فرحت الجماعات الإرهابية بسلسلة عملياتها الإرهابية ضد المصالح الأميركية، بدءاً بضرب مركز التجارة العالمي عام 1993، مروراً بعمليات العُليا في الخبر، فالصومال والسفارتين فالمدمرة كول، وانتهاءً بالنجاح الكبير في إدماء أنف المارد الأميركي بعمليات (11/9) الانتحارية التي ضربت رموز الشموخ والكبرياء الأميركية الاقتصادية والعسكرية وأسقطت 3 آلاف ضحية.وفي حينها تبادل زعماء التنظيمات الإرهابية وأنصارها التناهي والتبريك وحمدوا الله على التوفيق في غزوتهم الكبرى. ولكنهم لم يهنأوا بالنصر طويلاً إذ جاءهم العذاب سريعاً، وانطلق المارد ليغزو دارهم ويزلزل كيانهم ويشرّد قادتهم ويمزّقهم شر ممزّق ومن تبقى منهم أخذوا مكبلين في الأصفاد إلى أقفاص معتقل غوانتانامو الرهيب.بعد تلك الضربة الماحقة، ظن كثيرون أن قدرة التنظيمات على شنّ عمليات جديدة قد تلاشت، واستمر ذلك لمدة سنتين كانت هذه التنظيمات شبه مشلولة وغير قادرة على الحركة. ولكن الأحداث اللاحقة بعد ذلك بيّنت خطأ ذلك الظن، إذ سرعان ما أعادت لملمة صفوفها وبدأت تتواصل وتنسّق مع خلاياها المنتشرة في نحو 60 دولة، معتمدة في الترويج لنفسها وكسب أنصار جدد، على أساليب التحريض بالشرائط التسجيلية والصوتية.والتي تسابقت فضائيات عديدة في بثها، عبر شبكة الانترنت ـ بوابة التطرف ـ التي وصفها أحد وزراء الداخلية بـ «إمام الضلال» وعبر المنابر الريفية المتعاطفة مع فكر الإرهاب والانتقام والداعية عقب صلاة الجمعة «اللهم أنصر المجاهدين»!! تناسل الإرهاب وفرخ خلايا وفروعاً عديدة في العديد من الدول في بلاد الرافدين، وشمال إفريقيا والمغرب، وفي السعودية والخليج، ثم ذهبت إلى أوروبا وغزت الجاليات الإسلامية هناك، واختطفت بعض أبنائها وحوّلتهم قنابل بشرية روّعت أوروبا وهزّت مدنها وعواصمها.وعادت إلى البلاد العربية أكثر ضراوة ووحشية لتفتك بالأبرياء وتستهدف تجمعات المدنيين وبخاصة في بغداد كمحطات الحافلات والمطاعم التي يرتادها الطلاب ـ لقد كانت حصيلة أسبوع واحد أكثر من 1000 قتيل وجريح عراقي، غير المئات من الضحايا في تفجيرات الجزائر والمغرب والسعودية. لم يعد الإرهاب عراقياً، كما يقول شاكر النابلسي وإنما شاملاً ضد زهرة الحداثة.لذلك لا أفهم هذا الفصام العقلي لدى البعض حين يصف الإرهابي في العراق بالشهيد والمقاوم، فإذا سقط في السعودية أو الجزائر قيل إنه (إرهابي) مع أن الذي هنا هو هناك، الفكر العدواني نفسه، والمشاعر العدوانية نفسها!! كيف نصف من يفجر المدارس والمستشفيات ولا يحترم قدسية الأماكن الدينية بل ويفجر نفسه في المطاعم ومحطات الحافلات الغاصة بالعمال الكادحين بأنه شهيد؟!لقد وصلنا إلى الحالة التي ننام فيها على المشاهد الدامية لنُصبح على مجازر أكثر دموية في الفضائيات والصحف، لماذا استشرى العنف الإرهابي؟! ولماذا أصبح بهذا الجنون والوحشية؟! ولماذا لم ننجح في مواجهته وعلاجه؟ نعم المواجهة الأمنية ناجحة وفعّالة استطاعت القضاء على أبرز القيادات والزعماء، ونجحت في تصفية العديد من القوائم الأمنية غير الذين قبض عليهم. ولكن لماذا تزداد العمليات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء؟!