د . هدى البان وزيرة حقوق الإنسان :
صنعاء / سبأ:أفصحت وزيرة حقوق الإنسان الدكتورة هدى البان عن عزم الوزارة خلال هذا العام عقد مؤتمر الحوار الوطني الثاني حول العدالة الجنائية في التشريع اليمني، ومؤتمر حوار موسع مع مختلف أطياف العمل المدني لمناقشة مختلف القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان في اليمن، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع. وقالت في حوار أجرته معها وكالة الأنباء اليمنية ( سبأ): إن اليمن قطعت أشواطاً لا يستهان بها في مجال تعزيز وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان على الرغم من وجود بعض الصعوبات السياسية والاجتماعية والثقافية. وأضافت: نحن ما نزال في بداية الطريق، وما يزال أمامنا كثير لتحقيقه، وتظل هذه التطورات تشوبها أوجه قصور محدودة في التطبيق كونها تمثل تجربة ناشئة، وهي بحاجة إلى وقت حتى تتجذر بصورة حقيقية وكاملة في المجتمع.. ولكننا نفاخر أن لدينا الإرادة والنية الصادقة للاستمرار في هذا النهج حتى النهاية وهذا هو المهم. وأشارت إلى أن قضية تحديد السن الآمنة للزواج أظهرت مدى الفهم السطحي وعدم التعمق في إدراك المقاصد الحقيقية للتشريع الإلهي لدى الكثيرين معتبرة الاستشهاد من قبل البعض بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها غير جائز مطلقاًً، فلكل زمن خصوصياته وتشريعاته الخاصة فإلى نص الحوار : - رغم التوجهات السياسية العامة منذ سنوات بشأن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، إلا أن هناك ضغوطا ذاتية تتعلق بالتكوين الثقافي والفكري والاجتماعي، وأخرى موضوعية ترتبط بالوضع الأمني والاقتصادي في اليمن، فما هو تقييمكم لما تم إنجازه في هذا المجال؟ - - عندما اختارت القيادة السياسية الحكيمة بعد تحقيق الوحدة المباركة عام 1990م العمل على تطوير نظام الحكم سياسياً وحقوقياً، وتعزيز فرص التنمية والعدالة والمساواة والتمكين واحترام حقوق الإنسان، في ذلك الوقت كانت كل الظروف والعوامل تشير إلى وجود صعوبات كثيرة بسبب الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في حينه ولم تتشكل بعد أفكاره ومعارفه بالصورة التي تجعله قادراً على التعامل مع هذه المبادئ والحقوق بصورة صحيحة، خاصة وأن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان بمضامينها وأفكارها الواسعة والحديثة تقوم على آليات وممارسات متطورة تؤطر لنجاحها وتضمينها قوانين وتشريعات ، وهي بحاجة إلى مستوى وعي جماهيري كبير لاستيعابها وفهم مضامينها وأهدافها ولكن إصرار قيادتنا السياسية على المُضي قُدماً في هذا النهج، وسرعة تقبل الغالبية العظمى من المجتمع لهذه التحولات ،أديا إلى تحقيق كثير من الإنجازات قطعت خلالها بلادنا أشواطاً لا يستهان بها في هذا المجال، في فترة قياسية تكشف عن حجم الجهود التي بذلت في هذا الخصوص. ولكن إدراك حجم هذه الإنجازات والتطورات بحاجة أولاً إلى فهم عميق لماهية الديمقراطية وارتباطها بحقوق الإنسان بمعناها الشامل حتى نستطيع الحكم عليها، لان الكثيرين في بلادنا حتى من الطبقة المثقفة ينظرون إليها من منظور ضيق ، معتقدين أنها ترتبط فقط بما تقوم به الدولة. وفيما يخص حقوق الإنسان فهي أعم وأشمل بكثير من أن ترتبط بعلاقة المواطن بالأجهزة الأمنية والقضائية، وقضايا السجون، وحقوق المرأة والطفل، فمجموعها يمثل جملة من السياسات والبرامج التي تقوم عليها توجهات الدولة ونظام حكمها بشكل عام، وتشمل مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والتنموية والحقوقية وغيرها باعتبارها كلٌ متكامل لا يتجزأ. ومن خلال