سلطت الأحداث التي شهدتها الأسابيع الأخيرة الضوء على السؤال الصعب حول ما الذي يجب أن يشكل نطاقاً مشروعاً لحرية التعبير في مجتمعات متنوعة ثقافياً.وبينما رسمت مجتمعات مختلفة حدود حرية التعبير بطرق مختلفة، إلا أن قضية الرسوم الكاريكاتورية المثيرة للجدل تبين كيف أنه في حقل الإعلام، الذي يكتسي صبغة عالمية متزايدة في يومنا هذا، يمكن لوقع تصرفات تحدث في دولة معينة أن يتجاوز كثيراً نطاق حدودها. واليوم تواجه المجتمعات أكثر من أي وقت مضى التحدي المتمثل بالتأكيد على المبادئ العالمية لحقوق الإنسان في مجال كان يشهد تقليدياً نزعة إلى الإذعان للقوانين المحلية لدولة معينة والقيم التي تكرسها.وعلى خلفية ازدياد أجواء التعصب والشك بين المجتمعات وسواها في أجزاء عديدة من العالم، بما فيها أوروبا، يتم طرح مجموعتين متضاربتين من المبادئ في هذا الخلاف.فقد برر محررو الصحف نشر الرسوم الكاريكاتورية، التي اعتبرها العديد من المسلمين مهينة، بالقول إن حرية التعبير الفني وانتقاد الآراء والمعتقدات ضروريان في مجتمع تعددي وديمقراطي. ومن ناحية أخرى، ارتأى المسلمون في دول عديدة أن الرسوم الكاريكاتورية مسيئة بشدة لمعتقداتهم الدينية وتشكل استغلالاً لحرية التعبير. وفي عدد من الحالات، تحولت الاحتجاجات ضد هذه الرسوم إلى أعمال عنف، بينما اعتُبرت التصريحات العلنية التي أدلى بها بعض المتظاهرين وقادة المجتمع بأنها تزيد لهب العداء والعنف اشتعالاً.ويجب أن يشكل الحق في حرية الرأي والتعبير أحد أركان أي مجتمع. ويشمل هذا الحق " حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية" (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان). وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً، دافعت منظمة العفو الدولية عن هذا الحق ضد المحاولات التي بذلتها الحكومات عبر الكرة الأرضية لخنق المعارضة الدينية والسياسية والإبداع الفني.بيد أن الحق في حرية التعبير ليس حقاً مطلقاً - سواء بالنسبة للمبدعين أو لمنتقديهم. فهو ينطوي على مسؤوليات، ولذا يمكن أن يخضع للقيود باسم ضمان حقوق الآخرين. وبصفة خاصة غأن أية دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف لا يمكن اعتبارها ممارسة مشروعة لحرية التعبير. وبموجب المعايير الدولية، يجب حظر "خطاب الكراهية" هذا قانونياً.وتدعو منظمة العفو الدولية المسؤولين الحكوميين والمسؤولين عن إنفاذ القانون وإدارة القضاء إلى الاسترشاد بهذه المبادئ لحقوق الإنسان في تعاملهم مع الوضع الراهن.كذلك تدعو منظمة العفو الدولية العاملين في وسائل الإعلام إلى التصرف بحساسية ومسؤولية بحيث لا يزيدون الوضع الراهن تفاقماً. وتسلط هذه الحادثة الضوء على التأثير الجبار لوسائل الإعلام وامتدادها، وتدعو المنظمة العاملين في وسائل الإعلام إلى التحلي بقدر أكبر من التعقل السياسي، آخذين بعين الاعتبار التأثير المحتمل لإسهامهم ومجموعة الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان والمتعارضة في أغلب الأحيان.وبينما تقر منظمة العفو الدولية بحق كل إنسان في التعبير السلمي عن آرائه، بما في ذلك عن طريق الاحتجاجات السلمية، إلا أن استخدام العنف أو التهديد به غير مقبول. وينبغي على قادة المجتمع أن يبذلوا قصارى جهدهم لنـزع فتيل أجواء العداء والعنف السائدة حالياً. وتتسم الثقافة والدين بأهمية محورية في حياة العديد من الناس، لكن لا يمكن استخدامهما كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان.
|
الناس
حرية التعبير تنطوي على مسؤوليات على عاتق الجميع حرية التعبير تنطوي على مسؤوليات على عاتق الجميع
أخبار متعلقة