في تصوري ان ذلك يرجع إلى حجزنا في تفسير (الظاهرة الإرهابية) وتفكيكها إلى عواملها البنيوية الداخلية وعواملها البيئية المساعدة. وذلك بسبب تحكم وسيادة ثلاثة مناهج منتشرة في الساحة العربية كتفسير للإرهاب وهي:الأول: المنهج أو الخطاب الإنكاري: ويتمثل في تلك المقولة المتداولة (لا يفعلها مسلم) بمعنى تبرئة المسلمين من الأعمال الإرهابية واتهام الأعداء، وهم في العادة (الموساد) و(المخابرات الأميركية)، ومصداق ذلك أنه لا يزال قطاع كبير من الرموز الدينية والنخب الفكرية والجماهير على يقين أن 11/9 من فعل الموساد أو المخابرات الأميركية وقريب منه، كان كثيرون ينكرون وجود (الزرقاوي) محملين (إسرائيل وأميركا) مسؤولية ما يحدث في العراق.الثاني: المنهج أو الخطاب الدفاعي، ويتمثل في القول المعاد والمتكرر (الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا جنسية)، أو القول بأنه (فيروس عابر ودخيل)، أو تكرار القول (بأن هذا مما يبرأ منه الإسلام)، الدفاع مطلوب وهو يشرفنا، ولكنه لا يكفي لمواجهة الإرهاب لأن السؤال هو: لماذا يحصل ما يحصل باستمرار وباسم الإسلام؟! والإسلام أعلى وأعظم من أن يكون في موقف اتهام، وهو القائل (ولقد كرمنا بني آدم) وجعل قتل نفس واحدة قتلاً للناس جميعاً.الثالث: المنهج أو الخطاب التبريري وهو الأكثر شيوعاً عبر المنابر الدينية والإعلامية، وهو منهج يحاول ربط الإرهاب بأسباب سياسية أو صراعات دولية أو عوامل اجتماعية واقتصادية، بالقول ان الإرهاب هو نتيجة أو محصلة للقهر السياسي لبعض الأنظمة التي تخنق الحريات وتعادي الديمقراطية.أو أنه يأتي كرد فعل لمظالم أميركية وغربية وسياسة الكيل بمكيالين والانحياز الأعمى لإسرائيل والتآمر العالمي على المسلمين، ومن باب الثأر والانتقام للكرامة الجريحة بسبب الاحتلال الأميركي والإسرائيلي. أو تبرير الإرهاب بالبطالة والفقر أو التحجج بشيوع المنكرات والفساد والتحلل وتبرج المرأة وحصولها على الحقوق السياسية وتوليها المناصب القيادية مما يعد منكراً في نظر هؤلاء!!وفي تصوري أن كل تلك التبريرات لا أساس لها، فأولاً: فنحن لسنا الأمة الوحيدة التي تعاني من بعض المظالم، فأمم وشعوب في إفريقيا وأميركا وآسيا تعاني مظالم أشد منا، وثانياً: على مر التاريخ الإسلامي ومنذ الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا، مظالم المسلمين ضد بعضهم بعضاً أعظم من مظالم الأعداء لهم، وثالثاً: لم يثبت على مر التاريخ أن عملاً إرهابياً رد مظلمة أو حقق هدفاً سياسياً.وأما بالنسبة لغياب الديمقراطية والحريات فلا يوجد في أدبيات الجماعات والتنظيمات الإرهابية أية مطالب ديمقراطية بل تعاديها وتعتبرها (كفراً)، أما (البطالة) فتناقضها الحالة الميسورة لزعماء التنظيمات وأفرادها، والذين تتوافر عندهم الأموال والذخائر والأسلحة والمعدات.كما أن شعوباً عديدة عانت أوضاعاً صعبة ـ قديماً وحديثاً ـ لم تتجه أو تدفع أبناءها إلى تدمير ذاتها في الأبرياء كما نفعل، أما الاحتلال الأميركي فأزعم أنه لو رحل المحتل الأميركي ـ غداً ـ لما توقف الإرهاب في العراق بل ازداد عنفاً ووحشية. وأما قضية فلسطين فكافة برامج وأدبيات الجماعات الإرهابية لا تتضمن أي مطلب له علاقة بفلسطين، وأما خروج المرأة وتبرجها فتبرير غير مقبول إذ ما تفسير العمل الإرهابي للسعودية؟ وإذ لم تفلح المناهج الثلاثة في تفسير الظاهرة الإرهابية، يبقى المرض مستمراً بل وقد يتفاقم ما لم نتبن (المنهج النقدي) الذي يقول ما لنا وما علينا، وذلك حديث آخر.[c1]نقلاً عن صحيفة (البيان) الإماراتية[/c]
كيف يفسّر العرب الظاهرة الإرهابية ؟
أخبار متعلقة