هذا المفهوم الواسع يمكننا القول أن بلادنا قد حققت كثير وكثير في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان بدءا من تطوير نظام حكمها القائم على الديمقراطية وتعزيز مبدأ سيادة القانون، وضمان حرية الرأي والتعبير، وحرية تبادل المعلومات ،وحق تكوين الأحزاب السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتطور نظام الحكم المحلي نحو اللامركزية الإدارية ،وضمان استقلال القضاء، وبناء منظومة تشريعية ضامنة لمختلف هذه الحقوق، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب، ومكافحة الفساد، والتوسع في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وخلق تفاعل لدى الجهات المعنية بشكاوى المواطنين حول أي انتهاكات أو مطالب حقوقية، وفتح الباب واسعاً أمام إنشاء وتكوين منظمات المجتمع المدني الروح النابض لحقوق الإنسان في المجتمع، وفتح آفاق تعاون واسعة مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حقوق الإنسان توجت بالتوقيع على 57 اتفاقية ومعاهدة دولية ترتبط بحقوق الإنسان. بالإضافة إلى التعامل بجدية مع مختلف التقارير الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا وغيرها من الإنجازات التي تعتبر مؤشراً واضحاً لما وصلت إليه بلادنا في هذا المجال ..و لكن هذا لا يعني بأننا قد وصلنا إلى درجة الكمال، وإننا قد حققنا المستحيل، فنحن لا نزال في بداية الطريق، وما يزال أمامنا الكثير لتحقيقه، وتظل هذه التطورات تشوبها أوجه قصور محدودة في التطبيق كونها تمثل تجربة ناشئة ، وهي بحاجة إلى وقت حتى تتجذر بصورة حقيقية وكاملة في المجتمع، ولكننا نفاخر بأن لدينا الإرادة والنية الصادقة للاستمرار في هذا النهج حتى النهاية، وهذا هو المهم. - على صعيد التشريعات الموجودة يلاحظ أن بعضها يتعرض لانتهاك، والتعديلات القانونية تواجه صعوبة في إنجازها، معادلة صعبة كيف يمكن التغلب عليها؟ - - هذا الحكم فيه مبالغة ولا يستند إلى أي حقائق موضوعية، فتشريعاتنا والحمد لله متميزة إلى حدٍ كبير، وإن شابها بعض أوجه قصور في التطبيق فهي أمور قد تحصل كحالات فردية يجرمها ويعاقب عليها القانون، ولا تمثل بأي حالٍ من الأحوال سياسة عامة أو نهجاً منظماً مطلقاً. وفي كل العالم، تظل التشريعات قاصرة سواءً من حيث المضمون أو التطبيق ،ولتلافي ذلك القصور تسعى الدول الديمقراطية ومنها بلادنا إلى تطوير تشريعاتها وإعمال مضامينها على ارض الواقع بصورة دائمة، ونحن في الحكومة اليمنية لدينا برنامج واسع لتطوير المنظومة التشريعية ومواءمتها تضطلع به العديد من الجهات ذات العلاقة ومنها وزارة حقوق الإنسان، التي تقوم بدراسة مختلف القوانين والتشريعات الوطنية، ورفع التوصيات بشأن تطويرها ومواءمتها إلى الجهات المختصة. كما أن لدينا مشروع العدالة الجنائية في التشريع اليمني نعمل عليه منذ فترة بالتعاون مع المعهد الدانمركي لحقوق الإنسان بمشاركة واسعة من القانونيين والمختصين وممثلي الجهات الرسمية ذات العلاقة ومنظمات المجتمع المدني، ويهدف المشروع إلى دراسة مختلف القوانين والتشريعات الوطنية ذات الصلة بالعدالة الجنائية والعمل على تطويرها ومواءمتها، والحمد لله تم تنفيذ العديد من التعديلات القانونية، ولم تواجه أيا من هذه التعديلات أي صعوبة في إقرارها. - على صعيد التشريعات الاجتماعية، هناك تشريعات من شأنها تعزيز حقوق الإنسان في اليمن، ولكنها تواجه صعوبات ومعارضة شديدة في مجلس النواب، مثل المادة المتعلقة بتحديد سن الزواج في قانون الأحوال المدنية، ما هو دور وزارتكم في تحديد سن الزواج وإقرار هذه المادة التشريعية؟ - - الزواج المبكر وتحديد سن للزواج قضية مهمة، وهي محل جدل ونقاش واسع في بلادنا هذه الأيام، وفي خضم هذا الجدل تُزهق روح زوجة جديدة في الثالثة عشرة من عمرها ويتم إسعاف أخرى في حالة خطيرة في محافظة حجة للسبب نفسه، ومع ذلك لا يزال كثيرون مصرين على موقفهم الرافض لتحديد سن طبيعية للزواج، مصممين على أن هذه القضية تعتبر من الثوابت الدينية التي لا يمكن التساهل فيها أو التنازل عنها، وليس للطب أو غيره أي شأن فيها. وقد أظهرت هذه القضية مدى الفهم السطحي وعدم التعمق في إدراك المقاصد الحقيقية للتشريع الإلهي لدى كثير من العلماء، والدليل وجود علماء دين كبار لهم رأي مخالف في هذه القضية، وفي اعتقادي أن الاستشهاد من قبل البعض بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها غير جائز مطلقاًً، فلكل زمن خصوصياته وتشريعاته الخاصة. وهنا تكمن عظمة ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يتسم بالمرونة وعدم الجمود، فهو دين يسر صالح لكل زمان ومكان، وتتماشى مبادئه ومقاصده مع كل المتغيرات التي تصب لمصلحة الإنسان مع عدم التفريط أو التهاون في القواعد الثابتة مطلقاً، وأكبر دليل الآراء الفقهية المختلفة تماماً لدى الكثير من العلماء الثِقاة في قضايا دينية أكبر من هذه القضية، ولا يزال يؤخذ بجميعها حتى اليوم. وفي اليمن قد تصل الفتاة إلى سن الثامنة عشرة ولم تكتمل بعد أعضائها الجسمانية، بسبب المصاعب التي تواجهها نتيجة الطبيعة الجبلية القاسية، والظروف المعيشية الصعبة. وفي رأيي إن ما ذهب إليه شيخ الإسلام في عصرنا هذا فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في حديثه لقناة الجزيرة هو الرأي الشرعي الصحيح الذي يجب الأخذ به كونه رأي العقل والمنطق والدين، ونحن في الوزارة سعينا بكل جهد من أجل هذه القضية، ومصممون على المضي فيها حتى يتم تعديل هذه المادة وإقرار سن مناسبة للزواج. - يرى الكثير من المراقبين المحليين والدوليين أنه حدث تراجع على صعيد احترام حقوق الإنسان في اليمن خلال عام 2009م.. مثلاً حرب صعدة، الحراك الجنوبي، الحرب ضد القاعدة، التصنت، قطع الاتصالات عن مناطق واسعة، ملاحقة الصحفيين، غلق مناطق الأحداث أمام وسائل الإعلام، كوزيرة لحقوق الإنسان هل هذا الكلام صحيح؟ - - في حال حدوث أي مشاكل أو اختلالات أمنية فمن الطبيعي أن تتدخل الدولة لتنفيذ واجباتها لمصلحة المجتمع ، وقد يرافق ذلك التدخل تنفيذ قيود معينة، وهي إجراءات طبيعية قانونية ومتوازنة تحدث في كل مكان، وتقرها كل القوانين الدولية والوطنية، كونها تهدف إلى ضمان المصلحة العليا للوطن والمواطن وضمان أمنه واستقراره.. إلا أن المماحكات السياسية، وعدم الدقة والموضوعية لدى الكثير من وسائل الإعلام يؤدي إلى قلب الحقائق وتضخيم هذه الإجراءات، ما يعمل على تحول دور هذه الوسائل من ناقل أمين للوقائع والأحداث إلى مُحرض يزيد إذكاء النار ويصب الزيت عليها بقصد أو بحسن نية منها. ولكننا نؤكد أن أي إجراءات اتخذتها الدولة هي إجراءات قانونية لا تشكل تراجعاً لحقوق الإنسان بأي حالٍ من الأحوال ، بل تصب في مصلحة الوطن والمواطن بدرجة رئيسية. ولا يتضرر من هذه الإجراءات إلا من يريد الشر لهذا الوطن تنفيذاً لأجندة أجنبية، ومن يحلم بفض العقد الاجتماعي المتين الذي اختاره شعبنا اليمني بقناعه من اجل مصالح شخصية ضيقة، وهذا أمر بعيد المنال. - ما هي أهم برامج الوزارة لعام 2010م؟ - - سوف تعمل الوزارة خلال العام الجاري 2010م، على استكمال تنفيذ البرامج التي تقوم عليها عملية تعزيز وحماية حقوق الإنسان، والتي تصب في مشروع الإصلاحات القانونية من خلال دراسة ومراجعة