القانون وحده لن يحل المشكلة
القاهرة/14اكتوبر/وكالة الصحافة العربية: رغم الدعوات الرسمية والأهلية التي أطلقها المؤتمر القومي للسكان بضرورة السيطرة علي الانفجار السكاني الذي يلتهم كل خطط التنمية في مصر ، يتجدد الجدل حول إصدار مشروع قانون للحد من الزيادة السكانية من خلال فرض عقوبات على الأسر والسماح باستخدام حبوب الإجهاض وغيرها من الوسائل .وكانت دراسة حديثة أكدت عدم استيعاب المجتمع المصري لخطورة المشكلة وأبعادها وانعكاساتها المباشرة علي المستوي المعيشي للأسر بالإضافة إلي القصور الشديد في توصيل الرسالة الإعلامية في المرحلة المقبلة .وأوصت هذه الدراسة بضرورة اتخاذ قرار سياسي واضح لمواجهة المشكلة التي تلعب فيها الموروثات الدينية والاجتماعية الخاطئة دورا كبيرا في تفاقمها لدرجة أصبحت شديدة التعقيد ولا يمكن حلها من خلال جهود فردية بل تحتاج إلي تفعيل دور جميع المؤسسات فكيف يري الخبراء والمتخصصون هذه الظاهرة ؟ وما هي مقترحاتهم للحلول ؟ وهل القانون يمكنه حسم ذلك أم أن هناك وسائل أكثر فاعلية. هذا ما سوف نتعرف عليه خلال السطور القادمة.يقول د.هشام مخلوف رئيس لجنة المعلومات باللجنة الوطنية المصرية لليونسكو إن عدد سكان مصر وصل إلي قرابة 97 مليونا مع توقعات بأن يصل التعداد إلي مائة مليون بعد عشر سنوات من الآن وأن عدد المواليد السنوي يصل إلي 1.9 مليون مولود سنويا ، وهو رقم يزيد عن عدد المواليد في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا مجتمعين وأن هناك 350 ألف أسرة لديها ثلاثة أطفال و200 ألف أسرة لديها خمسة أطفال. ويري د مخلوف إن جهود التنمية لابد وأن يسبقها رصد قضايا السكان والتنمية في الدول النامية من جميع الاتجاهات بهدف التوصل إلي رؤية خبراء السكان والباحثين في مجال السكان والتنمية والممثلين لدول شرق أوروبا والدول الأفريقية والأسيوية ومصر بالإضافة إلي ممثلي الهيئات الأجنبية المعنية بقضايا السكان ، كما يجب بحث الحلول غير التقليدية للمشكلة السكانية بهدف استخلاص الدروس المستفادة من بعض الدول التي حققت نجاحات في خفض معدل النمو السكاني في تونس والصين وإيران وإندونيسيا،آخذين في الاعتبار الاختلافات بين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، كما يجب التركيز علي دور أجهزة التعليم والإعلام في تغيير سلوك الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم لتنسق مع حجم الأسرة الصغيرة وتدعم القدرة لدي الأفراد علي اتخاذ القرارات الرشيدة خاصة فيما يتعلق بقرارات الإنجاب.[c1]نعم للتنظيم[/c]ويرفض د. عبد الله ربيع أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وضع قانون لتنظيم الأسرة قائلا إن تحديد النسل هو التوقف عن الإنجاب عند الوصول إلي عدد معين من الذرية، من خلال استخدام وسائل تمنع من الحمل، ولكن في حالة تدخل السلطة في دولة ما وإصدارها قانونا ينص بعدم إنجاب أكثر من ثلاثة أطفال مثلا ، فإن هذا غير جائز شرعا كما أنه لا يجوز أن يجري الرجل أو المرأة عملية جراحية لإيقاف القدرة علي الإنجاب ، لأن تحديد النسل ممنوع شرعا، أما التنظيم فهو مطلوب بلا شك في كل شئون الحياة، مشيراً إلي أن معظم الفقهاء أجازوا استخدام وسائل منع الحمل المؤقتة بشروط أهمها الحفاظ علي صحة المرأة وعلي صحة أولادها من كثرة الحمل وتتابعه ولكن إذا تم إثبات خطورة عقاقير منع الحمل علي صحة المرأة ، فإنه من المحرم استخدامها ، انطلاقا من المبدأ الإسلامي المعروف:> لا ضرر ولا ضرار.أما د· محمد عبد الغني الأستاذ بجامعة الأزهر فيقول: النمو السكاني السريع هو البعد الأكثر خطورة في الوقت الراهن ، لأن سكان مصر قد تضاعف عددهم سبع مرات تقريبا في غضون مائة عام ، ولهذا النمو السريع أسبابه التي ترتبط بمفاهيم دينية خاطئة عن المشكلة ومسألة تنظيم الأسرة المباحة في شريعة الإسلام ، وذلك لإن الله سبحانه وتعالي منع الضرر والضرار ، ودعا لتكوين مجتمع إسلامي قوي البنيان قادر علي العطاء وصنع التقدم في جميع المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية.