، فإذا أقبلت فليس دون اكل الفريسة شيئاً. وها هو ذا محمد حسين هيثم يصور ذاته ، وقد تجمعت من حوله كل تلك الحيوانات الحقيرة ، والهوام الضعيفة ، وراح الذئب يعوي فتسامعته الذئاب ، وهرعت لمناصرته ، والإجهاز على شاعرنا الجميل الهيثم ، ليس الموت ياأساتذتي من داهمه ، لكنها الخيانة والغدر ودناءة الأنفس.لك الله يامحمد ..سنظل نخاطبك كما قال الشريف الرضى:فياأسداً يصول عليه ذئبٌ ويا مولى يطول عليه عبد ُستظل في ذاكرتنا صاحب الروح النقية وذا القلب الكبير ، ستظل أكبر ممن قصدتهم ، فسلام الله عليك ..
أخبار متعلقة