ويضيف د. عبد الغني : ولكي يعيش المسلم حياته الطبيعية ويعمل وينتج ويفكر ويتقدم ويكون بحق كما أراد الله سبحانه خليفة لله في الأرض ، لابد من تعديل السلوك الإنجابي للأسرة المصرية ، وهي مسألة لن تتحقق من خلال مؤتمر للسكان أو من برنامج إعلامي مشاهد أو مسموع ، بل من خلال تغيير ثقافة الانجاب التي مازالت تبحث عن كثرة عدد الأسرة ، وعن الطفل الذكر، ومن خلال تعميق الوعي الديني والفهم الصحيح لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، فديننا لا يأمرنا بكثرة الإنجاب بغير ضوابط ، ولا يأمرنا بإنجاب طفل لا نستطيع أن نعلمه أو نرعاه صحيا أو خلقيا.[c1]حسب المراد[/c]أما الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوي السابق بالأزهر الشريف فيقول: إن تحديد النسل يراد به وضع حدا لعدد الأولاد الذين ينجبهم الزوجان ، فإن كان هذا التحديد بقرار عام من جهة رسمية فلا يجوز ، لأنه يعارض توجيه الإسلام إلي تكثير النسل ، ولأنه في الغالب يبني علي مقاصد اقتصادية، وأن كثرة النسل تؤثر علي المستوي الاقتصادي للبلاد ، وأن الموارد لاتكفي إلا لعدد محدود ، وهذا مخالف لحسن الظن بالله والتوكل عليه ، وأنه ما من نفس إلا علي الله زرقها ، أما إن كان القرار خاصا بزوجين معينين فينظر سببه ، فإن كان السبب طبيا كتضرر المرأة من الحمل وخطره عليها ، وثبت ذلك من قبل طبيب حاذق أمين أو من لجنة طبية موثوقة فلا بأس بذلك ، وأما إذا لم توجد حاجة حقيقية ولا ضرورة ، وإنما قصد الزوجان الاكتفاء بعدد محدد من الأولاد وكان هذا عن تراض منهما فهذا لا يخلو من كراهة شديدة لمخالفته مقصد من أهم مقاصد الزواج ، لكن لا أقول بتحريمه لأن ترك الزواج وإيثار العزوبة ليس بمحرم .[c1]مجتمع قوي[/c]ويقول د. محمد رأفت عثمان الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر: إن تعديل السلوك الإنجابي ضرورة دينية واجتماعية فكل أسرة مصرية إذا اكتفت بطفلين أو ثلاثة علي الأكثر سينتج عن هذا حسبما تشير البيانات ، انخفاض عدد المواليد إلي نحو مليون مولود سنويا بدلا من 1.9 مليون ، وهذا يعني توفير المعيشة الكريمة لكل مسلم وأن عدد المتلحقين ببداية مرحلة التعليم الأساسي بعد ست سنوات سيكون نصف العدد الذي يتم استيعابه اليوم ، وبالتأكيد فإن هذا التوجه سينعكس علي جودة التعليم وعلي الرعاية الصحية وعلي فرص العمل وعلي الموارد الاقتصادية .ويضيف د. عثمان: إن تسليط الضوء علي المشكلة بشكل مستمر أصبح أمرا في غاية الأهمية ، لأن شريعة الإسلام دعت لتكوين مجتمع مسلم قوي ، وتكوين حضارة إسلامية ناصعة ، ولن يحدث ذلك بكثرة عدد السكان ، بل بالارتقاء بالتنمية البشرية وبمستوي التعليم يقول الله سبحانه ( إنما يخشي الله من عباده العلماء ) فالعلم وليس كثرة الإنجاب هو الذي يساعد الإنسان علي تحقيق مطالب الحياة ، وهو الذي سيجعل مصر قوية آمنة.ويشير د.رأفت أن أحدث تقرير صادر عن المعهد القومي للتخطيط أكد أن معدلات الفقر مازالت مرتفعة بشكل عام في مصر حيث تتجاوز الـ 02% عن زيادة التجمعات العشوائية وزيادة معدل الفقر في محافظات الصعيد ، وأن هناك أكثر من 51% من الأطفال من 6 سنوات إلي 51 عاما لم يلتحقوا بالتعليم الأساسي أو تسربوا منه.ويقول الخبير الأمني اللواء فؤاد علام : إن هناك علاقة بين قضايا السكان والأمن ، فكما أن الزيادة السكانية وقضايا السكان تؤثر علي التعليم والصحة فإنها تؤثر علي الأمن أيضا فالزيادة السكانية تتطلب الزيادة في أعداد أفراد الأمن والزيادة في الخدمات الأمنية لتحقيق الأمن للمجتمع مما يعني أنه لابد من دراسة التوقعات السكانية في المستقبل ورصد الزيادة بها لتحديد القدرات الأمنية للحفاظ علي الأمن ، كما أن هناك قضية أخري تتعلق بالأمن والتوزيع السكاني غير المتوازن حيث وجد أن هناك مناطق كثيفة السكان وهي في الغالب المناطق العشوائية التي تتعرض لتداعيات أمنية ، ويؤدي انتشار الفقر الناتج عن الزيادة السكانية في المناطق العشوائية إلي انتشار جرائم السرقة وظهور المخدرات بالإضافة إلي أن طبيعة المناطق العشوائية وطرقاتها الضيقة لا تسمح بمرور سيارات الأمن مما يعوق القدرة الأمنية وهو ما يشكل خطورة خاصة أن نسبة كبيرة من المتطرفين ظهرت من المناطق العشوائية.